ناضل الزعيم النقابي فريدريك تشيلوبا لإنهاء حكم الحزب الواحد، وتحدى الرئيس كينيث كاوندا الذي يحكم البلاد منذ عام 1964 في انتخابات عام 1991 كمرشح للحركة الديمقراطية متعددة الأحزاب، ليصبح ثاني رئيس للبلاد منذ الاستقلال.
سعى تشيلوبا إلى تغيير المسار الذي سلكته البلاد في ظل كاوندا على مدى 27 عامًا، وصاغ دستورًا جديدًا فتح الباب أمام السياسة متعددة الأحزاب، وزاد من حرية الصحافة، وبدا للمراقبين أنه يضع حجر الأساس لانطلاقة هائلة صوب الديمقراطية، وبعد عقود من الحكم السيئ، بدا أن الرئيس الجديد ساعد بنجاح في وضع زامبيا على مسار ديمقراطي قادر على البقاء.
اقتفاء أثر المستبد
مع ذلك سرعان ما أصبح واضحًا أن المؤسسات الزامبية السائدة لم تكن قادرة على تقييد النخب السياسية وغيرها من الجهات الفاعلة الساعية إلى خدمة مصالحها الخاصة على حساب الأهداف الإنمائية الأوسع نطاقًا.
من المفارقات التي رصدها الباحثان موانجي س. كيميني ونيليفر مويو في «بروكنجز»، أن تشيلوبا الذي انتقد بضراوة حكم كوندا الاستبدادي، ودعا إلى فرض قيود على مدة الرئاسة في عام 1991، كان هو نفسه الذي حاول تعديل الدستور الزامبي في عام 2001 حتى يتمكن من الترشح لولاية ثالثة.
ولم يتراجع عن عزمه إلا بعد احتجاجات شعبية واعتراضات عامة من داخل حزبه.
الأسوأ من ذلك أن الإصلاحات الاقتصادية المزعومة لم تدم طويلًا؛ فخلال حكمه زادت الإدارة الاقتصادية سوءًا وتفشى الفساد، وحرص تشيلوبا على تقوية سلطاته التنفيذية بما يسمح له بالتصرف دون خوف من المساءلة.
في عام 2007، قضت محكمة بريطانية بإدانة تشيلوبا بسرقة 46 مليون دولار من الأموال العامة. ومع ذلك فشلت المنظومة القانونية الهشة في زامبيا في متابعة القضية. كما رفع الرئيس السابق، ليفي مواناوازا، قضايا فساد عديدة ضده بتهمة سرقة الأصول العامة، لكن العديد من هذه القضايا أسقطت بسبب العقبات البيروقراطية وفي بعض الأحيان نتيجة العبث القضائي.
أما ملايين الدولارات التي تكبدتها الدولة نتيجة سوء إدارة ملف خصخصة الشركات الحكومية فلا يزال مصيرها مجهولًا.
وعلى الرغم من منح حرية الصحافة وحرية تشكيل أحزاب المعارضة، فإن الصحفيين البارزين ومسؤولي أحزاب المعارضة اعتُقلوا في كثير من الأحيان بتهم ملفقة بزعم التخطيط للإطاحة بالحكومة.
وسرعان ما بدأ النظام الجديد اقتفاء أثر النظام السابق، على حد وصف باحثي «كارنيجي» موانجي س. كيميني ونيليفر مويو.
غياب المؤسسات القوية
صحيح أن تشيلوبا أطلق شرارة تعزيز العملية الديمقراطية في زامبيا، لكن بحلول نهاية حكمه كان قد عمل على إضعاف الديمقراطية في البلاد.
وما بدا في البداية كدراسة حالة عن التحول الديمقراطي الناجح في أفريقيا تبين أنه تجربة فاشلة. بل يمكن القول إن تشيلوبا عام 1991 لم يكن ليتعرف على تشيلوبا عام 2001، وهو نموذج شائع بين القادة الأفارقة.
صحيحٌ أيضًا أن التخلص من الرؤساء الانقلابيين والانعتاق من نظام الحزب الواحد إنجازٌ جدير بالاحتفاء، لكن تجربة زامبيا – في رأي باحثا «بروكنجز» – تسلط الضوء على حقيقة أن الانتخابات في حد ذاتها لا تصنع ديمقراطيات.
وقد فشل التحول الديمقراطي في زامبيا تحت حكم تشيلوبا؛ لأن الانتخابات لم تكن مدعومة بمؤسسات قوية.
من أجل تعزيز وترسيخ المثل الديمقراطية في أفريقيا، ثمة حاجة إلى بعض الإصلاحات الرئيسة، على رأسها: القضاء على الرئاسات ذات الصلاحيات الإمبراطورية.
ويمكن القيام بذلك عن طريق نقل السلطة إلى الوحدات المحلية وتعزيز السلطة القضائية والتشريعية من أجل تطوير الترتيبات المؤسسية لمراقبة السلطة التنفيذية.
تحتاج البلدان الأفريقية كذلك إلى مجتمع مدني أقوى يمكنه مساءلة الحكومات والتأثير على مستقبل الديمقراطية في القارة. بالإضافة إلى تكثيف جهود منع الفساد وملاحقته داخل الحكومة.
بعد رحيله، يرى الباحثان أن تشيلوبا سيظل معلمًا رئيسًا في مسيرة بلاده صوب الديمقراطية، لكنه أيضًا دليل على سهولة التخلي عن مبادئ الحكم الرشيد لخدمة مصلحته الذاتية المتمثلة في جمع القوة والثروة.
وبالتالي فإن الدرس الأساسي المستفاد من ولايته هو أنه بدون وجود مؤسسات قوية تضع قيودًا فعالة على القادة الساعين وراء رغباتهم، لا يمكن للأفارقة أن يأملوا في الحفاظ على القيادة الديمقراطية.
لسوء الحظ هناك العديد من هذا النموذج في القارة، تولوا السلطة في البداية بحجة النهوض بالديمقراطية، قبل أن ينتهي بهم المطاف بالتخلي عن مبادئهم لتحقيق مكاسب شخصية.
انتهت الجولة، لكن لم ينفد مداد الرسائل المنبعثة من قلب الظلام.
______________
المصدر: ملف “الكفاح الأسمر.. 5 من أبرز تجارب التخلص من «حكم العسكر» في أفريقيا” ـ موقع ساسة بوست