يوسف عبد الهادي
مقدمة:
على إثر جلسات استثنائية صاخبة للبرلمان الليبي سقطت حكومة عبد المجيد كعبار في 16 أكتوبر من سنة 1960 , وذلك جراء ما عُرف بقضية طريق فزَّان. عندها سنحت الفرصة للملك إدريس لتعيين رئيس وزراء جديد وهو المرحوم السيد محمد بن عثمان الصيد, والذي سيتحقق بتعيينه 3 أمور:
أولها: أن الصيد وزير من وزراء الحكومة المقالة, وهذا فيه نوع من رد الاعتبار لوزارة كعبار التي أدت دورها بكفاءة وجدارة وحققت إنجازات واضحة وملموسة في مسيرة البناء, والتي ظُلمت بشكل واضح في قضية الطريق المذكورة.
ثانيها: أنه لم يتم اختيار أي فزّاني حتى الآن لتولي منصب رئيس الحكومة, وهذه جاءت فرصة مناسبة ليتولاه رجل كُفؤ وشجاع كالسيد الصيد صاحب التاريخ الطويل في النضال وفي مسيرة بناء الدولة الليبية.
وثالثها: هو أن اللغط الذي تسبب في الأزمة الماضية كان بسبب طريق يخص إقليم فزان, ولن يجد الملك أفضل من رئيس وزراء من نفس الإقليم لإرسال رسالة واضحة يُظهر فيها حرصه على هذا الجزء من الوطن العزيز.
وبالفعل تولى الوزير بن عثمان مهامه وأداها على وجه حسن, وأنجز الكثير خلال فترة مكوثه في ذلك المنصب (16 أكتوبر 1960 – 19 مارس 1963), إلّا أن شبهات الفساد بدأت تحوم ومن جديد وبقوة حول هذه الوزارة وحول رئيسها نفسه, وبشكل تجاوز مجرد التكهنات, حتى وإن كان اليقين حاسمًا بأن هذه التُهم لا تتعلق بالتعدي على مليم واحد من أموال الدولة أو بالتلاعب في مواصفات, وإنما انحصرت في الحصول على عمولات نقديّة وعينية من شركات أجنبيّة تم منحها عطاءات لمشاريع كُبرى وأهمها مشروع بناء مدينة المرج.
المهم كثُرت الأقاويل وترسخت الشائعات حتى وصلت بشكل رسمي إلى مسامع الملك, وفي النهاية –وكما حدثني شخصيًا– كانت زيارة الوزير عبد المولى لنقي للملك للاحتجاج ولتقديم استقالته واطلاعه على تفاصيل مريبة؛ هي قشة البعير في صبر الملك الذي فاجأ الجميع بمن فيهم الصيد نفسه بطلبه من الرئيس تقديم استقالته, رغم أن هذه الوزارة حوت في معظمها وزراء سمعتهم فوق مستوى الشبهات, وليخلف الصيد المرحوم السيد محي الدين فكيني.
هذا, وبفضل جهود مشكورة للدكتور “عادل علي العنيزي” أُتيحت لنا الفرصة للاطلاع على وثيقة انجليزية أرسلها السفير البريطاني في ليبيا الى وزارة خارجيته عقب إقالة الوزير الصيد وتعيين الدكتور محي الدين خلفًا له.
ومع اعتماد أقصى درجات الحذر عند التعامل مع هذه النوعيّة من الوثائق إلا أنه يمكن ملاحظة عدة نقاط حساسة وهامة ومنها:
أنه تم اقالة السيد محمد بن عثمان الصيد –كما أسلفنا– بسبب انتشار كم من تُهم الفساد أثناء رئاسته للحكومة, وأن عدد من النواب قدموا عريضة الى الملك احتجاجا على انتشار هذا السلوك.
وأيضًا فإن إقالة السيد بن عثمان –الذي كان يتوقع ان يستمر في منصبه حتى نهاية مدته– كانت مفاجأة للسفير البريطاني نفسه, وأن السفير يعتبر بريطانيا فقدت صديق حميم في السيد الصيد, وهذا يجبرها أن تعيد تقييم سياساتها في ليبيا.
ثم يتحدث السفير عن الخَلَف فكينى ووزرائه ويضيف أنه لا يشعر بالارتياح بالنسبة المصالح بريطانيا نتيجة تعيين السيد فكينى. كما يتخوف من أن فكيني قد يتجه إلى زيادة التعاون مع أمريكا بسبب حجمها وإمكانياتها مقارنة ببريطانيا على حساب التعاون مع بريطانيا …. إلخ.
…
يتبع ترجمة لنص البرقية
______________
المصدر: صفحة وثائق ليبية قديمة