في ذكرى معركة باب العزيزية 8 مايو 1984 .. قصة غلاف
علي جبريل
كان خبر مقتل الحاج أحمد احواس ( نحسبه شهيدا عند الله) قائد الجناح العسكري للجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا يوم 6 مايو 1984 على ثرى ليبيا بالقرب من الحدود التونسية مزلزلا ومفاجئا لنا نحن أعضاء الجبهة انذاك، خاصة اولئك الذين عرفوا الحاج أحمد عن قرب.
ولم نفق من صدمة مقتل الحاج حتى فوجئنا بالحدث الجلل، معركة 8 مايو بين فدائي الجبهة وقوات نظام القذافي في وسط طرابلس بالقرب من باب العزيزية.
ونقلت محطات الأخبار العالمية الحدث ونقلت صور الشهداء وهم ملقون على الأرض يركلهم زبانية حكم العسكر بأحذيتهم.
من على بعد الاف الاميال تعرفنا على ملامح الشهداء .. شئ فوق الأحتمال ونحن في تلك السن من العمر… أن ترى رفاقك شهداء على أرض الوطن بهذه الحالة .. تتصارع فينا مشاعر شتى،
الأسى والحزن على فقدهم وفراقهم الذي سيطول،
الفخر والأعتزاز بشجاعتهم وبطولتهم،
القلق والأنزعاج بل والغضب لماذا انكشف أمرهم،
النشوة بما انتاب معمر القذافي ونظامه من هلع وفزع،
وفي الأخر الشعور الغامر بالتسليم بقضاء الله وتقديره..
بعد هذا الخبر بأيام وصلنا خبر مصرع الحبيب مجدي محمد الشويهدي والعزيز سالم القلالي في مواجهات دموية مع زبانية النظام في طرابلس .. ثم علمنا بنجاة الأخوين المجاهدين كمال الشامي وسالم الحاسي وان الدولة برمتها مجندة للبحث عنهما والقبض عليهما، فكان لنا في ذلك بعض العزاء ..
لم يعد في القلب مكانا للألم، لم تعد الا الرغبة في ترك الدنيا ومافيها واللحاق بالعمل الفدائي للجبهة ومواصلة السير في طريق الرفاق. ..
قررت وقف دراستي وانسحبت من الفصل الدراسي الصيفي واسترددت مادفعته للجامعة (جامعة ولاية تينيسي) واشتريت به تذكرة طائرة الى مدينة سياتل في اقصى الغرب الامريكي كي أكون مع أصحاب مجدي الشويهدي ورفاق رحلة الغربة زياد الدريبي وفخري الزقلعي وعدنان حسنين واقارب سالم القلالي في مدينة سياتل عسى ان أجد في ذلك بعض العزاء والسلوان. .
دخل شهر رمضان وصدمنا بأخبار الأعدامات في هذا الشهر الفضيل..عليك الف لعنة يا قذافي.. كل يوم كانت تزف لنا الاخبار ارتقاء رجال الجبهة الوطنية الى بارئهم من على أعواد المشانق التي نصبت على أمتداد الوطن.. من طبرق شرقا، مرورا ببنغازي، الى زوارة غربا مرورا بطرابلس، نزولا الى جبل نفوسة ومزدة، وجنوبا الى ودان وأوجلة…
كان أكثرها حزنا وألما اعدام الاخ العزيز الصادق حامد الشويهدي في بنغازي.. أسابيع متصلة من الاحداث الجسام, بدأت بأعدام الطالبين رشيد كعبار وحافظ المدني في حرم جامعة طرابلس في منتصف أبريل، واطلاق الرصاص من السفارة الليبية في لندن على الطلبة الليبيين الذين تظاهروا امامها احتجاجا على اعدام كعبار والمدني، وقتل رصاص اللجان الثورية من داخل السفارة الشرطية البريطانية ايفون فليتشر وجرح العديد من الطلبة المتظاهرين، ليأتي مقتل الحاج أحمد احواس ومعركة باب العزيزية يوم 8 مايو ومسلسل الاعدامات اليومية في رمضان..المعركة مع المجرم في تصعيد وليس امامنا الا المضي في مواجهة النظام بعزيمة أقوى واصرار أشد.
بينما كنا في جولة على اعضاء الجبهة في ولايات الوسط اتصل بنا الاستاذ علي أبوزعكوك الذي كان المفوض الأعلامي للجبهة وسأل عني. فقلت له مع الاخوة في الجولة والمحطة القادمة عندك، فقال في انتظاركم وانت ستبقى معنا لتساعدنا في اخراج العدد الخاص لمجلة “الأنقاذ” والذي سيصدر بمناسبة احداث باب العزيزية ونريد اصداره على عجل.
وصلنا الى مقرا اصدار مجلة الانقاذ، عبارة عن بيت ريفي متواضع في ولاية ميشيغن كنا نسميه “القلعة“. كان في استقبالنا الأستاذ على بوزعكوك والأستاذ منصور بن عمران ومختار المرتضي وابراهيم اغنيوة وتوفيق أمنينة وسعد الاثرم (رحمه الله) وسالم القماطي والدكتور محمود تارسين وقدري الخوجة والأستاذ عثمان البراني وغيرهم من المناضلين. ..
في اجتماع مع الأستاذ علي بوزعكوك قال أنت وعثمان البراني عليكما تصميم الغلافين الخارجيين والداخليين للمجلة بالاضافة الى صفحات داخلية على أن تعبر هذه التصاميم عن معركة باب العزيزية ..
بدأنا العمل والجو حار فقد دخل شهر يونيو والقلعة لا يعمل بها التكييف وساعات الصيام طويلة… اتفقت مع الاستاذ عثمان البراني أن يقوم هو بتصميم الغلاف الخارجي للمجلة بحكم خبرته ودراسته وتمكنه من هذا الفن، وانا اخترت الغلاف الخارجي الخلفي للمجلة .. مضت الساعات وامتدت الى ايام وانا احاول ان أجد فكرة للغلاف..
لابد أن يعبر عن أحداث المعركة .. يعني اشتباك وقتال وأسلحة ونيران ..الخ .. هل يكون التصميم بشكل ملصق “بوستر” بتنفيذ بسيط “تجريد” ورمزية أم يكون رسما واقعيا؟ ..عشرات المحاولات لم تكن مرضية والوقت يمر سريعا والمدة المحددة لاصدار العدد تمضي بسرعة.
استقر رأيي على أن ارسم مجموعة شباب يمثلون الذين قاموا بعملية باب العزيزية (مجموعة بدر) .. تخيلتهم في وضع قتالي يحمل احدهم راية الانقاذ وأحدهم ملقى على الأرض مضرجا بدمائه, والمجموعة أمام العمارة التي وقعت فيها وحولها المعركة… أكملت اللوحة .. الغلاف الخلفي للمجلة ..
اعجب الاستاذ علي بوزعكوك وبقية الاخوة بالتصميم ..لكن لم أكن مقتنعا بشكل كامل… فالتصميم يبرز ساحة المعركة ( العمارة وماحولها) لكن لا يسلط الضوء على ذوات المجاهدين أنفسهم، أصحاب الحدث وابطال المعركة.
كنت اتصفح احدى المجلات العربية بعد الافطار فقرأت في احدى صفحاتها عبارة مكتوبة بخط عريض “الشهداء أكرم من جميعا“.. أي والله ..نعم هم كذلك ومن حقهم أن يكرموا… جاءت الفكرة أمام ناظري، رجعت الى الحجرة التي اتخذناها مرسما… الشهداء هم اللوحة.. هم التصميم.. هم الغلاف.. وهم المحتوى.. هم الذات.. وهم الموضوع…
بعد عدة محاولات وقع اختياري على الشهداء .. ناصر الدحره، يمثل شهداء معركة باب العزيزية، ومجدي الشويهدي وسالم القلالي يمثلون من استشهدوا في مواجهات بعد المعركة، الصادق الشويهدي وعبد الباري فنوش يمثلون الشهداء الذين علقوا على المشانق بعد المعركة، ورشيد كعبار يمثل جميع الشهداء الذين أعدمهم القذافي، وفي وسط اللوحة ومركز الحدث كان هناك الحاج أحمد حواس القائد .. أول الرصاص.. وأول الشهداء..
أمضيت الليل كله أرسم حتى انتهيت من اللوحة وقمت بقص رسم الأشخاص من اللوحة الأولى و لصقت الرسم على اللوحة الجديدة… وجوه الشهداء … مع الظهر كنت قد أنتهيت ووقعت عليها باسمي المستعار (المهدي الشريف) خوفا على أهلي في داخل ليبيا..
وافق عليها الأستاذ عثمان البراني.. واعتُمدت تصميما للغلاف الخلفي الخارجي لمجلة الأنقاذ للعدد الخاص بمعركة باب العزيزية الحدث المميز في مسيرة نضال شعبنا ضد طغيان نظام القذافي…
رحم الله شهداء ليبيا جميعا الذين سقطوا من أجل الا يسوم أهلها العذاب والذل طاغي أو مستبد.
“من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه..فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. وما بدلوا
____________________
المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك