د. محمد مورو

في إطار الموجه الصليبية المسماة بالاستعمار، قامت أوروبا الصليبية بعد أن حققت نهضتها بعملية غزو واسع لبلاد العالم عموماً والعالم الإسلامي والعربي خصوصاً، واستطاعت أن تحتل الكثير من بلاد العالم العربي الإسلامى، وأن تسلم فلسطين لليهود.

وكان المطلوب والهدف من هذه الموجه الصليبية الجديدة القضاء على الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية، وبرغم نجاح دول الاستعمار الأوروبي في السيطرة السياسية والعسكرية على بلاد العالم العربي والإسلامي فأنها فشلت في القضاء على دين الأمة وهويتها الحضارية والثقافية.

وكان ذلك بفضل رجال قاموا بالجهاد العسكري والثقافي في مواجهة الاستعمار، إذ لولا جهاد هؤلاء لتحولنا إلى أمة من الهنود الحمر، أي انقرضنا حضارياً، هؤلاء الرجال الذين حملوا مشعل المقاومة استطاعوا تعطيل المشروع الاستعمارى.

صحيح أنهم لم ينتصروا على الأعداء ولم ينجحوا في وقف الزحف الاستعماري إلا أنهم بصمودهم وجهادهم حافظوا على جذوة المقاومة تحت الرماد وحافظوا بالتالي على هوية الأمة، ولم ينظروا إلى ما تحت أقدامهم، بل نظروا إلى المستقبل وأدركوا أن مجرد جهادهم ومقاومتهم مهما كانت النتيجة هي الضمانة الحقيقية للمستقبل واستمرار وجود الأمة وتواصل حضارتها وثقافتها، كانوا يمتلكون تفاؤل المستقبل رغم يأس المرحلة.

ومن هؤلاء الرجال عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي في المغرب، وأحمد باي قسنطينة، الأمير عبد القادر، ومحمد المقراني والحداد ولالا فاطمة وابن باديس في الجزائر، وعبد العزيز الثعالبي في تونس، وعمر مكرم ومحمد كريم والنديم وعرابي ومصطفى كامل ومحمد فريد في مصر، وعز الدين القسام وأحمد ياسين وفتحي الشقاقي في فلسطين، وأيضًا كان من أبرزهم عمـر المختار في ليبيـا.

الحركة السنوسية

عمر المختار هو أحد أبناء الحركة السنوسية، و قائد المجاهدين السنوسيين ضد الاحتلال الإيطالي لليبيا، وكان عمر المختار معلم للقرآن الكريم في أحد الزوايا التي أنشأتها الحركـة السنوسية، والحركة السنوسية هي حركة أسـسها السيد محمد بن على السنوسي سنة 1837 وقد انتشرت الحركة في ليبيا وأجزاء من مصر والسودان.

ولكن المحور الأساسي للحركة كان في ليبيا وخاصة في واحة جغبوب، وقد استطاعت الحركة أن تؤسـس عدداً كبيراً من الزوايا كانت بمثابة مساجد للصلاة ودارا للعلم ومكاناً لإعداد المجاهدين والدعاة والنشاط الاجتماعي عموماً.

وقد لعبت الحركة السنوسية دورًا متميزًا في الجهاد ضد أعداء الأمـة فقاومت الاستعمار الفرنسي في تشاد والسودان الغربي من 1901 حتى 1911.

وعندما أحتل الإيطاليون ليبيا سنة 1911 قام السنوسيون بدور هام في القتال والجهاد ضد الإيطاليين في كل أنحاء ليبيا ولمدة ثلاثين عامًا متصلة بدءًا من 1911 وحتى 1940م.

وكان عمر المختار واحد من مقاتلي السنوسية ضد الاحتلال الإيطالي منذ عام 1911 وحتى 1922 م، ثم قائدًا للمقاومة من 1922 وحتى 1931م.

جهاد عمر المختار

كانت الفاشية قد وصلت الى الحكم في إيطاليا عام 1922، وقامت الحكومة الفاشية بإرسال عدد كبير من القوات إلى ليبيا بهدف القضاء على حركة المقاومة، وأضطر المجاهدون إلى الانسحاب إلى الجنوب، وأنشأ عمر المختار الذي أصبح قائداً للمجاهدين منذ عام 1923 قاعدة في الجبل الأخضر.

ومن هذه القاعدة شكل عمر المختار جيشاً قوياً، وشهدت أعوام 1924، 1925 نجاحات متعددة لقوات عمر المختار، ولمع اسم عمر المختار كقائد بارع يتقن أساليب الكر والفر، واستطاع عمر المختار أن ينزل خسائرًا فادحة بالقوات الإيطالية وأن يقطع طرق مواصلات الإيطاليين في أنحاء واسعة من الشمال.

واستمر عمر المختار صامدًا طوال أعوام 1924، 1925، 1926، ثم انزل بالقوات الإيطالية هزيمة كبيرة سنة 1928 مما جعل الحكومة الإيطالية تقوم بتغيير وزير المستعمرات الإيطالي وتغيير قيادات الإيطاليين في ليبيا وإعادة تشكيل الإدارة الإيطالية في ليبيا.

وفي عام 1929 نفذ رجال عمر المختار الكثير من العمليات الناجحة ومنها الهجوم على قصر بنقدم والقبض على الدرك الإيطالي بها نوفمبر 1929 “، ومع استمرار نجاح عمر المختار قام الإيطاليون بإنزال كل أنواع القسوة والتعذيب بالشعب الليبي وحاولوا دائمًا قطع صلات المجاهدين بالجماهير الليبية.

ووصل الامر إلى حشد الأهالي في معتقلات كبيرة امتدت من العقيلة إلى السلوم، وقامت السلطات الإيطالية بإعدام أي شخص يتصل بالمجاهدين وأنشاء ما صار يعرف في تاريخ الاستعمار الإيطالي باسم ( المحكمة الطائرة ) في أبريل 1930، وهي المحكمة التي كانت تنتقل من مكان إلى مكان لإصدار الأحكام السريعة وتنفيذها فــوراً.

وعمدت القوات الإيطالية إلى إغلاق الحدود المصرية لمنع الإمدادات عن المجاهدين في الجبل الأخضر وفي الواحات.

واستمرت المناوشات والصدامات بين قوات عمر المختار وقوات الإيطاليين طوال عام 1930، ثم قامت الإدارة الإيطالية في ليبيا بمد سور الأسلاك الشائكة على طول الحدود المصرية الليبية وبلغ طول هذا السور (300 كيلو متر)، من (المساعد) إلى ما بعد (الجغبوب).

وبعد جهاد طويل استمر حتى عام 1931 سقط عمر المختار أسيرًا في يد القوات الإيطالية في 11 سبتمبر 1931 م، وحوكم محاكمة صورية قضيت بإعدامه، ونفذ فيه الحكم في 16 سبتمبر 1931م.

_____________

مقالات