(وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)
بقلم أمين مازن
إنظم الأستاذ حسن عمر الشغيوي الى قائمة الراحلين من شيوخ مدينة طرابلس، أولئك الذين تختفي أجسادهم من الحياة، و تبقى صورهم و طرائق حديثهم ملء ألآلاف من ذاكرات عارفيهم شديدة الحضور جرّاء مشاركتهم في هذا المجال او ذاك، و اكثرها في الغالب بالنسبة للذين بلغوا سن الشيخوخة بدأت من سلك التعليم و لا سيما اشهر مدارس المدينة.
عندما كان حسن الشغيوي في السنوات الاولى من الخمسينات من القرن الماضي من بين الذين دخلوا ذلك الميدان عن جدارة، و قبل ان يستهويه عالم الرياضة محرراً صحفيا ومن ثم إذاعياً، فقد بدأت رحلته عقب إجتيازه لأحد الامتحانات التي أُجرِيت في وقت مبكر، تلك التي كانت مواسمها ثابتة والإعلان عنها محدداً وإجتيازها تتناوله وسائل الإعلام الرسمية، فيحظى من يجتازها بالتعيين الرسمي و يبقى من دون ذلك في حالة وجود الاماكن الشاغرة في عِداد من يُطلق عليهم المدرسون المؤقتون، أي الذين يمكن الإستغناء عنهم لمجرد توفر المجتازين للامتحان.
فبواسطة ذلك النهج المحدد لإختيار المدرسين دخل حسن الشغيوي ذلك المجال المُشرِّف والذي كان شقيقه محمد عمر الشغيوي قد دخله في آخر الثلاثينات من القرن الماضي ضمن الكثير من مشاهير تلك الايام، ممن وثّقوا حياتهم في اعمال مكتوبة.
و قد كان حسن الشغيوي من حيث الحجم يبدو اصغر زملائه من حيث نحافة الجسم وقصر القامة، أما الاداء فقد كان على ما يبدو أكثر تقدُماً، الامر الذي تجلّى في إختياره ضمن مجموعة المدرسين الاولى التي أُنتُدِبَت للعمل بولاية فزان وتحظى بعلاوة مالية تجاوزت نصف المرتب وفي مقدمة شروطها المؤهل و الاقدمية و حُسن الآداء.
وقد أشرف على التنفيذ يومئذ احد الرموز الوطنية الشهيرة هو الاستاذ محمد فياض الذي جمع بين النشاط السياسي والعمل التعليمي، و قد أُنيطت به هذه المهمة بوصفه من كبار موظفي بلدة غدامس التي كانت من أعمال ولاية فزان غير أن المفارقة اللافتة هي أن علاوة الندب هذه على ما فيها من الإغراء لم تمنع حسن الشغيوي من أن يقفل راجعاً الى المدينة وترك فزان لأهلها.
و يخوض الى جانب التعليم مهمة الانشغال بالرياضة فيجمع بين التحرير الصحفي والعمل الاذاعي من خلال اذاعة طرابلس المحلية فيتفرّد في وصف مباريات كرة القدم، ويكون أبرز الذين لا يُخفون انفعالهم مع أي إصابة تعجبه ومثل ذلك بالنسبة لما لا يعجبه، ولا سيما حين يكون في الملعب فريق الإتحاد الذي يرى فيه مشجعوه خير من يمثل الولاية عند مجيئ أي ضيف ولا سيما حين يكون القادم من هذه الفرق أجنبياً فتراهم يبذلون الكثير من المحاولات غير البريئة من التحيُّز حتى يضمنوا لفريقهم هذا الفوز في أي مباراة محلية حرصا على توفير القدر الكافي من المعنويات التي تجعل الاتحاد يضمن الانتصار على كل من يحُل بطرابلس من الغرباء، و هو موقف يقبل به البعض و يرفضه البعض الآخر.
و شأن الكثير من أُسَرْ احياء مدينة طرابلس الشهيرة التي بدأ بها تطور المدينة السكاني ومثله العمراني، كبالخير و ميزران و شارع الزاوية تنحدر اسرة الشغيوي من خارج المدينة بمئات الكيلومترات ولكنها لا تَتَلقّب ببلدانها الاصلية شأنه شأن السُنِّي و بابينة و اربيش و عزّوز و السوَيِّح و قِشقِش والحضيري وغيرهم كثر.
