عبدالله الكبير

حدثان سيكون لهما تأثير بالغ في مسار الأزمة الليبية خاصة الحدث الأول، الذي أوقع صدمة كبيرة في مختلف الأوساط المحلية، وقوبل بغضب واستنكار و تنديد بعد نشر مشهد النائب المغيب منذ سنة إبراهيم الدرسي.

وكان يمكن للحدث الآخر الخاص بنقل مهاجرين مرفوضين في أمريكا إلى ليبيا، أن يحظى بنفس المستوى من الاهتمام، لولا أن توقيته كان متزامنا مع انشغال الرأي العام المحلي بفيديو الدرسي، وأيضا لمسارعة السلطات الحاكمة شرقا وغربا إلى النفي، و رفضهما قبول أي مهاجرين مبعدين من أمريكا.

في قضية الدرسي تجدد الحديث على اختطافه وتغييبه قسرا عقب حضوره لحفل عملية الكرامة، وعدم إعلان أي جهة عن مسؤوليتها على اختفائه.

الكل تقريبا يعرف أن العصابة الحاكمة في شرق البلاد بالحديد والإرهاب، هي من نفذت كل الجرائم المروعة التي وقعت خلال السنوات الماضية، ولن يكون آخرها خطف وتعذيب النائب إبراهيم الدرسي.

ولم يجرؤ أحد من النواب عن المجاهرة بتوجيه الاتهام لهذه العصابة المجرمة، إذ اكتفى الأكثر جرأة منهم باستنكار مشهد التعذيب، مطالبين الجهات الأمنية بتكثيف البحث عن النائب المغيب، ولكن هذه المطالب، إلى جانب دعوات جهات أخرى بضرورة الكشف عن مصيره لن يكون لها أي صدى لذا العصابة التي اختطفته، فقد سبق أن تم تغييب النائب السيدة سهام سرقيوةـ ومضت السنوات حتى يكاد اختفائها ينسى، بل لعل هذا النسيان يخفف الضغط عن بعض المسؤولين أخلاقيا عن اختفائها.

النواب يخشون من بطش عصابات حفتر، وفي نفس الوقت لا يريدون اتخاذ موقف وطني مشرف يحفظ لهم كرامتهم بالاستقالة من المجلس، لأن هذا الموقف سيفقدهم الامتيازات التي يتمتعون بها.

لقد فضلوا الصمت المقترن بالخيانة والتواطؤ من أجل الحصول على الفتات، لذلك لا يعول عليهم في تحرك حقيقي ضد حفتر وعصاباته.

 لا ينبغي أن يمر الحدث المروع والصادم كما مرت أحداث كثيرة، فإظهار الدرسي في هذا الوضع المهين يعد إهانة لكل الليبيين، وتجاوز العصابات الإجرامية الإرهابية بقيادة حفتر وأبنائه لكل الخطوط الحمراء واستخفافهم بحياة الناس وكرامتهم.

 نعم، كان الدرسي من المدافعين البارزين عن مشروع حفتر سياسيا و قانونيا و إعلاميا، ولم يشفع له هذا الدفاع عن المشروع الانقلابي الدموي، فعقب تصريحات خاصة ناقدة لسلوك الجهات الأمنية أثناء حفل نكبة الكرامة، تم اعتقاله ونقله إلى غرف التعذيب، ثم تصويره في زريبة حيوانات مكبلا بالأغلال، مستجديا المجرم حفتر الصغير إطلاق سراحه، في مشهد اعتقدنا أنه انتهى بنهاية القرون الوسطى أو ما عرفت بعصور الظلام، ولا أحد يعرف مصيره إلا العصابات التي أشرفت على هذه الجريمة.

ومع ذلك لا تصح الشماتة فيه، فرفض هذا الفعل الإجرامي لا يحتمل الانتقائية، لا قبول لهذه الجريمة حتى مع الخصوم الذين اصطفوا مع هذه العصابات، فالجزاء ينبغي أن يتم وفقا للإجراءات القانونية، من دون انتهاك للكرامة أو التعدي على الحقوق الأساسية للإنسان، إذا تمكن الليبيون يوما من محاسبة هذه العصابات ومن ناصرها وأيدها واصطف معها.

 رفض الجريمة المرتكبة في حق الدرسي، وتوجيه الاتهام دون مواربة إلى العصابة التي لم تتوقف عن إرهاب الليبيين، ورفض الشراكة السياسية معها، والدعوة للتصدي لها ليس توظيفا للواقعة لتحقيق مكاسب سياسية، بل هو موقف طبيعي لكل من لديه قناعة بكرامة بني آدم وبحقوق الإنسان، رافضا لأي انتهاك لهذه الكرامة والحقوق.

 لابد أن يصل الغالبية إلى قناعة راسخة تتنامى الآن في كل الأوساط. لا مستقبل لليبيا ولا أمل في تأسيس دولة قبل التخلص من حفتر وأبنائه وأجهزته القمعية، وبعد ذلك تدمير التربة الملعونة التي تسمح بظهور ونمو هذه العصابات، لكي لا يظهر حفتر آخر ولا نشاهد مواطنا يئن من السلاسل الحديدية و الأقفال في رقبته.

________________

مقالات