يوسف عبد الهادي

دأبت جامعة الامام محمد بن علي السنوسي ومعاهدها إبان العهد الملكي في ليبيا على توزيع الشيوخ وطلبة السنوات المتقدّمة لإلقاء الدروس خلال أيام شهر رمضان المبارك حتى في المناطق النائية.

ولإضفاء المزيد من الجو الديني الروحي في هذا الشهر المبارك كان الديوان الملكي الليبي يستضيف بالإضافة إلى المقرئين الليبيين كالشيخ محمود ادههيميش والشيخ الأمين قِنّيوة والمُدرّس بمعهد البيضاء المقريء المصري عبدالحميد شحاتة كان يستضيف عددًا من مشاهير القراء المصريين لإحياء تلك الليالي المباركة في القصور الملكية وبحضور من يرغب من الجمهور.

ومن أولئك الشيخ محمد صديق المنشاوي, وخليل الحصري، وعبدالباسط عبد الصمد ومصطفى إسماعيل ومحمود عبدالحكم وغيرهم الذين يتم توزيعهم على قصر دار السلام الملكي بطبرق وقصر الخلد بطرابلس والقصر العامر بالبيضاء والديوان الملكي أو جامع البلدية ببنغازي, على أن تكون تلاوة الشيخ المنشاوي في المكان الموجود فيه الملك الذي يحب جدًا سماعه وإن لم يكن المنشاوي فالشيخ ادهيميش.

هذا وبعد أن يؤدي الناس صلاة التراويح في المساجد يتوجه من يرغب منهم صغيرًا أو كبيرًا إلى القصور الملكيّة فيستمعون للجولة الأولى من التلاوة ثم يتم توزيع الشاي بالكاكاوية على الحاضرين ثم يؤدي القاريء تلاوة ثانية تنتهي في العادة عند الساعة الحادية عشر، وهو موعد انصراف الملك الذي يقضي الاستماع لتلك الساعة القرآنية مع خواص ضيوفه أو مع رجال الخاصة عبر مكبّر صوت موصل إلى صالونه الخاص بالطابق العلوي.

كان الملك ادريس يفضّل أن تكون إجازته خلال شهر رمضان الذي يتفرّغ فيه للنُسك والعبادة ويمتنع فيه عن أية مقابلات إلا لضرورة العمل، أو لأشخاص كان يستقدمهم ليصوموا بجواره بضعة أيام ويحضرون معه ساعة التلاوة, وفي العادة يكون هؤلاء من رفاق الجهاد القدماء.

ومن طرائف تلك الليالي أنه في إحدى السنوات لم يحضر الشيخ المنشاوي، فأحضر الديوان مقرءًا مصريًا كبيرًا اشتهر بالمبالغة في التجويد بالمقامات الموسيقيّة ويبدو أنه حبّر التلاوة تحبيرًا مُخِلاً , فأصدر الملك توجيهه قائلًابعد السنة هاذي معادش تجيبوه“.

هذا, ومن المفارقات أن شهر رمضان سنة 1388 هـ، الموافق شهر نوفمبر 1968 الذي قضاه الملك إدريس بقصر الخلد بطرابلس كان آخر شهر صيام للملك في ليبيا ,وكان هو أيضًا آخر شهر صيام في حياة الشيخ صدّيق المنشاوي.

رحِم الله الجميع، وكل عام وأنتم بخير.

***

الصورة: تلاوة الشيخ محمد صدّيق المنشاوي في ليلة رمضانية بقصر الخلد بطرابلس.

_____________

المصدر: صفحة جبرين حبور على الفيسبوك

مقالات