إكتفى ابناء الشغيوي بلقب الشهيد عمرالشغيوي الذي شُنِق ضمن المجموعة التي أُعدِمت سنة 1928م عقب معركة قَارة عافية مباشرة وإجلاء البلدة بالكامل، فمنذ ذلك التاريخ قرر اكبر أبناء الشغيوي المُسمى علي الاقامة بطرابلس، حتى لم تبق من ذكراهم الى جانب البيوت سوى أطول نخلة بين النخيل البعلي، و يومها انشأ ذلك الرجل محيطاً تثقيفياً لأخويه الصغيرين إدريس وحسن بل وشمل به في فترات الحرب العالمية عشية نزوحهم جنزور، الشيخ عبدالسلام خليل الذي لم يبخس الرجل حقه في معرض حديثه – أي عبد السلام خليل – للشيخ الطاهر النعَّاس حول تجربته الادبية، و قد كانت لتلك البيئة اثرها في إستقامة الاستاذ حْميدة عبر تجربته الإدارية و دوره المُميز في الهيئة الرياضية العليا وكذلك ما إتصف به إدريس من إنحياز لا يعرف التوقف للفن المسرح والنشاط الرياضي والشأن العام كافة فكان صوته بين الاصوات القوية في شوارع المدينة إستنكاراً للكثير من الممارسات مما حدى به الى خوض معركة الإنتخابات النيابية (64-65) و إصراره على عدم الإنسحاب مع تأكُّد الخسارة خشية أن تطاله شُبهة السمسرة بالمعركة.
إنها الأُسَرْ التي آثرت الإكتفاء بثوب العِفَّة و طعام القناعة فلم تظهر في محافل النفاق أو التأييد المُفتعل و حتى الإستنكار المزعوم تلك التي خرجت من تلك الإحياء و شيدت بيوتها في سواني سُكّرَة التي صارت تُدعى بشوارع بن عاشور و الجرابة و الظل وصارت تُحْيي مناسباتها الاجتماعية في جامع باقي الذي يعود تأسيسه الى ذلك الرجل القادم من هون شأن أبناء الشغيوي و الذي شيده حديثاً أو بالأحرى أشرَفَ على تشييده و من ثم تسييره المهندس خليل الدبَّار حفيد الجد محمد بن سالم رفيق عمر الشغيوي في مهرجان الإستشهاد ممن يقفزون الى الذاكرة عند إلتقاء أي نفر من ذلك الرعيل ممن تستنشق منهم النفس نسائم الإعتزاز بالنفس والترفُّع عن المظاهر الزائفة والشكليات الخادعة والتي تظهر عادةً كلما أحاط بالقوم مُتغيراً من المتغيرات فلا يُحجِم عن الظهور إلا الشرفاء من الناس الذين لا تستدرجهم الغنيمة ولا تُسيل لُعابهم المكاسب ولا تحركهم الأحقاد الدفينة والحسابات المُعلّقة، إيماناً منهم بالقول الخالد “وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى “.
*****
حسن عمر الشغيوي في سطور
قدّمت عائلته الكثير من التضحيات لليبيا الحبيبة حيث استشهد والده حين أعدمه الاستعمار الإيطالي عقب معركة (قارة عافية) بهون سنة 1928م.
منذ طفولته كان مولعا بالرياضة وقد تعلم أبجدياتها بمدرسة طرابلس المركزية أواخر ثلاثينيات القرن الماضي وكان ضمن الفريق الأساسي لكرة القدم تحت إشراف الأساتذة الأجلاء علي الزقوزي وعلي الزنتوتي ومحمد زاوية ومراد الخوجة وغيرهم.
فاز فريقه ببطولة المدارس التي شارك فيها عدة فرق من مدارس شارع الزاوية والظهرة والمدينة القديمة والمركزية وأحد الفرق يمثل المنطقة الغربية وهو فريق زوارة وقد تكونت تشكيلة فريقه في تلك الفترة من عدة أسماء أبرزها العتروك في حراسة المرمى وخيري الخوجة ومصطفى بن شعبان.
واصل دراسته الثانوية لمدة أربع سنوات وهي ثلاث سنوات دراسة وسنة (توجيهي) نال بعدها شهادة الكفاءة في التعليم مطلع الخمسينيات رفقة مجموعة من الأسماء المعروفة.
إلى جانب مزاولته لرياضة كرة القدم فهو من أوائل الرياضيين الذين مارسوا لعبة المبارزة بسلاح الشيش. وفاز بلقب أول بطولة سنة 1957م ضمن مهرجان طرابلس المدرسي والذي أقيم بالملعب البلدي.
عمل في مدرسة طرابلس المركزية وبقي بها حوالي سنتين ومنها انتقل إلى مدينة سبها، حيث شارك في تأسيس مدرسة سبها الثانوية التي التحق بها 55 طالبا.
بعدها عاد من جديد لمدرسة طرابلس المركزية حيث قرأ إعلانا في صحيفة (طرابلس الغرب) عن حاجتها إلى محررين صحفيين وقُبل بالصحيفة بعد اجتياز الاختبارات بنجاح والتحق بطاقمها والذي كانت به عدة أسماء معروفة أمثال أحمد مامي ومحمد فخرالدين ومحمد الشاوش ليتم بعد ذلك ندبه من التعليم إلى الإعلام وتحديدا في تحرير النشاطات الرياضية حيث وجد قبله الأستاذ عبدالهادي الفيتوري، حيث كونا معا فريق عمل متميز بالصحيفة التي كانت لها شعبية كبيرة وأصبحا فيما بعد متابعين للنشاط الرياضي في ليبياوأهتما به كتابة وتعليقا.
مع انطلاق الإذاعة الليبية مطلع الستينيات والبدء في تكوين كوادرها في مختلف التخصصات ومنها التعليق الرياضي، تقدم صحبة ستة أشخاص آخرين لإجراء الاختبارات، اجتازها بنجاح لتبدأ مسيرته الفعلية مع التعليق الرياضي عبر الراديو الذي أوصل صوته إلى أبعد مدى في ليبيا وقام بالتعليق على أول مباراة بين الإتحاد والظهرة.
اهتم القائمون على إدارة الإذاعة والتلفزيون في تلك الفترة بتطوير الكوادر، وتم إيفاده للمشاركة في دورة للمعلقين الرياضيين بقناة الراي الإيطالية، تحصل فيها على الترتيب الأول بين خمسين دارسا من مختلف الدول الأوروبية وقد ساعده في ذلك إجادته للغة الإيطالية.
تأثر الاستاذ حسن كثيرا بالمعلقين الإيطاليين، وخاصة (نيكو كوروزو) في الراديو و(مارتيني) في التلفزيون وهما من أشهر المعلقين في تاريخ الرياضة الإيطالية.
تلقي عروضا خارجية للتعليق الرياضي، في إيطاليا لكنه فضل البقاء في بلاده لخدمة الرياضة .
في تلك الفترة، إقيمت دورة رياضية في مختلف الألعاب بمناسبة إقامة معرض طرابلس الدولي حيث كانت الانطلاقة الحقيقية له عبر التلفزيون، حيث قام بالتعليق على مباريات كرة القدم والتي شاركت بها فرق من الإتحاد السوفياتي وتونس ويوغسلافيا والمغرب وقد كان مستوى هذه الدورات السنوية متقدما جدا نظرا لقوة المنافسين.
كان الاستاذ حسن أول ليبي يقوم بالتعليق على مباريات كاس العالم من قلب الحدث، كما قام بالتعليق على الألعاب الأولمبية سنة 1980م بموسكو ودورة الألعاب العربية الثالثة بالمملكة المغربية وكأس أفريقيا سنة 1982م كانت تلك الدورة محطته الأخيرة.
من أصعب المباريات التي علّق عليها الاستاذ حسن هي مبارة ليبيا ومصر باستاذ القاهرة سنة 1967م. كما أنه ساهم في التعليق على ألعاب أخرى كلعبة السلة وألعاب القوى بالإضافة إلى كرة القدم.
وضع اللبنات الأولى لمدرسة التعليق الرياضي في مطلع الستينيات والتي تخرج منها بعد ذلك عدة أسماء أبرزها على الأستاذ محمد بالراس.
توفي شيخ المعلقين الرياضيينالاستاذ حسن عمر الشغيوي رحمه الله عن عمر ناهز ( 86 ) سنة بعد صراع مع المرض، ووري جثمان الفقيد الثرى بمقبرة سيدي منيدر بطرابلس .
_____________
المصدر: وسائل التواصل الاجتماعي