من مراهق متهور إلى ضابط عسكري: الأيام الأولى

كيف ارتقى أسير حرب سابق متقاعد منذ فترة طويلة، ليصبح شخص مهم لوكالة المخابرات المركزية، وكان أحد أدوات القذافي ثم تحول إلى أمير حرب وقفز إلى رتبة مشير ليصبح قائد انقلاب عسكري في شرق ليبيا؟

عيّن مجلس النواب في طبرق في سبتمبر 2016، المواطن الليبي الأمريكي خليفة بلقاسم حفتر، قائدًا لقوات الكرامة برتبة مشير. ويُعد قرار حفتر بالعدوان على طرابلس، عاصمة البلاد، من أكثر الأحداث إثارة للجدل في الصراع القائم في ليبيا.

شخصية حفتر في حد ذاتها كانت دائما مثيرة للجدل، أما كيفية صعوده إلى الصدارة فهي أكثر إثارة. فكيف يرتقي أسير حرب سابق متقاعد منذ فترة طويلة، وكان له قيمة ما لدى وكالة المخابرات المركزية، وهو كان من المقربين للقذافي ثم أسر في تشاد، وبعد 2011، رجع إلى ليبيا وأصبح أمير حرب وقفز إلى رتبة مشير ليصبح قائدا لانقلاب عسكري ضد حكومة الوفاق الوطني التي أقرتها الأمم المتحدة؟

الجواب على هذا السؤال يكمن في ماضي حفتر وفي دوافعه. فالمعلومات الأساسية عن حياة حفتر شحيحة جدا، وهناك الكثير من المعلومات العامة التي تكررت في الإعلام عنه دون التحقق من حقيقتها.

يستند البحث المستخدم في هذه السلسلة من المقالات إلى مقابلات مع من نشأوا مع حفتر وخدموه وعملوا معه. هدفت المقابلات من أجل توفير الوضوح والدقة لسيرته الذاتية. وكشفت أيضا عن صلات حفتر الخفية والتي كانت غالبًا بمجموعة من اللاعبين الأجانب مما أظهر أن سيرته الذاتية تختلف اختلافًا كبيرًا عن العديد من الروايات في وسائل الأعلام

وفقًا لثلاثة مصادر ليبية عملوا مع حفتر أو لصالحه منذ شبابه، وُلد خليفة بلقاسم حفتر في 7 نوفمبر 1943 في مصر، وتحديدا في منطقة الرواش، إحدى ضواحي القاهرة التي كانت شائعة لدى الليبيين قبيل الاستقلال. وكانت توجد بتلك المنطقة قطعة أرض كبيرة مملوكة للعائلة السنوسية وما زالت حتى يومنا هذا، وهي عبارة عن مقبرة لموتى الليبيين الذين كانوا مغتربين خلال الحرب العالمية الثانية.

حفتر هو أيضًا لقب غريب لا معنى له في اللغة العربية ولا تاريخ له. بل أنه في مواقع وصفحات وكتب وسائل الإعلام الغربية كتب اللقب حفتر بعدة أشكال. وأيضا أطلق حفتر على اثنان من أبنائه المتورطين معه في قوات الكرامة، إسمي خالد وصدام، ولكن يشار إليهما أحيانا باسم جدهم عمر الأمر الذي زاد من الغموض.

تبين من روايات مختلفة أنه بعد الحرب العالمية الثانية، عاد الشاب حفتر وعائلته إلى ليبيا، وكان والده قد التحق بالجيش في اجدابيا ووصل إلى رتبة ضابط بعد الاستقلال. وهناك التحق خليفة حفتر بمدرسة الهدى في أجدابيا ابتداء من عام 1957. ثم تلقى تعليمه في درنة من عام 1961 إلى عام 1964.

التحق حفتر بالأكاديمية العسكرية الملكية في مدينة بنغازي في 16 سبتمبر 1964 ، وتخرج منها في عام 1966. وكان ذلك في الفترة التي كانت فيها ليبيا قد تحولت بسرعة من واحدة من أفقر الدول على وجه الأرض إلى واحدة من أغنى الدول، تلك كانت الفترة ما بين في منتصف الستينيات من القرن الماضي

كان نصيب الفرد في بداية الخمسينيات من الناتج الإجمالي في ليبيا 40 دولارًا. وبحلول عام 1967 ، وصل دخل الفرد إلى 1،018 دولارًا. في عام 1968 كان عدد سكان ليبيا 1.8 مليون نسمة، وكان معظم سكانها أميين وغير مهرة، وعاش الكثير من الليبيين في هذه الأرض الخالية من الأنهار كرعاة ُرحّل وبعضهم كانوا يبيعون الخردة من بقايا الحرب العالمية الثانية.

أدى إنشاء صناعة النفط في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي وما نتج عنها من دخل إلى تحول جذري في ليبيا. ولكن قبل إدخال صناعة الطاقة، كان الانضمام إلى الجيش بمثابة أمر مناسب جدا، سواء بالنسبة لحفتر، لكونه إبن ضابط ليبي من قبيلة معروفة في اجدابيا، ومناسبا أكثر من ذلك بالنسبة للشباب الأقل حظًا مثل معمر القذافي الذي ولد في خيمة راعي جنوب سرت يوم 7 يونيو 1942.

التقى حفتر مع القذافي في الأكاديمية العسكرية الملكية ، التي انضم إليها القذافي قبل حفتر بعام، في أواخر عام 1963. وكان القذافي بارعًا وتخرج كضابط إشارات في أغسطس 1965. وفي أبريل التالي ذهب إلى المملكة المتحدة لتعلم اللغة الإنجليزية ضمن برنامج للتدريب العسكري. ولكن لم يتم اختيار حفتر للتدريب في الخارج، فقد ظل عضوًا ليس بارزا في مدرسة الضباط. وتم تعيينه في سلاح المدفعية.

كان القذافي وحفتر مختلفين للغاية. كان القذافي فظاً وسمجا، وكان خشنًا ومتعثرًا من قبيلة القذافة. ويقال أن والده أصيب في القتال ضد الإيطاليين؛ والأغرب من ذلك أن هناك أقوال تفيد بأن والده اختطف إمرأة يهودية وتزوجها وكانت قد أسلمت.

كان حفتر والقذافي من جيل الحرب العالمية الثانية، الذين نشأوا في ليبيا الفقيرة التي تحكمها العائلة المالكة المتحالفة مع الغرب في عهد الملك إدريس.

يصف زميل من الأكاديمية العسكرية حفتر بأنه متهور ويحب استخدام قبضتيه، أما القذافي فهو دنيئ وسخيف، وقد اصبحا اصدقاء.

عندما كان القذافي في المدرسة في مدينة سبها بمنطقة فزان في الجنوب، بدأ يعجب بالرؤية الاشتراكية القومية العربية لجمال عبد الناصر، الذي كان قد أطاح بالنظام الملكي المصري في عام 1952.

كان حفتر من قبيلة معروفة في اجدابيا. وصفه زملاء الدراسة بأنه فظ ومتهور يفتقر إلى المثل السياسية أو الفلسفية ولكنه بالتأكيد شخص يحب قضاء وقت ممتع.

أثناء وجوده في أكاديمية بنغازي العسكرية، جمع النقيب القذافي البالغ من العمر 27 عامًا مجموعة صغيرة من طلاب فيلق الإشارة من حوله، بما في ذلك صديقه وزميله الموثوق به عبد الفتاح يونس، وكان هدفه إنشاء مجلس من الضباط مكون من 12 ضباط أطلق عليهم فيما بعد بحركة الضباط الوحدوين الأحرار.

في 1 سبتمبر 1969، عندما كان الملك إدريس في رحلة إلى تركيا، قام الضباط بالسيطرة على الإذاعة وأعلنوا بيان الإنقلاب، وهكذا انتهى حكم الملكية السنوسية.

لم يكن حفتر جزءًا من تلك الدائرة العسكرية التي عرفت فيما بعد بمجلس قيادة الثورة، ولكنه كان عضوا في حركة الضباط الأحرار التي نسب إليها التخطيط الذي أدى إلى الانقلاب. عندما سأل القذافي عن حفتر قال عرفنا حفتر ولم نثق به“. وعندما سئل عن السبب، أجاب : كان مخمورًا.

