ـ ولد في تشاد مثل كثير من أبناء القذاذفة، في أسرة فقيرة، لأب متزوج باكثر من إمرأة، كان راعيا يعيش هو ونساؤه بين حظائر الاغنام، والقذاذفة في تشاد كانوا تبّع لأولاد سليمان، التي تأتمر بعائلة “سيف النصر”.

ـ بعد اكتشاف النفط في ليبيا، في مطلع ستينيات القرن الماضي، انسياح معالم الكفاف في أنحاء ليبيا انحسار رقعة الفقر والفاقة، بدات قوافل “العائدون” تزحف على ليبيا من الجنوب ومن الشرق والغرب، جاء القادمون من تشاد، يعلو وجوههم غبار الصحراء، ترهقهم سنوات الجوع، تغشاهم مكونات الجهل، وتعشش في حناياهم ظلمات الجاهلية.

ـ جاء أحمد منصور القذافي مع إخوته ووالده وزوجات إبيه في شحنات غصت بالشيوخ والأطفال والفتيان، ليجدوا أنفسهم أول مرة وسط ما نسميه بـ “المدينة”، إلى بيئة مختلفة في كل شئ، يروا المتاجر لأول مرة، وإنارة الكهرباء التي تنير بعض شوارع سبها.

ـ كان هذا المخلوق ومعه أبناء القذاذفة يدركون أن من أحضرهم من تشاد إلى سبها هو “البي” والي فزان، وهو رأس قبيلة أولاد سليمان، من عائلة سيف النصر، الذين يدين له القذاذفة بالولاء، وهو ولي النعمة والامرن نقلهم من تشاد إلى سبها. ترعرع أحمد ابراهيم يحمل في اعماقه بقية حياة باهتة، ترافقه طوار حياته.

ـ عندما كان هذا المخلوق في المرحلة الاعدادية، انقلب القذافي على سلطة الدولة الليبية، وجاء  في منطقة “المنشية” بمعالم القوة لهؤلاء القادمين من وديان تشاد وصحاريها، وتغيرت أحوالهم وأصبحوا غير ما كانوا عليه منذ أيام مضت. تهاوت التراتبية القبلية، وارتفعت رؤوس، وغابت أخرى في المعتقل.

ـ  كان أحمد ابراهيم “نبتة” نقلت بين ترب الاختلاف، المكاني والاجتماعي والتراتبي القبلي والثقافي أيضا، انتقل من تشاد، بكل أطيافها الحياتية القاسية، إلى رحلة طويلة عبر الصحراء نحو سبها، من وصاية آل سيف النصر الاجتماعية، إلى الصعود المفاجئ لقبيلته، بل وبيت القحوص الذين ينحدر منه القذافي نفسه.

ـ في المرحلة الثانوية، أعلن أحمد منصور أنه ينتمي للتيار الاسلامي، وبدأ يرفع صوته داعيا لهذا التيار، وبدأ في افتعال المعارك التي تجذب أليه الانظار، رغم تحذيرات جهاز الأمن في سبها بخطورة استمراره في هذا الطريق.

ـ بعد حصوله على الثانوية، انتقل أحمد منصور من سبها إلى بنغازي، وفي جامعة بنغازي كانت بدايات الارهاصات لمعارض الحكم العسكري في ليبيا، وبعد سنوات قليلة توجه القذافي نحو طلبة الجامعات، وأمر الطلاب “الثوريين” بأن ينظموا أنفسهم، وأن يستعدوا لمواجهة الطلاب المعترضين على التدريب العسكري، والمطالبين بقيام اتحاد مستقل، والهادفين إلى تشجيع الطلاب على الخروج في مظاهرات من أجل تحقيق مطالبهم التي ستقود إلى المطالبة علنا بإنهاء الحكم العسكري، وإقامة نظام دستوري.

ـ تولى أحمد ابراهيم مهمة تنظيم لقاءات مع القذافي، وفي تلك اللقاءات استطاع تجنيد الطيب الصافي ومصطفى الزايدي، ويونس معافة، وهدى بن عامر، وغيرهم. كانت المخابرات الليبية قد جندت بعض الطلاب، وتشكيل غرفة عمليات لإدارة المواجهة مع طلبة الجامعة، وحدد السابع من أبريل لبداية المواجهة في داخل الحرم الجامعي.

ـ عندما أقيمت المحاكم الثورية، ترأس عددا منها، ومثل أمامه عدد من المسؤولين الحكوميين ورؤساء الشركات والمؤسسات العامة، ورجال الأعمال. وبعد الاعلان عن قيام سلطة الشعب في مارس 1977، كان كل قذافي يلهث وراء المال، والسلطة هي الطريق الاقرب لمخازن الثروة. ولكنه أراد أن ينصب نفسه قيما على الفكر والثقافة والصحافة في ليبيا.

ـ استطاعت صحيفة الاسبوع السياسي والاسبوع الثقافي، أن تمثلا صوتا داخل المجتمع الليبي، وأبرزتا اقلاما ليبية شابة وواعدة، أغلبهم لم يكونوا في البداية صدى للكتاب الأخضر. حاول أحمد بكل الطرق أن يستولي على المطبوعتين، وأرسل أكثر من مقالة لنشرها في الأسبوع السياسي، وتم نشر مقالتين له في باب مخصص للمبتدئين الهواة.

ـ قام أحمد ابراهيم ومعه عدد من أعضاء اللجان الثورية، بالهجوم على بعض الشباب المشاركين في ندوة في بنغازي، وبينهم عدد من أعضاء كتاب صحيفة الأسبوع السياسي والأسبوع الثقافي، الذين تم ضربهم واعتقالهم وترحيلهم إلى طرابلس لمحاكمتهم.

ـ تم القبض على كتاب المطبوعتين، وأقيمت محكمة ثورية في قضية “التنظيم الشيوعي” المتهم فيها كتاب المطبوعتين، وكان أحمد ابراهيم هو المهندس والمنفذ لتلك الماساة التي حكم فيها بالمؤبد على اكثر المتهمين الذين قضوا عشر سنوات في السجن ظلما وبهتانا.

ـ بعد ما سمي بثورة الطلاب في 7 أبريل، أطلق القذافي شعار “الجامعة الطلابية” وأمر ان يتولى الطلاب أدارة الجامعات، وشعار “الجامعة يخدمها طلابها”، وملئت الكليات المختلفة بعناصر الأمن، وشنت حملات واسعة لتجنيد الطلاب في أجهزة الأمن، وشكلت تكوينات قبلية داخل كل كلية، وأمر بفتح كل الكليات لكل من يريد الدخول إليها، من دون ضوابط منهجية.

ـ وقع اختيار القذافي على أحمد إبراهيم ليتولى تنفيذ هذه الأفكار الثورية غير المسبوقة، وبعد الغارة الجوية الامريكية في عام 1986، أصدر أحمد، وكان وزير التعليم آنذاك، قرارا بإلغاء تدريس اللغتين الانجليزية والفرنسية في مراحل التعليم كلها في ليبيا.

ـ من الطرائف التي تدفع إلى الضحك قدر ما تدفع إلى البكاء، أن أحمد إبراهيم تولى بنفسه اختيار الطلاب الموفودين للدراسة في الخارج، فكان يستعرض اسماء الطلاب المتفوقين، المرشحين للدراسات العليا، فكان يقصي أسماء مثل: “صفوت” او “سمير” أو “هشام” أو “عادل” على أساس أنهم من عائلات غنية برجوازية، وكان يوافق على أسماء مثل “المبروك” “أبوعجيلة” “رحيل” “خير” على أساس أنهم من عائلات فقيرة.

ـ قاد أحمد إبراهيم حملة تطهير واسعة بين الأساتذة الليبيين والعرب الذين اعتبرهم رجعيين، حتى أنه طرد عددا من كبار الاساتذة العرب من بينهم عبدالرحمن بجوي استاذ الفلسفة المعروف، وهو الذي أوعز إلى محمد شرف الدين الذي كان وزايرا للأعلام الثوري، أوعز له بحرق الألآت الموسيقية الغربية بعد الغارة الجوية الأمريكية في عام 1986.

ـ قام القذافي بالرفع من مكانة أحمد إبراهيم وأقحمه في أمانة مؤتمر الشعب العام، وبالتحديد امين شؤون المؤتمرات الشعبية، وبقى في هذا المنصب لسنوات طويلة تحت رئاسة الزناتي محمد الزناتي، الذي كان لا يحترمه ويرفع صوته عليه أمام الجميع، وفي السنوات الأخيرة لنظام القذافي، كان أحمد يرافقه عندما يكون في الصحراء.

مواقف تكشف شخصية التافه أحمد أبراهيم

ـ غضب القذافي مرة على أبناء عمه القذاذفة في سرت فكلف بلقاسم القانقا بالتفتيش عنهم، وأخذ أسلحتهم والدخول إلى بيوتهم، ولما توجه القانقا إلى منزل أحمد إبراهيم الذي خضع صاغرا لأوامره، وعندما قام القانقا بتفكيك أبواب سيارة أحمد إبراهيم الصحراوية وجد جيوبها مملوءة بالدولارات الأمريكية.

ـ عندما ضبطت أخته مع عشيقها، أمر أحمد إبراهيم إخوته بقتل أختهما. ولكن عندما علم بعلاقته أخته الاخرى بالقذافي نفسه، صمت كالجماد، ولم يجرؤ على فعل اي شي. فالمفارقة أنه قتل بإسم الشرف في الحالة الأولى، وصمت بإسم الثورة في الحالة الثانية.

ـ يوم 23 أكتوبر 2011، دكّ شباب الثوار جحر القذافي الأخير في منطقة سرت 2، طلعوا عليه، وعلى الحفنة التي تدافع عنه، طلوع البركان، هوب معمر “الجرذ” المفزوع المهزوم، يجري مثل أرنت مجنون. داخل ماسورة مجاري، جذبه شاب صغير من شعره الحقيقي، لا باروكة لا مساحيق، إنه يوم الهول، يوم القصاص، بُهتَ المهزوم، سال دمه بيد ليبيا.

ـ كان أحمد إبراهيم ذلك اليوم يقبع مذعورا في جحر بسرت، أخذه ثوار مصراتة، تدلت لحيته البيضاء الطويلة على صدره، ظهر امام شاشات التلفزيون يتحدث عن لحظات القبض عليه، عندما بدأ الثوار التحقيق معه، نصحهم التافه بتأسيس مؤتمرات شعبية!!

لم يفق التعيس من كابون “السريالية القذافية”

المصدر: تم اقتباس هذه الفقرات (بتصرف من المحرر) من كتاب “أشخاص حول القذافي” للكاتب عبدالرحمن شلقم (دار الفرجاني ـ 2012)

_________________

مقالات

1 Commentاترك تعليق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *