كريمة ناجي
مراقبون يقولون إن الشعب هو المخول الوحيد بتحديد شكل الحكم داخل البلاد
هناك من يعتبر أن دعوة الكوني إلى تطبيق نظام الأقاليم الثلاثة تمس الأمن القومي للدولة الليبية، بينما يرى آخرون أن نظام المحافظات أفضل حل لخروج البلاد من حال الانقسام بين الشرق والغرب.
أثارت تصريحات نائب رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني عن النظام الفيدرالي الذي اعتبر أنه الضامن لتحقيق الاستقرار في أنحاء ليبيا كافة، وأن العمل بنظام الأقاليم الثلاثة ومجالس تشريعية مستقلة من شأنه أن يحقق الاستقرار، كثيراً من الردود السياسية المتفاوتة بين المرحب والرافض.
فخلال لقاء جمعه مساء أمس الأحد بسفير بريطانيا لدى ليبيا مارتن لونغدن، رأى الكوني أن “العمل بنظام المحافظات كسلطة تنفيذية يضمن نيل كل مناطق ومكونات الشعب الليبي حقوقهم، ولا سيما بتسلمها موازناتها لإدارة مشاريعها وتقريب الخدمات للمواطنين في مناطقهم، حتى تتفرغ الدولة لممارسة دورها السيادي وتخفيف الضغط على العاصمة“.
انقسامات
هذه التصريحات أشعلت شبكات التواصل الاجتماعي في ليبيا وعمقت الانقسامات بين مؤيد ورافض، إذ يعتبر المواطن فرج أبو راوي أن الحديث عن الفيدرالية هو بمثابة دعوة إلى تقسيم البلاد، مؤكداً أن دعوة الكوني تمس الأمن القومي للدولة الليبية، بينما يقول المواطن محمد حسن إن نظام المحافظات أفضل حل لخروج البلاد من حال الانقسام بين الشرق والغرب.
أما المواطن إسماعيل عزومي فيتساءل “من قال إن الفيدرالية شر مطلق سيعمق انقسام ليبيا؟” لافتاً إلى أن “الفيدرالية ناجحة ومعمول بها في كثير من الدول على غرار سويسرا“، ويربط عزومي نجاح النظام الفيدرالي بتوفر جملة من الشروط، مثل التوزيع العادل لثروات البلاد حيث لا يجري تفضيل إقليم على حساب آخر، مع ضرورة تشديد الرقابة والمحاسبة منعاً للتلاعب والفساد.
ولكن المواطن عبدالله حكيم اختصر حل الإشكال الليبي في تنظيم استفتاء على الدستور ومن ثمة إجراء انتخابات وطنية تقطع الطريق أمام وجوه سياسية تصدرت المشهد الليبي منذ أعوام طوال.
الحل الأمثل
ويعتبر المحلل السياسي وسام عبدالكبير أن المركزية والصراع على الإيرادات المالية للدولة هما أساس المشكلة في ليبيا، ولا سيما أن الإدارة المحلية لا تتمتع بأي صلاحيات بلدية، باعتبار أن الإجراءات المتعلقة بالمواطن كافة تمر عبر الحكومة المركزية ووزاراتها، منوهاً بأن نظام الأقاليم الثلاثة هو الحل لانتشال ليبيا من حال التشتت المستمرة منذ عام 2011.
ويعتبر عبدالكبير أن اقتراح الكوني سيفتت المركزية التي غرقت فيها الدولة الليبية منذ عقود ماضية، إذ أصبحت بحاجة إلى نظام حكم محلي موسع وصلاحيات تمنح للمحافظات، يرافقها تقسيم عادل للإيرادات النفطية بين الأقاليم الثلاثة، برقة وطرابلس وفزان، واصفاً دعوة نائب رئيس المجلس الرئاسي إلى تطبيق نظام الفيدرالية بالحل الأمثل للحال الليبية، لأنه سيخفف حدة الصراع على رئاسة السلطة التنفيذية ويوفر هامشاً من العدالة بين جميع المناطق الليبية.
وحول إمكان تفتت البلاد في حال الذهاب إلى العمل بنظام الأقاليم الثلاثة ومجالس تشريعية مستقلة، يقول المتخصص في الشأن الليبي إنه “على العكس من ذلك تماماً، لأن الاتجاه إلى المحافظات كسلطة تنفيذية يضمن توزيع الموارد والخدمات بصورة عادلة، باعتبار أن نقل الصلاحيات إلى الأقاليم عبر نظام حكم محلي ومحافظات بكامل الصلاحيات المالية والإدارية، مع توزيع الايرادات بين المحافظات، كلها تعزز استقرار البلاد وتخفف حدة الصراع على الإيرادات والسلطة“.
