إن المتابع لما يجري في العالم العربي في العقد الأخير تحديدا، يجد اهتماما عربيا كبيرا بالتجربة التركية عموما والمعاصرة خصوصا، ويجد الدراسات والأبحاث والمقالات قد تناولت الكثير من مجالات الإصلاح في تركيا، وتحدثت عن أوجه التشابه بينها وبين ضرورات النهضة العربية، ومجالات الاستفادة منها، وبالرغم مما في هذه الأبحاث من فوائد كثيرة، إلا أن معظمها صنف قبل ثورات الربيع العربي تاريخيا.
فهذه الثورات العربية المجيدة مرت في مسارها السياسي بمسار مشابه لما وقع في تركيا قبل وصول حزل العدالة والتنمية إلى السلطة السياسية عام 2002م، أي: أنها كتبت في مرحلة البحث النظري عند المفكرين العرب، وربما كان بعضها من باب الأمنيات أو الأحلام أو التوقعات، بينما مرحلة الربيع العربي نفسها تحتاج إلى الدراسات والعميقة التي تفهم التجربة النهضوية التركية في كافة مجالاتها، في أسسها الفكرية والثقافية والتربوية، وفي رؤيتها الفلسفية والاجتماعية، وفي قواعدها الاقتصادية والمالية، وفي أبنيتها الصناعية والتكنولوجية، وفي أنظمتها السياسية والدستورية، وغيرها.
فقد بلغ نجاح التجربة الاقتصادية التركية مكانة كبيرة، إذ بلغت تركيا المرتبة السادسة عشرة على مستوى النمو الاقتصادي على مستوى العالم وبلغ حجم الاستثمار الخارجي في تركيا العام الماضي 93 مليار دولار.
وقد حاول العالم العربي مرارا أن يقلد بعض التجارب النهضوية العالمية، وكان الإخفاق حليفه في الغالب، لافتقاده الرؤية المتكاملة للمشروع النهضوي، ولافتقاره إلى أخوة صادقين يشاركونه المعاناة والرغبة الصادقة بتحقيق نهضته دون طمع ولا خداع ولا غدر، ولا دوافع استعمارية ولا هيمنة امبريالية ولا عولمة مستعلية، ولا شركات عابرات للقارات متوحشة، وإنما بأخوة مؤكدة، ومصالح مشتركة، ومنافع متبادلة.