رامز رمضان النويصري
وتصل بنا الرحلة الى اعمال الدكتور النامي.. لنطلع.. معا.. على ما كتبه من كتب ومقالات وما نظمه من قصائد واشعار وما حققه من كتب ورسائل وابحاث.
فقد كتب الاستاذ النامي مجموعة من المقالات كسلسلة تحت عنوان ” فصول من الجد الهازل”، وسلسلة اخرى تحت عنوان “رمز ام غمز في القران”، وتدور اغلب هذه المقالات حول الحضارة الغربية، واساليب محاربتها للاسلام، وحول خطاب الحداثة، الذي تسرب الى الصحف والمطبوعات الليبية عبر “الشعر الحر”. كما كتب ضد التيار اليساري في البلاد العربية، وكتب عن نوادي الروتاري ودورها واهدافها وعن سيطرة اليهود عليها. . .
يقول الدكتور النامي في رسالة بعث بها الى الشيخ “ابو اليقضان ابراهيم”، يعلمه ويشاركه فيها ببعض نشاطاته، يقول: لقد شغلت نفسي فترة من الوقت بكتابة عدة فصول في النقد، عرضت فيها لقضية الشعر الحر، وتتبعت بعض دعاته، واوضحت خطره على اللغة والفكر الاسلامي، بما يحمله من سم زعاف في طياته من الافكار المسمومة والمباديء الهدامة.
وجاء في موقع “ليبيا جيل” وهو من المواقع الليبية الثقافية المتميزة، جاء فيه، عن مقالات الاستاذ النامي وقصائده: لقد تناولت مقالات وقصائد الدكتور النامي مواضيع مختلفة، تراوحت بين نقد الحضارة الغربية، ودفاعه عن القرآن، إلى تذمره من الواقع السياسي، ورؤيته الاستشرافية للمستقبل.
كما راجع الدكتور النامي وحقق وقدم لكتب ورسائل هامة عديدة منها: كتاب “قناطر الخيرات” للجيطالي، وكتاب”اجوبة ابن خلفون”، ورسائل الامام “جابر بن زيد”، وكتاب “مشائخ نفوسة” وكتاب “العدل والانصاف”، وكتاب “الرد على جميع المخالفين”، وكتاب الشيخ سليمان داوود بن يوسف (ثورة ابي يزيد)
وكتب كتاب “ظاهرة النفاق في اطار الموازين الاسلامية”، وردت منه فقرة على الغلاف الخارجي تقول: النفاق مرض عضال، قلما سلمت منه أمة من الامم.. وحتى يكون التزام المسلمين بدينهم، وقيامهم عليه هو قيام أهل الجد والاخلاص، وليس قيام المداهنة والهوى والكسل.. .
كما تعتبر رسالة الدكتوراة التي اعدها، تحت عنوان “دراسات عن الاباضية”، من اهم اعمال الدكتور النامي الرئيسية.
تقول فقرة عن هذه الدراسة، نُشرت في موقع “من ثمرات المطابع”: ان الغرض من هذه الرسالة، هو عرض صورة واضحة للمذهب الإباضي، مبنية على موادٍ إباضية لكنها مكتشفة حديثاً .
وإذا كانت هذه الدراسة معنية بالإباضية في شمال إفريقية من حيث المنطقة، إلا أنه كان لابدّ من دراسة أصول الحركة الإباضية ومؤسسيها الأوائل في البصرة، وعلاقتها بحركة الخوارج، وصلتها بالأحداث الأولى للتاريخ الإسلامي والتطور السياسي، والتأثير الذي كان لهاتين الناحيتين الأخيرتين على المذهب الإباضي بالنسبة لآرائه الفقهية والكلامية، ثم توسّعه في شمالي أفريقية.
كما تهدف الرسالة ايضا، الى تقديم نظرة واضحة للفقه وعلم الكلام الإباضيين؛ ونقاط الاتفاق والاختلاف مع حركات المعارضة المعاصرة لها، والمدارس الفقهية وبعض الخصائص المميزة للعقيدة الإباضية وتحديدا “نظام الولاية والبراءة”، ومراحل تطور الجماعة الإباضية.
وجاءت رسالة الدكتوراة (دراسات عن الاباضية) في سبعة فصول هي: “نشأة الاباضية”، و”آراء الاباضية في الخوارج”، و”الامام الاول للمذهب الاباضي”، و”الامام الثاني للجماعة الاباضية في البصرة”، و”الفقه الاباضي”، و”علم الكلام الاباضي”، و”نظام الولاية والبراءة”، و”مسالك الدين” (مراحل المجتمع الاباضي)، وذلك بالاضافة الى تمهيد عام سبق هذه الفصول.
كما شارك الدكتور النامي في وضع كتاب لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، تحت عنوان “القراءة العربية.. لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها” وذلك بالاشتراك مع د. راجي راموني و محمد ابراهيم بن احمد . وقد صدر الكتاب في 1978م في مدينة “ان اربر”، بولاية “متشغان” وربما كان ذلك اثناء اقامته بالولايات المتحدةالامريكية.
اما بالنسبة للشعر، فقد نظم الدكتور عمرو النامي، قصائد كثيرة جدا، نظم اغلبها داخل اقبية ومعتقلات وسجون “الثورة الحكيمة”.
جاء عن هذه القصائد في موقع ” ليبيا جيل”: .. ويتبين من خلال قصائد الاستاذ النامي.. المعاناة التي تعرض لها الشاعر في حياته، كما قد يصح تصنيف أغلب قصائده ضمن أدب المحنة، أو أدب السجون، لاسيما وأن الشاعر قضى زهرة عمره في السجون لمواقفه السياسية، فنظم العديد منها داخل تلك الأقبية التي لم تستطع أن تمنع إبداع الكلمة.
ولا يسعني الا ان اكرر، ما ذكرته في مشاركة سابقة، بعنوان “احزانكم.. أيها العملاق.. هي احزان ليبيا”، اكرر: ان قصائد الدكتور النامي.. قد تربعت.. في عالم النضال بالكلمة.. على قمة الشعر المقفى.
واضيف هنا: ان قصائد الدكتور النامي.. قد جسدت.. مأساته، ومأساة الشعب الليبي، بل مأسة الامة الاسلامية بكاملها. وكان طوال مسيرة المقاومة الليبية.. حاضرا معنا.. بكلماته.. وقصائده.. ومحنته.. تزودنا قصائده بالامل.. وتحيي فينا.. روح الاستعلاء على الظلم.. والظالمين.. ونتعلم من محنته.. الصبر.. والانتصار على الالم.. ونستشهد.. دائما.. به.. وبكلماته.. وصموده.
لقد دارت اغلب قصائده حول “الظلم” و”التحدي” و”الامل” . فنرى.. الامل.. في اغلب قصائده.. واشتهرت.. في هذا الصدد.. الابيات الاربعة الاخيرة من قصيدة “خواطر سجين”، التي كتبها في17 يونيو 1974م، في السجن المركزي بطرابلس (عنبر رقم 1)، وجسد فيها وطأة المحنة وشدتها ايما تجسيد، ثم ختمها بهذه الابيات المفعمة بالامل في الله، فيقول:
سيزهر روض الحياة العشيب
وتسعد بالزهر فوق الكثيب
وتسطع شمس الرضى في رياض
اضر بها ليل كيد عصيب
وينفرج السجن بعد انغلاق
وينزاح ظل الضلال المريب
هنالك خلف الجدار الكئيب
تباشير فجر منير قريب
وانفاس صبح وضيء السمات
وانسام روح رخي الهبوب
ونرى.. الامل.. ايضا.. في قصيدته “كلمات الى زينب” (احدى كريماته) حيث يقول:
ابنيتي لا تيأسي من عودتـي *** فابوك في سعي يجيء ويذهب
ساعود يوما والرجاء يحثني *** ولسوف تؤنسني حنان وزينب
اما.. الالام.. والاحزان.. فقد جسدها استاذنا النامي في اكثر من قصيدة.. منها.. “يا ليلة العيد”.. التي تملأ النفس بمزيج من الالم والحزن والغضب، وقد نظمها في ليلة احد الاعياد التي قضاها.. كغيرها من الليالي.. داخل السجن المركزي بطرابلس.. بعيدا عن فلذات كبده الذين ارهقهم انتظار والدهم.. وارهقهم البحث عنه.. حتى فقدوا الامل في رؤيته ليلة ذلك العيد الحزين.. تقول بعض ابيات القصيدة:
يا ليلة العيد كم اقررت مضطربا
لكن حظ بني الحزن والارق
اكاد ابصرهم والدمع يطفر
من اجفانهم ودعاء الحب يختنق
يا عيد، يا فرحة الاطفال، ما صنعت
اطفالنا نحن والاقفال تنغلق
ما كنت احسب ان العيد يطرقنا
والقيد في الرسغ والابواب تصطفق
يقول الدكتور “عز الدين فرحات”، عضو رابطة الادب الاسلامي العالمية، في مقالة له بعنوان “العيد في عيون الشعراء”: ان بعض الشعراء يتعرضون لمحنة السجن والانقطاع عن الأهل والأحباب والأبناء، ويأتي العيد؛ وهم خلف القضبان، فتثور في نفوسهم الذكريات والشجون، فهذا الشاعر عمرو خليفة النامي الذي كتب قصيدته (يا ليلة العيد) وهو بين قضبان السجون، يصوّر فيها ما يعانيه، هو وأحباؤه من مأساة الظلم والطغيان.
فما أشد ما يلاقيه الشاعر وهو في زنزانة ضيقة تطوف بخاطره وخياله صورة أطفاله وأبنائه وهم ينتظرونه ليلة العيد، حتى يصور الشاعر نفسه كأنه يبصر أولاده والدمع ينهمر من أعينهم شوقًا إليه، فكيف تكون فرحة الأطفال بالعيد والآباء يرسفون في السلاسل والقيود؟
اما قصيدة “أُماه”.. وهي احدى روائع.. الاستاذ النامي.. التي انتشرت عالميا.. فتدور حول العزة والصمود والاستعلاء.. وحول.. المحن.. والمعاناة.. التي يتعرض لها الدعاة.. في سبيل دعوتهم.. وما يتطلبه ذلك.. من صبر وعزم وتصميم.. وتوكل على الله سبحانه وتعالى.. وايمان عميق به.. تقول بعض ابيات هذ القصيدة:
أماه لا تجزعي فالحافظ الله
انا سلكنا طريقا قد خبرناه
في موكب من دعاة الحق نتبعهم
على طريق الهدى إنا وجدناه
على حفافيه يا أماه مرقدنا
ومن جماجمنا ترس زواياه
ومن دماء الشهيد الحر يسفحها
على ضفافيه نسقي ما غرسناه
أماه لا تجزعي بل وابسمي فرحا
فحزن قلبك ضعف لست ارضاه
إنا شمخنا على الطاغوت في شمم
نحن الرجال وهم يا ام أشباه
نذيقهم من سياط الصبر محنتهم
فلم يروا للذي يرجون معناه
أماه لا تشعريهم انهم غلبوا
أماه لا تسمعيهم منك – اواه
ويحدثنا الاستاذ “حسني ادهم جرار” عن قصيدة “اماه” فيقول: لقد آمن النامي بهذه المباديء الاصيلة والقواعد الثايتة، فبايع ربه عليها، واعتصم بحبله المتين، وسار في موكب الدعاة الصادقين، واستعد لتحمل النتيجة، بلا وهن ولا جزع، ولو كانت النتيجة مفارقة هذه الحياة، فـ”الموت في الله اسمى ما تمناه”.
وتظهر ايضا عزة نفسه وكرامته واعتزازه بالله، وصبره وقبوله للتحدي، في قصيدته “كلمات الى زينب” ، حيث يقول:
والحر تفجأه الحوادث ان اتت
فيخوض لجتها ولا يتهيب
انا لم اكن يوما صنيعة سيد
يرمي إلي بكسرة فارحب
انت المؤمل يا كريم فكن لنا
يا من اليك صمودنا والمهرب
ابواب جودك لم تزل مطروقة
وقلوبنا في لهفة تترقب
والسجن عند رضاك اهون محنة
ويهون ان نُلقى به ونغيب
ويقول على نفس المنوال في قصيدة “السجن اهون من تقبيل الاحذية”:
والسجن اهون من تقبيل احذية
تردى الانوف بريح منتن عفن
والسجن اطهر من ارض
يدنسها نير الطغاة من الدرن
ويقول، ساخرا من المحن، في قصيدة “نفحة من ذوب القلب”:
ياهموم الاحزان دونك غيري
فسهام الردى تكسرت دوني
ويشجع ويحث رفاق المعتقل على الصبر، ونبذ اليأس، فيقول في قصيدة ” يا دموع العين”،:
يا رفاق السجن .. لا تكتئبوا
ويعبر عما يحس به من هموم الامة والامها فيقول في قصيدة “دموع”:
ولو كان هما قد احاط بمفرد من الناس هانت دونه صور البذل
ولكنه شر احاط بامة واوقعها الرعيان في حماة التوحل
ولاتُنسيه.. المحن.. والمعتقلات.. والسجون.. ان ينظم.. في رسولنا الكريم.. محمد صلى الله عليه وسلم.. قصيدة.. في مائة وخمسة عشر بيتا.. بعنوان “يا رسول الله”2 جاء في بعض ابياتها:
علوت فليس يدركك الثناء
فانت النور يسطع والضياء
وانت الشمس ليس لها حجاب
وانت البدر ليس به خفاء
وانت المصطفى يجلوك
فيض من الانوار جلله السناء
تباه الارض أن اوتك فخرا
وتغبطك لموضعها السماء
ومن النادر ان تخلو مطبوعة ما، من مطبوعات المقاومة الليبية، او موقع ما، من مواقع الانترنت الليبية المعارضة، من قصائد الدكتور النامي، او من الاشارة اليها، على اقل تقدير.
واخص بالذكر مجلة “الشروق الاسلامي” والتي من النادر ان يصدر عدد من اعدادها، دون نشر قصيدة من قصائده. كما نشر موقع “ليبيا المهجر”، وهو احد مواقع “منتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية”، اغلب قصائد الدكتور النامي.
واظن ان الوقت قد حان، ليحدثنا الدكتور النامي عن شيء من افكاره، وما يجول في خاطره، وما كان يؤرق مضجعه من حال الامة والبلاد، وما مرت، وتمر به، من فتن ومعاناة ودسائس وهجوم.. من داخلها.. ومن خارجها. والدكتور النامي لا يحدثنا فقط عن الام الامة والوطن، دون ان يساهم بما من شأنه، العودة بها الى مكانتها ودورها في قيادة العالم والشهادة عليه، يقول الدكتور النامي:
لعل اشد ما تعرضت له هذه الامة هو وقوعها تحت السيطرة المباشرة للامم المسيحية التي حكمتها بنظم مخالفة للشرائع والنظم الاسلامية، وفرضت عليها انماطا من الحياة غير التي يصنعها الاسلام ويرضاها لاهله.
ولعل اخطر ما في هذا الامر واشده، انه خضع لمخطط منظم دقيق يهدف الى محاربة الاسلام وسلخ المسلمين عن اسلامهم في كل مجال من مجالات الحياة.
فقد تم ابعاد الانظمة الاسلامية عن الحكم والسياسة، وادخلت تراتيب ونظم غير اسلامية، وتم ذلك في نطاق ما عُرف بـ”فصل الدين عن الدولة”، واُبعد الاسلام عن التأثير في مناهج التربية والتعليم، فاصبح الاسلام مجرد اثر ، بدلا من ان يكون روحها (اي روح هذه المناهج).
وكان نصيب البلاد العربية، وهي قلب هذه الامة ومادتها، ورصيد البيان الاسلامي الصحيح فيها، ومعقل لغة القرآن.. كان نصيبها.. من القهر والاخضاع.. اكبر نصيب.. زاد من ذلك.. ان هذه البقعة من الارض، وهي مهبط الهداية الربانية ومهد الاسلام ومنزل الوحي، قد دخلت في نطاق اطماع اليهودية العالمية، في عملها الجاد الطويل لاقامة دولة اسرائيل.
وكان هذا الامر، بما استتبعه من تخطيط متصل دائب لتحطيم عنصرالمقاومة الاصيل في هذه الامة، وهي العقيدة الاسلامية الصحيحة، والتصور الاسلامي السليم..
وكان هذا الامر.. هو هدف مرصود عمل له اليهود ومن يدور في فلكهم في العداوة للاسلام والكيد له ولأهله منذ البدء حتى اليوم، متخذين لذلك ما امكن من وسائل، مستهدفين كل المجالات، حتى كانت نتيجة ذلك العمل الدائب المتصل، اجيالا من هذه الامة ممسوخة التصور غائمة الرؤية منحرفة الفكر، يحس فيها المفكر المسلم غربة حقيقية.
ويواصل الدكتور النامي، قائلا: وهذا في الواقع ما جعل هذه الامة تنقاد في مسيرتها، التي اعقبت معركة الاستقلال في غالب ديارها، في متاهات من الضياع السياسي والفكري، اعقبها الهزائم المتتالية، وحرمها من ان تلعب دورا حقيقيا، ذا وزن في قيادة امم الارض، فهي محسوبة عند اعدائها في عداد الركب المتخلف.. بل ويوجد في ابنائه وساسته من يلهث وراء هؤلاء الاعداء يلتمس عندهم العون والسند، ويتقرب اليهم بتنفيذ سياساتهم وارضائهم سرا وعلنا.
ويوضح الدكتور النامي سبل الخروج من هذا المأزق، الذي وجدت الامة الاسلامية نفسها فيه، فيقول: وبداية الطريق.. في تصفية ميراث الفكر المنحرف المشوه، الذي مسخت به قوى الاعداء، فكر هذه الامة وتصوراتها، هي ان يوجد بين ابناء هذه الامة، من يملك من العزم والتصميم وصدق العقيدة ما يمكنه ان ينتشل نفسه من المستنقع، وان يطهرها من ادران كل تصور دخيل وان يتخذ من العدة والاداة ما يجعله “لسان” الفكر الاسلامي الاصيل، الذي يزن الامور بمقياسه الدقيق، ويقيسها على منهجه القويم.
______________