ويستشهد عبدالكبير بنجاح الفيدرالية سابقاً في ليبيا خلال فترة حكم الملك إدريس السنوسي، إذ كان لكل إقليم مكتب تنفيذي بمثابة حكومة محلية بكامل الصلاحيات، وكانت ليبيا في تلك الفترة أكثر استقراراً، وفق تعبيره.
تخبط سياسي
ويتفق المستشار السياسي إبراهيم لاصيفر مع ما ذهب إليه المحلل السياسي وسام عبدالكبير من أن ليبيا شهدت فترة من الرخاء والاستقرار تحت راية النظام الفيدرالي خلال فترة حكم الملك إدريس السنوسي، إلا أنه يقول “إن العمل بنظام الأقاليم الثلاثة الذي طبقته ليبيا بعيد الاستقلال لا يمكن تطبيقه حالياً، لأن الظروف التي كانت عليها ليبيا إبان فترة المملكة بعيد الاستقلال عام 1951، مغايرة تماماً عن الظروف التي تمر بها ليبيا الآن، وعلى رأسها انقسام المؤسسات الاقتصادية والمالية والسياسية والأمنية، إضافة إلى عدم وجود دستور عام ينظم الحياة السياسية في البلاد“.
ويتابع لاصيفر خلال حديثه إلى “اندبندنت عربية” بأن النظام الفيدرالي الذي انتهي العمل به في ليبيا منذ الـ 26 من أبريل (نيسان) 1963 له إيجابيات وسلبيات، شأنه شأن أي شكل حكم سياسي آخر، مشدداً على أنه في حال تقرر التوجه نحو هذا الشكل من الحكم وحده فإن الشعب الليبي هو من يملك القرار في ذلك.
لأنه ليس من حق موسى الكوني الكلام عن العمل بنظام الأقاليم الثلاثة، والموضوع لم يعرض على الاستفتاء من قبل الشعب الليبي الذي يعد صاحب القرار الأول والأخير في هذه القضايا، موضحاً أن الكوني وبقية الأطراف الليبية المتربعة على سدة الحكم يستشعرون الخوف بعد تشكيل اللجنة الاستشارية التابعة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ولافتاً إلى أن “الخوف ليس من اللجنة الاستشارية بحد ذاتها، بل من الأمم المتحدة التي بدأت تطبيق خطتها بتشكيل اللجنة الاستشارية ومن بعدها تسلم المبعوثة الأممية الجديدة حنا تيتيه مهماتها.
ولذلك لاحظنا خلال الفترة الأخيرة أن كل المتربعين على سدة الحكم في الشرق والغرب يكثرون من التصريحات والمقترحات لحل الأزمة الليبية، ومن ثم بدأت رحلات كل من قائد قوات الشرق خليفة حفتر نحو بيلاروس وفرنسا، في حين توجه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة إلى الدوحة، في إطار سعيهما إلى الحفاظ على المشهد ذاته، وإطالة مدة بقائهما في منصبيهما“.
ويطالب لاصيفر بضرورة عقد صفقة سياسية بين الفرقاء الليبيين قبل الحديث عن نظام فيدرالي، لأن الشعب الليبي هو المعني الوحيد باختيار شكل الحكم للدولة الليبية، معتبراً “أن الشعب الليبي وقع ضحية هذه الطبقة الحاكمة التي لا تريد حل الأزمة الليبية بل تحاول الحفاظ على حال الانسداد والفوضى والتقسيم.
فنجدها تصرح بما لا تعمل وتعمل بما لا تصرح، حتى أضحت السلطة التنفيذية والتشريعية القضائية تقتات على الأزمة الليبية التي لا تعاني مشكلة في شكل نظام الحكم، سواء كان فيدرالياً أو برلمانياً أو غيره، لأن طبيعة النظام السياسي يحددها الشعب الليبي وليس الكوني الذي زادت تصريحاته الفردية تعميق حال الفرقة“.
يذكر أن كلاً من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة وقائد القيادة العامة للقوات المسلحة في الشرق الليبي خليفة حفتر يشتركان في رفضهما تطبيق النظام الفيدرالي في ليبيا، على اعتبار أنه يعزز تقسيم البلاد التي توجد فيها حكومتان تتنافسان على الأرض، واحدة في الشرق بقيادة أسامة حماد، وأخرى في الغرب برئاسة الدبيبة.
__________________