محمد محمد المفتي (*)

لا خلاف في أن بريطانيا كان لها حضور جوهري في مسار السياسة الليبية في زمن المملكة. وكان ذلك نتيجة لحرص بريطانيا على وجود قواتها في ليبيا، كجبهة متقدمة لحماية مصالحها في قناة السويس ونفط الشرق الاوسط.

هناك أيضا الحلف المضمر والثقة المتبادلة بين السيد ادريس وبريطانيا، الذي ربما يعود إلى عام 1919، حين شارك الانجليز في مفاوضات الزويتينة وعكرمة والرجمة بين السيد إدريس والطليان، وهي المفاوضات التي قادت إلى تأسيس إمارة اجدابيا.

ثم كانت استجابة السيد إدريس السريعة والفعالة لمعاونة الجهد العسكري البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية.

***

التقرير السياسي الشهري  من مكتب طرابلس، عن شهر فبراير 1952. ملف رقم 97267 – FO 371:

1ـ الحدث الرئيسي لهذا الشهر هو الانتخابات الليبية، الأولى من نوعها والتي عقدت في كل أرجاء ليبيا، في يوم 19 فبراير، وكانت نتيجتها فوز الحكومة بـ 28 مقعد من 35، في ولاية طرابلس.

2ـ ومع اقتراب يوم الاقتراع .. كشفت تصريحات زعيم المعارضة بشير السعداوي، عن احتمال وقوع أعمال شغب إذا لم تكن النتائج لصالح المعارضة .. كما أنه أخبر الناس بأن الحكومة ناوية على تزوير السجلات .. وقد زار وفد من المعارضة بنغازي للشكوى من تصرفات الحكومة وعادوا متفائلين ظاهريا .. لكنهم كانوا منزعجين إبان اجتماع خاص مع بشير السعداوي، واشتكوا من عدم مقابلة الملك لهم، بحجة أنه متوعك.

3ـ تزايد عدد المستقبلين من حزب المؤتمر الوطني، في بداية فبراير.

4ـ في يوم 8 فبراير، إثر تحقيقات البوليس في حادثة إلقاء قنبلة على مكتب جريدة “الليبي”، ثم تسفير عبدالحميد السعداوي إبن أخ بشير السعداوي إلى مصر، رغم عدم توفر أدلة تربطه بالحادثة، لكن تصريحاته اعتبرت تحريضية من قبل سلطات الأمن.

5ـ قبيل الانتخابات، وبالتحديد يوم 13 فبراير، زار السعداوي المفوض البريطاني والقائم بالاعمال الأميركي، وكرر ما كان بقوله في الماضي، بأنه أكبر صديق لبريطانيا، وإنه يأسف أن الانجليز لم يظهروا حياله أي تشجيع.

6ـ ….

7ـ سعت الحكومة إلى مواجهة حملة المعارضة الانتخابية، بحملة دعائية، وزار رئيس الوزراء المنتصر عددا من مناطق الدواخل. كما أصدرت الحكومة بيانا انتخابيا حوى 19 نقطة لخّص برنامجها وخططها.

8ـ ….

9ـ وصلتنا تقارير يوم الانتخابات عن عدد من الصدامات بين البوليس والجمهور في كل من سرت ومصراته وترهونة وسوق الخميس وسواني بن يادم. كما أن البوليس اضطر إلى إطلاق النار في تلك المناطق بعد أن عجز عن تفريق المتظاهرين.

10ـ في اليوم التالي للانتخابات وقعت أحداث شغب إضافية في قصر بن غشير وسوق الجمعة والخمس. أما مدينة طرابلس نفسها فقد شهدت فرحا واستبشارا دون أي صدامات، إذ بات من الواضح نجاح مرشحي المعارضة في دوائر المدينة الخمسة. وفي مساء نفس اليوم، ونظرا لأن النتائج الأولية أكدت فوز الحكومة بأغلبية صريحة، عُقد اجتماع في منزل بشير السعداوي، وفيه تقرر إعلان الإضراب العام لمدة سبعة أيام. وإذا لم تُلغى نتائج الانتخابات في تلك الفترة، فسيعلنون حالة الحرب الأهلية ومهاجمة مباني الحكومة وخاصة مراكز الشرطة.

11ـ في فجر يوم 21 فبراير، وجدت منشورات مكتوبة بخط اليد، ملصقة على بعض الجدران في شوارع المدينة، تدعو الناس للثورة ضد الحكومة، وفي الصباح أُرغم بعض الغوغاء أصحاب المحلات على إغلاق متاجرهم.

هذا وقد سافر رئيس الوزراء إلى بنغازي وعاد في نفس اليوم. كما فرض حظر التجول من الساعة السادسة مساءً إلى السادسة صباحا. وتقرر ترحيل بشير السعداوي إلى مصر في اليوم التالي، ومعه كل من أخيه نوري وإبن أخيه زهير ومعاونه خليفة شعبان. كما تقرر ترحيل سكرتير المؤتمر أحمد زارم إلى تونس.

وفي صباح 22 فبراير تم القبض على كل هؤلاء، ونقلوا إلى المطار ليستقلوا الطائرة إلى مصر. كما تم تفتيش مقر حزب المؤتمر الوطني، وصودرت كل وثائقه. وفي ذلك اليوم وقعت أحداث شغب في صبراته والزاوية، نجح البوليس في السيطرة عليها.

12- بلغ العدد الكلي للإصابات في فترة الشغب (من 19 إلى 22 فبراير): 17 قتلى و210 جرحى .. كما تم اعتقال 300 شخص، وعُثر على أربع مسدسات في منزل السعداوي.

13ـ قررت الحكومة حلّ حزب المؤتمر بعد ترحيل بشير السعداوي.

ويختتم التقرير بتقييم نهائي:

” … وقد عادت الأمور إلى وضعها الطبيعي، كما أبدى معظم نواب المعارضة استعدادهم للتعاون مع الحكومة”.

***

التقرير السياسي عن طرابلس، لشهر مارس 1952، ملف رقم 97267 FO 371

1ـ إثر إبعاد بشير السعداوي في الشهر الماضي، وحل حزب المؤتمر الوطني، غاب أي نشاط سياسي وعاد الوضع عموما إلى الطبيعي. وتم إقفال فروع حزب المؤتمر في الإقليم دون أي مشاكل. كما إن عددا كبيرا من أنصار المؤتمر السابقين اتصلوا بالسلطات خلال هذا الشهر وتعهدوا بالولاء للملك الليبي وحكومته.

2ـ في يوم 8 مارس، صدر مرسوم ملكي موقع من رئيس الوزراء، بتعيين طرابلسيين أعضاءً في مجلس الشيوخ، ولم يستثر الأمر أي تعليق بين الناس.

3ـ عُين عمر باشا الكيخيا، رئيس وزراء برقة السابق، رئيسا لمجلس الشيوخ، وعُين كنواب له كل من سالم بي المنتصر (طرابلس) وأبوبكر حامد (فزان). واستاء سالم المنتصر من ذلك حتى أنه لم يذهب إلى بنغازي لحضور الافتتاح.

4ـ افتتح البرلمان يوم 25 مارس بكل الطقوس والفخامة، وحاول مصطفى ميزران، الشخصية المهمة المتبقية من المؤتمر الوطني، أن يحظى برئاسة مجلس النواب لكنه فشل في ذلك المسعى.

5ـ مع مرور الوقت، بدأ معظم الناس يدركون عدم جدوى تحركات السعداوي إبان الإنتخابات، التي قادت إلى الإضطرابات ومن ثم إلى الموتى والجرحي والإعتقالات. ومع ذلك تبقى مجموعة من المتعصبين من أنصار المؤتمر، الذين يصرّون على أن السعداوي سيعود قريبا إلى طرابلس.

6ـ يوم 29 فبراير، قام الصادق بن زرعة، بإبلاغ الحكومة بحل حزبه المسمى حزب الأحرار، علما بأن الرجل خاض الانتخابات وفشل.

7- عقد على الفقيه حسن، رئيس الكتلة الوطنية الحرة، عدة اجتماعات أملا في اجتذاب بقايا أنصار المؤتمر، ولكن دون أن يحقق أي نجاح.

***

التقرير السياسي عن طرابلس، لشهر أبريل 1952، ملف رقم 97267 FO 371

1ـ أجريت محاكمة المتورطين في اضطرابات الانتخابات الأخيرة، وقد أفرج عن الكثيرين .. والبقية صدرت بحقهم أحكام بالسجن.

2ـ في يوم 17 أبريل قتل شيخ قبيلة في منطقة العجيلات، كان قد قدم معلومات مهمة للبوليس قادت إلى اعتقال ومحاكمة متظاهرين إبان الانتخابات في تلك المنطقة. ولم يقبض على قاتليه حتى الآن.

3ـ واصل السعداوي اتصالاته بالرسائل مع الأعضاء الرئيسيين في حزب المؤتمر الوطني المنحل، مهيبا بهم مواصلة معارضة الحكومة، وخاصة مهاجمة أي معاهدات معنا أو مع الأمريكيين.

ونظرا لعدم توفر الأموال، فإن البقية الباقية من أعضاء المعارضة عاجزين عن كسب أي تأييد، ولعله من المهم أن نلاحظ أن الصحافة المصرية تجاهلت نشاطات بشير السعداوي منذ عودته إلى مصر.

4ـ في 20 مارس، بعثت وزارة الخارجية الليبية مذكرة إلى كل الحكومات العربية لشرح الأحداث التي قادت إلى إبعاد السعداوي. وفي 22 مارس، أصدر السعداوي كتيبا شرح فيه شكواه ضد الحكومة الليبية التي اتهمها بأنها تعمل تحت التأثير البريطاني. وهناك تقارير موثوقة من القاهرة، تقول أن بشير السعداوي قد تصالح مع عزام باشا أمين الجامعة العربية.

مؤخرا، زار بنغازي عمر سيف النصر، وهناك قابل الملك إدريس، ثم عاد إلى مصر، ويعتقد أنه على اتصال بالسعداوي وعزام,

انتهى

____________

(*) المصدر: كتاب “السعداوي والمؤتمر بين التمجيد والنسيان ـ للدكتور محمد محمد المفتي.

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *