خالد علي إبراهيم

عمرو خليفة النامي؛ الدكتور العالم؛ باحث وأديب وشاعر؛ صاحب أفق واسع ومبادئ راسخة لا تلين؛ بنى لنفسه مجدًا تليدًا لا أظنّه ينهدم؛ تميّز بدقة عبارته؛ وجزالة لفظه؛ وحسن منهجه؛ وتنظيم موضوعه؛ فيه تلكم الصبغة الدينيّة التي لم يدخلها تطرف أو تعصب أو انحراف؛

تشبّع بدستور القرآن وقانونه؛ ونهل من معين السيرة المطهرة حتى فاض قلمه الدفّاق بمحاسن التركيب والترتيب؛ يتجلى ذلك بوضوح في قصيدته العصماء علوت فليس يدركك الثناءو ظاهرة النفاقالتي حلل فيها النصوص ونقد الشخوص وأبان الحقائق؛ لا سيما بعد أن اكتوى بنار الخيانة والغدر.

خير ما يُعجبني في النامي ثورته الهادئة؛ النابعة من عقيدة لا تزحزحها الأيام؛ صامدة كالجبال الراسيات؛ قد برهن على ذلك بقصائده التي دونت نقده صراحة للطغيان والاستبداد والنكوص لكل ما يهدم مبدأ الدين وينقض منهج الحرية والرأي؛

في قصيدة أماهوفي كلمات للثورةنماذج من ذلك؛ في خطابه قوة لا أظن لأي طغيان يصمد أمامه؛ إلا بنفي كاتبه أو تغييبه؛ وهذا ما حدث حقيقة للنامي؛ إذ لم تصمد أيادي الغدر لتلكم الكلمات؛ حتى أخذته للسجن ولا أثر له ليوم الناس هذا!

على قلة نتاج النامي البحثي والكتابي والعلمي؛ إلا أنّ بركته حاضرة بحضور وعيه وفكره؛ فقد أسهم في تحقيق المخطوطات التي يعجب القارئ من مدوناته كيف استطاع قراءتها وإيجادها وإحصاءها؛ أو على سعة قراءته ومتابعته؛ وعلى سبيل التمثيل لا الحصر من يطالع مقالته مهر الحضارة الغربيةيجد فيها منطق المنهج؛ وجزالة اللفظ؛ واستقامة المعنى؛ وروح الدين؛ واعتزاز بالهوية؛ وخير ما يُشاد به نقده لأفكار تداخلت على خواص المسلمين قبل عوامهم كالبحث عن اللهجات؛ وارتباط اللاتينية بالعربية؛

وقصة طه حسين تلك حكاية أخرى بيّن النامي عوارها وكشف لثامها؛ وخير فائدة حصدتُها حين قراءتي لهذه المقالة نصه الذي لم يغب عني الذي يقول فيه: ” وأنَا أُحِبُّ أنْ أُوصِيَ شبابَنا المُثَقَّفَ بقراءة جَميعِ كُتُبِه [مصطفى صادق الرافعي] ، ومُتابَعَةِ ذلك والاستمرارِعليه ؛ حتَّى يَأْلَفُوا بيانَ العربية الأصيل ، وتَسْتَسيغَ أذواقُهم أُسْلُوبَها الرَّفيعَ الذي جَلاَّهُ الرافِعِيُّ في سلاسَةٍ و قُوَّةٍ

إذ اهتماماته الفكرية لم تثنه عن متابعة مستجدات الساحة؛ ودراسته والسعي وراء تحصيله لم يعقه عن النقد والقراءة والنشر.

ونموذج آخر أجوبته على الصادق النيهومتحت عنوان رمز أم غمز في القرآن؟ينتقد فيه ما ذكره النيهوم عن رمزية القرآن؛ ويُبين مدى قصر قراءة النيهوم أمام النظريات النقدية والمناهج الحديثة التي يستعجلها قبل تخمرها في ذهنه وخياله؛ مشيرًا إلى مصادر ومراجع انتقدت ذلك.

ختامًا أشيد بحرقة النامي واعتزازه بمذهبه الإباضي؛ الذي يعد خير من نافح عنه ودافع بدراسته الجادة: “دراسات عن الإباضيةالتي بيّنت روح العقيدة الصافية التي تشربها النامي؛ وذلك المنهج التربوي الذي اتسم به عن كثيرين وبشهادة كثيرين؛ وقد أوضح ذلك غير واحد من زملائه وأقرانه من شتى بقاع العالم.

رحم الله النامي حيّا ميتًا؛ وجزاه عن الإسلام خير ما جزى عالم عن قومه؛ فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في سبيله؛ جعلنا الله على نهجهه سائرين؛ وبه مقتدين فقد كلّف من بعده ثقل الأحمال وعظم المسؤولية؛

فلله الأمر من قبل ومن بعد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

***

مقتطفات من كتابات الدكتور عمرو خليفة النامي

وما نعلم ضرراً أصاب الأمة الإسلامية أشد مما جاءها من قبل هذا الصنف الثالث صنف المنافقين ومرضى القلوب المدخولين في عقيدتهم.”

***

ليعلم العالم كله أنّ كل حفنة من تراب في أرض الإسلام تشبّعتْ منذ ارتفع في الأفق نداء لا إله إلا الله محمد رسول الله بدماء الشهداءجنبًا إلى جنب مع مداد العلماء، وأنّ الأمة التي أضاءت المشعل أمام الإنسانيّة في الماضي تستعدُّ للقيام بذلك الدور من جديد

***

الذي قاد المنافقين إلى التخاذل والفرار في مواقف الجهاد والتضحية هو سوء ظنهم بالله تعالى ، وقياسهم الأمور بمقايس البشر ، وفي مجال التصورات الجاهلية التي لا تؤمن بالله ، ولا تحسب حساباً لنصرته وقدرته

***

والسجن أهون من تقبيل أحذيةٍ

تُردي الأنوف بريحٍ منتن عفن

والسجن أطهر من أرض يدنسها

نير الطُغاة بأثقالٍ من الدرن

_____________

المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات