بعد «مظاهرات طرابلس» وتلويح المحتجين باللجوء إلى العصيان المدني، ومع اتساع رقعة الحراك الشعبي في العاصمة الليبية خلال الأيام الماضية للمطالبة بعزل حكومة «الوحدة» المؤقتة ورئيسها عبد الحميد الدبيبة، وقيام المحتجين بالتلويح باللجوء إلى العصيان المدني، أثيرت تساؤلات كثيرة حول مدى إمكانية التعويل على هذا الحراك، الذي خفتت حدته، في إحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي المعقد، ومدى قدرته على تحقيق مطالب الشعب الليبي، أو حتى إيصال صوته الرافض للواقع القائم.

بداية، يرى محمد معزب، رئيس لجنة الشؤون السياسية بالمجلس الأعلى للدولة، أن الشعب الليبي، وعلى الرغم من أنه «لا يميل بطبيعته إلى التظاهر، فإن الاحتجاجات الشعبية لعبت دوراً كبيراً في محطات عديدة من التاريخ الليبي الحديث»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن أحد أسباب اندلاع احتجاجات (ثورة 17 فبراير «شباط») 2011، هو اعتقال محامٍ كان يتولى الدفاع عن ضحايا (مجزرة سجن أبو سليم)، وهي الوقفات التي كانت تُنظم منذ عام 2009.

ووقعت مجزرة سجن أبو سليم عام 1996 في أحد سجون ضواحي طرابلس، حيث أطلقت قوات خاصة تابعة لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي النار على أكثر من 1200 من سجناء الرأي، بحجة تمردهم.

وتوقف معزب عند المظاهرات التي اندلعت ضد (المؤتمر الوطني العام)، وهو أول كيان تشريعي بعد الثورة، وكيف أدت هذه المظاهرات إلى إقرار قوانين مؤثرة، مثل قانون العزل السياسي، الذي صدر في مايو (أيار) 2013، والدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية لاحقاً.

وأوضح أن المظاهرات التي رفعت شعار «لا للتمديد» ضد (المؤتمر الوطني العام) أدت إلى تشكيل لجنة أُطلق عليها حينها اسم «لجنة فبراير»، وهي التي وضعت قانون الانتخابات البرلمانية التي جرت منتصف عام 2014، وكانت لها تداعيات مهمة على الأزمة السياسية.

واستناداً إلى تجربته الشخصية بوصفه عضواً سابقاً في (المؤتمر الوطني العام)، أكد معزب أن «جانباً كبيراً من المظاهرات التي شهدتها البلاد بين عامي 2013 ومنتصف 2014، والتي تجاوز عددها مئتي مظاهرة، كان يحمل طابعاً سياسياً ومسيساً».

ورغم إشادته بعودة الزخم للحراك الشعبي خلال الأسابيع الماضية، واعتباره مؤشراً إيجابياً بالمقارنة مع الوقفات الاحتجاجية المحدودة، التي نظمت في السنوات الأخيرة، فإن معزب لا يرى أن الحراك الحالي سيؤدي إلى تغيير سياسي فعلي في الوقت الراهن، مرجحاً حدوث تغيير فقط مع اقتراب نهاية العام.

وعلّل ذلك بأن عملية تشكيل الحكومات في ليبيا لا تعتمد فقط على القرار المحلي، بل تحتاج إلى توافقات إقليمية ودولية، متوقعاً أن يتم تشكيل حكومة جديدة، من خلال الآليات والمشاورات التي تقودها بعثة الأمم المتحدة مع مختلف الأطراف الليبية.

من جانبه، يرى الكاتب والباحث السياسي الليبي، عبد الحكيم فنوش، أن حكومة الدبيبة، وإن تمكنت من البقاء لبعض الوقت، فإن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن الحراك الشعبي قد انهزم، خاصة أنه تمكن من دفع عدد من وزراء الحكومة إلى تقديم استقالاتهم بشكل جماعي منتصف الشهر الحالي.

وفي تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط»، اعتبر فنوش أن الحراك الشعبي الجاري يمثل إحدى المحطات الفارقة في التاريخ الليبي، مؤكداً أن استمراره قد يؤدي إلى تخلي قادة الجماعات المسلحة الموالين للدبيبة عنه، وهو ما قد يدفع بدوره بعثة الأمم المتحدة إلى إعادة النظر في دعمها لحكومته.

وتذكّر فنوش المظاهرة، التي عُرفت باسم «جمعة إنقاذ بنغازي»، التي نُظمت في سبتمبر (أيلول) 2012، وشارك فيها نحو ثلاثين ألف مواطن من سكان مدينة بنغازي للتنديد بوجود جماعات مسلحة ومتطرفة في المدينة، وذلك بعد أيام من الهجوم على القنصلية الأميركية، ومقتل السفير كريستوفر ستيفنز.

وأشار فنوش إلى أن أهمية تلك المظاهرة حينذاك لم تقتصر على طرد جماعة «أنصار الشريعة» من أحد مقراتها، بل في المطالب المتصاعدة التي أعقبتها، والتي دعت إلى ضرورة عودة الجيش والشرطة، وهو ما مهّد الطريق لانطلاق «عملية الكرامة»، بقيادة المشير خليفة حفتر في مايو 2014، والتي خاضت معارك ضد الجماعات المتطرفة.

كما تطرق فنوش إلى الاحتجاجات الطلابية التي شهدتها جامعتا طرابلس وبنغازي في عهد القذافي، مشيراً إلى أن تداعياتها لم تقتصر على تنفيذ أحكام «الإعدام العلنية» بحق قيادات طلابية، بل أدت أيضاً إلى شلل شبه كامل في الحياة السياسية.

وأوضح فنوش أن النظام السابق عمد إلى قمع معارضيه بشكل واسع النطاق، داخل البلاد وخارجها، من خلال تأسيس ما عُرف باللجان الثورية في سنة 1978، والتي هدفت إلى القضاء على أي صوت معارض، في ظل غياب الأحزاب والنقابات، ما دفع بعض الجماعات المتطرفة إلى تبني سياسة الاغتيالات ضد رجال الأمن.

___________

مقالات