يوسف لطفي
رابعا: حقبة ما وصف بـ “الإصلاحات” على يد سيف القذافي
صاحب تغيرات السياسة الخارجية للنظام ظهور دور نجل القذافي سيف في المشهد السياسي، وبروز بصمته بوضوح على سياسات النظام الداخلية، والتي تمثلت في :
-
إنشاء صحيفتين ناقدتين لأوضاع البلاد والترخيص للكتّاب أن يعملوا فيهما.
-
التصالح مع «الإخوان المسلمين» والإفراج عنهم من المعتقلات.
-
الإفراج عن عدد من سجناء الجماعة الإسلامية المقاتلة واستصدار مراجعات فقهية من قيادات الجماعة.
-
تعويض المواطنين المصادرة أملاكهم وأرزاقهم بقرار من القذافي في 1978.
-
تعويض المعتقلين الذين اعتقلوا في السجن لسنوات دون إدانة.
-
تعويض أهالي قتلى مجزرة أبوسليم.
-
تعويض أهالي الأطفال المحقونين بدماء ملوثة بفيروس الإيدز.
-
فتح المجال للتظاهر والمطالبة بالحقوق.
-
فتح الباب للمعارضة في الخارج للعودة وإدماجها في مشروع ليبيا الغد.
تمكن النظام بهذه الأساليب وغيرها من تحييد شريحة واسعة من المعارضة، ومن التخفيف من حالة الاحتقان الشعبي التي لم تلبث حتى تفجرت في 17 فبراير 2006 في شكل مظاهرات عنيفة بمدينة بنغازي استمرت عدة أيام راح ضحيتها 11 قتيلا ومئات الجرحى.
وقد عمل النظام إثرها على احتواء المتظاهرين بتعويض أهالي القتلى ومعالجة بعض الجرحى في الخارج، فعزل أمين الأمن العام “نصر مبروك” ووزير الداخلية العميد “صالح رجب المسماري” وفتح تحقيق معهما.
هذه الخطوات (احتواء الغضب الشعبي عبر محاسبة المسؤولين، التعويض المادي، التغاضي عن الهتافات المطالبة بإسقاط القذافي –وهو ما كان يُعد سابقا جريمة تصل عقوبتها للتصفية أو المؤبد-)،عُدت تعبيرا عن التغير الذي طرأ على سياسات نظام القذافي في التعامل مع حالات الاحتجاج مع بداية الألفية الجديدة وبروز نجله سيف في المشهد السياسي وظهور بصمته على سياسات النظام.
خامسا: الثورة الليبية والأيام الأولى
لم تنجح “إصلاحات” النظام في معالجة المشاكل الجذرية التي خلفتها تراكمات أربعة عقود من المظالم والفساد والفوضى، وبدأت إرهاصات الثورة الليبية منذ أواخر شهر يناير حيث ظهرت نداءات على مواقع التواصل تدعو للنزول للشارع والتظاهر.
وسرعان ما توجت بمظاهرات سلمية شارك فيها عدد من الحقوقيين والمحامين يوم 14فبراير 2011 إلا أنها تطورت لمواجهة غير متكافئة بين المتظاهرين وكتائب القذافي الأمنية بعد قيام الأخيرة باعتقال وضرب عدد من النشطاء والمحامين الموكلين بقضية مذبحة أبوسليم.
وبالرغم من بدء الاحتجاجات يوم 14 وسقوط أول أعداد من القتلى يوم 15 إلا أن الحملات الإلكترونية الداعية للانتفاضة والثورة كانت قد حددت تاريخ 17 فبراير يوما للثورة للإشارة إلى ذكرى آخر مواجهة عنيفة خاضها أهل بنغازي مع قوات الأمن في 17 فبراير2006، حيث شكلت رمزية تلك الأحداث التي ظلت عالقة في ذاكرة الشارع الليبي نقطة انطلاق وتجمع للحشد للثورة.
ارتكبت كتائب القذافي مجزرة بشعة أمام أسوار كتيبة الفضيل بوعمر – أهم وأكبر معاقل النظام الأمنية في بنغازي– حيث استهدفت المتظاهرين برشاشات مضادة للطيران من عيار 12.5 و14.5 و23 مم.
كما أنها استهدفت الجنائز والمتظاهرين في مناطق أخرى بالرصاص الحي مما تسبب في سقوط أكثر من 150 قتيلا خلال الأيام الأولى من الثورة. وتطورت الأحداث وتركزت تجمعات المتظاهرين أمام مقر الكتيبة، وتمكن الثوار من اقتحام مكتب عبد الفتاح يونس –وزير الداخلية وآمر قوات الصاعقة– وطالبوه بإعلان انشقاقه مما سبب حالة ربكة للقوى الأمنية والعسكرية في بنغازي.
وتمكن الثوار بالتوازي مع ذلك من اقتحام معسكر الكتيبة يوم 20 فبراير2011 مما كان بمثابة إعلان تحرير المنطقة الشرقية.
شكَّل سقوط الكتيبة يوم 20 فبراير علامة فارقة في مسيرة الثورة، فخرج عبد الفتاح يونس في اليوم التالي ليعلن انشقاقه عن النظام مما دفع مسؤولين آخرين على امتداد مراحل الثورة الأولى للانشقاق كعبد الرحمن شلقم –مندوب ليبيا في الأمم المتحدة– وعبد الرحمن العبار –النائب العام– وسليمان محمود آمر المنطقة العسكرية بطبرق وغيرهم من المسؤولين داخل البلاد وخارجها.
كما أعلنت قوات الصاعقة عن انحيازها لمطالب الشارع وسعت لإخلاء معسكر كتيبة الفضيل أبوعمر ومسؤولي النظام بداخله دون اقتتال، ونجحت في إخراجهم من المدينة عبر المطار.
وفي ظل انهيار منظومة القذافي في الشرق بين هارب ومنشق تحولت دشم ومخازن التسليح الضخمة بداخل الكتائب والمعسكرات لمصادر تسليح للثوار وهو ما شكل بداية المرحلة الثانية من الثورة.
تزامنا مع الانتفاضة في الشرق الليبي تحركت مدن المنطقة الغربية كمصراتة والزاوية والزنتان ومدن الجبل الغربي وطرابلس منذ الأيام الاولى، إلا أن قبضة النظام في الغرب كانت أقوى، ونجح في إخماد الاحتجاجات في معظم هذه المدن خلال الأيام الأولى، واستمرت معارك الكر والفر حتى سقطت أغلب هذه المدن بالحصار والقصف تباعا مما ألقى بعبء المعركة الأكبر على مدينة مصراتة التي لم تشهد المواجهات فيها انقطاعا منذ بداية الأحداث.
سادسا: المواجهة العسكرية والتدخل الدولي
انتقلت الثورة للمرحلة الثانية وحمل ثوار الشرق السلاح، وبدأوا بالحشد والتجهيز في معسكرات النظام للانطلاق نحو أجدابيا والبريقة وراس لانوف (مدن الهلال النفطي).
ونجحوا في تحرير هذه المدن لكنهم سرعان ما وقعوا ضحية كمائن عسكرية فأُسر وقُتل عدد كبير منهم وتراجعوا لبنغازي.
واستمرت معارك الكر والفر حتى 16مارس 2011 حيث شنت قوات النظام هجوما عنيفا على عدة جبهات شرقا وغربا، واستمر الهجوم لعدة أيام استعاد فيها النظام السيطرة على عدة مدن مثل أجدابيا والبريقة شرقا ونالوت وككلة غربا، لكن عجز النظام عن السيطرة على مدن كمصراتة والزنتان.
…
يتبع
_______________