ومع ذلك ، ظل القذافي وحفتر قريبين. بعد الثورة، وتمت ترقية حفتر إلى رتبة نقيب وذهب إلى مصر لمزيد من التدريب في سن 26. وتمركز في سيناء كجزء من لواء احتياطي مدرع إلى جانب سربين من طائرات ميراج.

على الرغم من وجود عدد من الادعاءات الكاذبة في العديد من السير الذاتية لحفتر التي حاولت أن تصنع منه بطلا، والتي لم يشارك حفتر نفسه رسميافي هذه الادعاءات – فحفتر لم يشارك في حرب أكتوبر 1973 في يوم الغفران ولم يعبر قناة السويس، وفقًا لما ذكره زملاؤه.

على الرغم من خسارة مصر وحلفائها العرب وعدم خوض حفتر في معارك، قام الرئيس المصري أنور السادات بمنحه ميدالية.

في عام 1974 عاد حفتر إلى طرابلس ليدير قيادة لواء مدفعية. يزعم أنه حاول الاستقالة من قيادته مرتين. في العام التالي، عُيّن مسؤولاً عن الدفاعات العسكرية في طبرق ، وهي ميناء نفطي مهم في شرق ليبيا.

مرة أخرى يقول حفتر أنه كان غير راضٍ عن قيادته، وحاول الاستقالة في عام 1976 ولكن تم تعيينه مسؤولاً عن شبكة الدفاع الجوي الليبية في طبرق.

هناك مكث بشكل متقطع، طوال معظم حياته المهنية، حيث تمت مكافأته بزيارتين إلى موسكو للتدريب، أولاً في أكاديمية فيستريل العسكرية في عام 1977 ومرة أخرى في عام 1983، عندما أخذ دورات عامة في هيئة الأركان العامة في أكاديمية فرونزي العسكرية (وكان من خريجيها حسني مبارك وأمير الحرب الصومالي محمد فرح عيديد).

عندما سئل عن المهارات التي تعلمها حفتر في الاتحاد السوفيتي، قال محمد بويصير، المستشار السياسي السابق لحفتر: “لم يأخذ الروس الضباط الليبيين على محمل الجد. وكانت زيارة موسكو هدية من القذافي لحفتر لشرب الفودكا ومطاردة النساء ورشوة المعلم حتى يتمكن من النوم ليلتحق بالفصل آخر اليوم.

ومع ذلك، تعلم حفتر كيفية تنظيم وإدارة جيش حديث، وهي خبرة أصبحت أكثر أهمية مع تورط القذافي في ليبيا في حرب في تشاد، الجار الجنوبي لليبيا.

وصرح حفتر في مقابلة تلفزيونية عام 1978 ، بأن القذافي توقع بدقة الثورة في الشرق الأوسط. ولكنه رأى القذافي من خيمته الصحراوية، وترك الأمر لحفتر للاهتمام بالتفاصيل لإبقاء القذافي في السلطة، وسرعان ما تمت ترقيته إلى رتبة عقيد.

في يناير 1981 ، أدى رونالد ريغان اليمين كرئيس للولايات المتحدة وفي غضون عام تصاعدت التوترات مع ليبيا بشكل كبير. وكانت المواجهة العسكرية الأولى بين البلدين في 19 أغسطس 1981 ، عندما تحدّت السفن الحربية الأمريكية أعاءات القذافي بالسيادة المطلقة على خليج السدرة بأكمله على طول الساحل الليبي.

عندما أرسلت ليبيا طائرات مقاتلة من طراز (س يو 22إ) للدفاع عن مطالبها الإقليمية، أسقطت طائرات (توم هوك ـ إف 14 ) الامريكية اثنين منهم على الفور. وأثار ذلك حملة طويلة من دعم القذافي للجماعات الإرهابية، مما قوض المصالح الأمريكية والأوروبية في جميع أنحاء العالم.

في 10 مارس 1982 ، أصدرت الولايات المتحدة حضرا ضد استيراد النفط الخام الليبي. وحتى مع انخفاض أسعار النفط، مكن الخام الليبي المتميز القذافي بشراء كميات كبيرة من الأسلحة السوفيتية والأوروبية وبتوظيف الخبرة العسكرية اللازمة لتشغيلها.

وعلى الرغم من عدم وجود قوة عسكرية ليبية من الطراز الأول تعمل بكامل طاقتها ، إلا أن القذافي استمر في تبني العدوانية والترويج لأجندة أفريقية وحدوية.

لقد كان في حالة عصبية مبررة خوفا من المؤامرات ومحاولات الانقلاب ضده. ولم يكن كل هذا جنون العظمة. على سبيل المثال ، نصبت الحكومة الأمريكية فخًا في عام 1983 لدفع مصر إلى غزو ليبيا.

طور ريغان من تركيزه على القذافي، ودفعت محاولات تقويضه والإطاحة به في نهاية المطاف بحفتر إلى دائرة الضوء.

كان الحدث الأكثر شهرة هو القصف الأمريكي للقذافي في الأول من أبريل 1986 أثناء وجوده في مقره الرئيسي في باب العزيزية في إحدى ضواحي طرابلس. يقول حفتر إنه كان من أوائل الذين ساعدوا القذافي على الساحة. وسرعان ما تمت ترقيته إلى منصب رئيس المنطقة الشرقية في البلاد.

بدأت الحرب بين ليبيا وتشاد في عهد الملك إدريس عام 1968 بسبب الولاءات القبلية. وتوسعت بسرعة في عام 1978 عندما حاول القذافي الإطاحة بالحكومة التشادية ، مما أثار ردود فعل مخابراتية من الدول الغربية التي تخشى أن يكون لدى القذافي طموحات إقليمية أكبر.

تركز الصراع على منطقة حدودية استعمارية يبلغ عرضها 200 ميل تسمى قطاع أوزو ، والتي يطالب بها كلا البلدين منذ عام 1935. بدأ القذافي في ترسيخ سيطرته على المنطقة من خلال إنشاء شبكة من القلاع الصحراوية النائية في شمال تشاد.

بصفته ضابط أركان تدرب في الاتحاد السوفيتي، تم إرسال حفتر إلى الخطوط الأمامية في عام 1987. وقال في مقابلات في ذلك الوقت إنه متردد في تولي هذه المهمة الجديدة. كان هناك جنرالات آخرون مسؤولون عن الحرب، ولم يكن حفتر في القيادة الكاملة. كانت الحرب في تشاد بائسة ولا تحظى بشعبية، ويمكن اعتبار قيادة حرب القذافي القذرة عقابًا أكثر منها ترقية.

كان الحصن الرئيسي لهذا الجهد هو قاعدة وادي دوم الجوية التي يمكنها التعامل مع طائرات الشحن الثقيلة والقاذفات. وصفتها تقارير صحفية بأنها نجمة الموت الليبية بعد خيال جورج لوكاس الفضائي لعام 1977 – وهي مهمة ضخمة في الصحراء التشادية. أطلق عليها حفتر اسم قاعدة عسكرية إشارة إلى القاعدة القتالية الأمريكية شديدة التحصين في فيتنام.

كان لدى حفتر 5000 ضابط وجندي من القوات الليبية والمرتزقة والعديد من الدبابات والقوة الجوية والمدفعية والصواريخ وحقول الألغام الواسعة. لن يخسر أبدًا ضد من كان يعتقد أنهم متمرّدون صحراويون مسلحون تدريباً سيئاً .

ععلى الرغم من أن الجيش الليبي كان لديه الكثير من المعدات العسكرية، إلا أن جنود حفتر كانوا في الواقع مدربين تدريباً ضعيفاً، معظمهم دُربوا من قبل كادر الكتلة السوفيتية وبدعم من أعداد كبيرة من الفيلق الإسلامي القوات الأفريقية المستأجرة التي تحاول تشغيل ودعم المعدات السوفيتية التي اشتراها القذافي.

تزامنت أولى خطوات حفتر مع القدر عند قيادته القتالية الأولى في صحراء تشاد الشمالية.

***

يتبع

______________

المصدر: ترجمة بتصرف عن موقع الملفات الليبية“.

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *