من السلاح والمواجهة .. الى سلاح الكلمة والاشتباك

من العمل المسلح الي الاشتباك بالكلمة

عاشور الشامس

سأخصص هذه الأطروحة للتعرض الى لمحات خاطفة من تجربتي في العمل الاسلامي والعمل الوطني السياسي. وستأحدث فيها عن فترات متميزة أحسب أنها هي التي شكلت حياتي وحددت ومسيرتها. وبدون الدخول في التفاصيل الا بقدر ما يساعد على فهم التطور الفكري والحركي الذي خضته، علما بأنني أعددتها في عجالة ودون مراجع أو مذكرات سابقة.

* * * *

مراحل التكوين الأولي

المراحل الأولى كانت مراحل التكوين، وكان مجالها النشاط الطلابي في الاعدادية والثانوية. وهي حقبة حافلة مفعمة بمختلف انواع النشاط الحركة، واستمرت حتي منتصف السبعينات.. بدأت في ليبيا واستغرقت السنوات 63 و64 و65.

كنت اشارك في النشاط الثقافي والفني في المدرسة وفي النوادي الرياضية التي سجلت نشاطا فريدا في تلك الفترة، وخاصة نادي الوحدةبمدينة طرابلس.

وبدأت أكتب المقالات للصحف وأشارك في برناج اذاعي باشرت اتحاد لطلبة في الاذاعة الليبية، وفي المناقشات في المدرسة الثانوية والنزه ولقاءات متعددة يستمر فيها النقاش ساعات وساعات.

كانت فترة الخمسينات والستينات هي التي تجسد فيها عدوان الغرب الامبريالي ضد الامة العربية. فكانت أحداث الثورة الجزائرية وحرب السويس (او العدواني الثلاثي) على مصر عام 1956، التي شاركت فيها بريطانيا وفرنسا واسرائيل.

وكانت الوحدة بين مصر وسوريا (1985 الى 1962) التي كانت أولي مشاريع الوحدة العربية الفاشلة البئيسة. ولم أكن تعرفت بعد على الاسلام كحركة سياسية وانما كانت مشاعرنا متعاطفة مع الأمة العربيةوكل قضاياها. وكان ذلك الشعور يربطنا باخواننا في المشرق العربي الذين كنا ننظر اليهم نظرة حب واكبار ونتوق لأخبارهم بشوق ونتابعها بنهم.

وكانت الوسيلة الوحيدة الفعالة للتواصل بين الجماهير وموجهي الرأي العام هي الراديو (المذياع) الذي كان الموجه الحقيقي والملجأ الوحيد للحصول على المعلومات وآخر الاخبار. فكانت اذاعة صوت العربواذاعة القاهرةمن مصر، واذاعة لندنمن العاصمة البريطانية لندن، هي المحطات الرئيسية ـ بل الوحيدة ـ لجميع الناس في الوطن العربي.

وكانت الآلة الاعلامية المصرية هي الأقوي بدون منازع. استطاعت أن تحرك عواطف الجماهير العربية في معظم الوطن العربي ببرامج مذيعين من أمثال أحمد سعيد في برنامجه أكاذيب تكشفها حقائقالذي كان يخلط بين الحقائق والدعاية (البروباغندة السياسية) في هجومه المتواصل على حكومات ورؤساء وملوك دول عربية أخري على رأسها السعودية وسوريا والأردن والعراق.

وكان أحمد سعيد ينتهج اسلوبا لاذعا قاسيا تغلب عليه السخرية. ولم يكن الهجوم على حكومة الملك ادريس صريحا لاعتبارات كثيرة منها حاجة مصر للدعم الليبي آنذاك. فالحكومات العربية كانت تصنف بأنها إما رجعية (ضد مصر) واما وطنية (مع مصر) وليس هناك تصنيف ثالث. وكان جمال عبدالناصر هو القائد المجبل الذي لا يضاهى والزعيم الأوحد الذي يشق له غبار.

فكانت الامة العربية هي المثال الاكبر في حياتنا، والوحدة العربية هي الامل المنشود لنا جميعا. ذلك حتي جاءت هزيمة يونيو 1976 (حرب الأيام الستة!!) التي تراجعت فيها الجيوش العربي تجر ذيل هزيمة نكراء على يد جيش الكيان الصهيوني اسرائيل.

وتراجعت كل الشعارات. واندثرت كل الانجازات والانتصارات التي كامت تتغني بها اذاعة صوت العرب والقاهرة، واصبحت الجماهير العربية على مشارف بداية جديدة تراجعت فيها كل الشعارت القومية والاشتراكية غنت فيها بالامجاد العربية والانتصارت العربية.

* * * *

النـقلة الأولـى

اما وسائل الصحافة الاخرى مثل الصحف والمجلات كانت نادرة ولم اتعرف عليها الا بعد انتقالي من غريان (100 كيلومتر جنوبي طرابلس) للسكن في طربلس العاصمة، اواخر عام 1962.

ولم تكن تلك النقلة من مكان الى آخر، ومن مدينة جبلية ريفية الى عاصمة عريقة في التمدين والحضارة، وحسببل كانت ـ كما يقولون ـ نقلة نوعية بكل ما في هذا التعبير من معنى. كانت تلك النقلة الاولى في حياتي.

ففي طرابلس تعرفت على اصدقاء جدد ومعلمين جدد استقبلوني بعاطفة غارمة وأولوني اهتماما خاصا. كان في مقدمتهم محمد الحجازي العنقودي وفتح الله أحواس (الشيخ فاتح) وخريج الجامعة محمود الناكوع الذين احتكيت بهم احتكاكا مباشرا في ليبيا وتعلمت منهم، وكان منهم معلم اللغة العربية المحبوب خليفة بازيليا. كان ذلك في مدرسة باب بن غشيرالاعدادية ثم مدرسة طرابلس الثانوية.

ولم يكن هذا الاهتمام مقتصرا عليّ وحدى وانما كان يضم مجموعة من الطلبة في نفس المرحلة. فشجعونا على القراءة والكتابة والاهتمام باللغة العربية وتنمية ما لدينا من مهارات وامكانيات في ذلك الزمن.

وفي طرابلس تعرفت على الصحف اليومية والاسبوعية، وواكبت مسيرتها وعرفت الفرق بين الصحافة التابعة للدولة وبين الصحافة المملوكة ملكا خاصا. وكيف أن الأخيرة تمثل تيارا مخالفا ـ وربما مناوئا ـ للأولي، وهي على الاغلب تقول حقائق لا تريد لها الدولة أن تذاع أو تنتشر بين الناس. وعرفت أن هناك حربا غير معلنة بين الدولة وبين الصحافة المستقلة وكانت صحف الرائدو الميدانو الحقيقةو البلاغمن اكبر الصحف المستقلة آنذاك.

وكان في ذلك الوقت مجموعة من الصحفيين الشباب يعملون في صحف مختلفة. وكانوا يستقطبون الطلبة صغار السن ممن اظهروا قدرة على الكتابة أو بدا منهم تميز في هذا الاتجاه أو لهم رغبة في الكتابة الصحفية، فينشرون بعض كتاباتهم.

وقد كنت أحد هؤلاء التلاميذ الذي حظوا بهذا الاهتمام وكان هذا اكبر مشجع لي على المضي في خط الصحافة والتعرف أكثر على عالم الصحافة ورجالاته وأحاديثه وأحداثه وأجوائه. ويعود الفضل في ذلك لصحافيين محررين في صحيفة طربلس الغربوفي مقدمتم الطاهر النعاس ومحمود الناكوع وابرهيم الطوير.. وآخرون.

وفي طرابلس ايضا تعرفت على الاسلامأكثر من كونه مجرد طقوس دينية الى أن الاسلام حركة ومنهجا متكاملا يغطي حياة الأنسان في مخلف اتجاهاتها. وتعرفت على أنه لا يكفي أن تكون شؤون المرء الخاصة يحكمها الاسلام بل أن فهمه للسياسة والاقتصاد والاجتماع يجب أن يخضع للنظرة الاسلامية. وقد أعطاني ذلك قوة ذاتية غير محدودة وشعورا بالانتماء.

يتبع

_____________

 

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *