يوسف لطفي

ثانيا: الاحتجاجات الشعبية ضد القذافي

بدأت الاحتجاجات على سياسات القذافي ونظرياته منذ السنوات الأولى، واتخذت أشكالا متعددة على مراحل. فاتسمت الاحتجاجات الشعبية واحتجاجات المعارضة بالسلمية حتى 1980، واقتصرت مظاهر العنف في فترة السبعينات على ممارسات النظام مع المعارضين بأطيافه، حيث قام القذافي منذ السنة الأولى بمحاربة الحركة الطلابية وشن حملة على الإسلاميين بأطيافهم بدأها بتسليم عناصر من جماعة الإخوان لنظام عبد الناصر بعد انقلابه مباشرة وبلغت ذروتها إثر إعلان “الثورة” الثقافية في 1973.

فلم يستثنِ من هذه الحملة أي طيف من أطياف المعارضة فاعتقل قادة الحركة الطلابية وأساتذة الجامعات وأعضاء الجماعات والتجمعات الإسلامية، كما تم القبض على أغلب الشخصيات المستقلة المحسوبة على التيار الإسلامي، وبهذا تمددت حالة القمع تدريجيًّا لتشمل شريحة كبيرة من المجتمع.

وفي ظل هذا المناخ بدأت حقبة جديدة من المواجهة مع النظام تصدرها الإسلاميون أفرادا وجماعات.

تخلل الاحتجاج السلمي للمعارضة احتجاجات “عنيفة” من داخل النظام تمثلت في محاولات انقلاب فاشلة على القذافي بدأت بمحاولة وزير الدفاع المقدم آدم الحواز ووزير الداخلية موسى اللحاسي في 1969 والتي أعدم القذافي على إثرها عشرات الضباط.

ثم تلتها محاولة انقلاب فاشلة أخرى خطط لها عبد الله عابد السنوسي ابن عم الملك السابق في 1970 واعتُقِل على إثرها المئات من أبناء عمومته في سبها، كما فشلت محاولة أعضاء مجلس قيادة الثورة بقيادة عمر محيشي في 1975 –الذي ذُبح حرفيابعد تسليمه من قبل دولة المغرب مقابل 200 مليون دولار ومليون برميل نفط ومليون طن قمح –حسب شهادة عضو مجلس قيادة الثورة عبد المنعم الهوني الهوني وشهادة عبد الرحمن شلقم مندوب ليبيا في الأمم المتحدة.

كما فشلت محاولة رئيس الأركان السابق الأطيوش في 1980، تبعها فشل انقلاب إدريس الشهيبي مسؤول أمن القذافي في طبرق في 1980. ويقدر عدد محاولات الانقلاب على القذافي من داخل النظام ست محاولات آخرها محاولة تمرد مجهولة التفاصيلفي مصراتة خلال عام 1994 .

كانت هذه المحاولات مؤشرا على احتجاج مبكر لمعظم العسكريين المشاركين في انقلاب 1969 على استفراد القذافي بالسلطة ونظرياته الشاذة وممارساته القمعية التي بدأت منذ السنة الأولى بعد الانقلاب بتوجيهات من عبد الناصر وهيكل –حسب شهادة اثنين من رفاقه عبد المنعم الهوني وعوض حمزة إلا أنها محاولات انقلاب لم تحظَ بزخم شعبي ربما لكونها من داخل النظام أو لطبيعة العمل الأمني.

وبحلول بداية الثمانينات تحولت معظم المعارضة بأطيافها إلى العمل العسكري والأمني باستثناء بعض الحركات غير الفعالة وجماعة الإخوان المسلمين التي آثرت الاستمرار في نهج المعارضة السلمي وتكثيف النشاط الدعوي السري والأعمال الخيرية .

ومن أبرز كيانات المعارضة آنذاك “الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا” وهي حركة المعارضة الأكبر والوحيدة التي حظيَت برعاية دولية وإقليمية حيث رعتها وساعدتها دول إقليمية وعربية مثل السودان وتشاد والمغرب والجزائر والعراق كما أنها حظيت بدعم وتشجيع دولي من الولايات المتحدة وبريطانيا وكان لها عمليتان استهدفتا اغتيال القذافي : عملية باب العزيزية 1984 وعملية 1993 التي شارك فيها عسكريون من النظام جرى إعدامهم – وباءت المحاولتان بالفشل بسبب وشايات وتسرب معلومات.

أما النصيب الأكبر من المواجهة مع النظام ومحاولات اغتيال القذافي كان من نصيب الإسلاميين، حيث شهدت فترة الثمانينات والتسعينات عدة محاولات لاغتيال القذافي وعمليات استهدفت رؤوس النظام ومراكزه الأمنية.

وكان للجماعة الإسلامية المقاتلة الحظ الأوفر منها حيث نفذت عمليات بارزة في أعوام 1986 و1987 و 1989 تعرضت على إثرها لحملات قتل واعتقال واسعة ففي عام 1989 شهدت البلاد أكبر حملة اعتقالات في تاريخها قبض فيها النظام على أكثر من خمسة آلاف من الإسلاميين.

عادت الجماعة للمشهد من جديد بعد ست سنوات بعملية استهدفت اغتيال القذافي في سرت 1995 وأخرى استهدفته في براك الشاطئ في عام 1996 وأخرى استهدفته في الجبل الأخضر في عام 1998.

فبلغت محاولات اغتيال القذافي على يد الجماعة ثلاث محاولات ،كما كانت هناك عمليات أخرى على يد كتائب الشهداء وأفراد من الإسلاميين لا ينتسبون لجماعات معينة كعملية اغتيال أحمد مصباح الورفلي الذي كان يعتبر ذراع النظام اليمنىفي بنغازي 1986 .

و يمكن القول إن الإسلاميين وعلى رأسهم “الجماعة الإسلامية المقاتلة” حققوا أطول وأخطر تصادم مسلح مع النظام حيث استمرت عملياتهم طوال فترة الثمانينات والتسعينات على امتداد ليبيا، وأظهرت فيها هذه المجموعات القدرة على الاستمرار والانبعاث بعد تلقي ضربات موجعة من النظام تمثلت في حملات الاعتقال الواسعة – التي طالت حتى الأهالي وعمليات الحصار التي استخدم فيها النظام الطائرات والمدرعات والأسلحة الثقيلة والغاز السام كما في حصار درنة 1996 وعمليات الإبادة الجماعية كما حدث في مجزرة أبوسليم (..1996)

ثالثا: العلاقات الخارجية في حقبة القذافي

على صعيد الشأن الخارجي اتسمت علاقة القذافي بالدول المحيطة وغير المحيطة بالعدائية والتذبذب. ولم تكن لليبيا علاقات مستقرة مع أي دولة سوى إيران.

فقد قطع القذافي العلاقات مع أكثر من 35 دولة، وفشلت كل تجارب الوحدة العربية التي أطلقها في صيغها الرباعية والثلاثية والثنائية مع مصر والسودان وسوريا وتونس والمغرب مما أدى لتوتر العلاقات وقطعها مع هذه الدول بل…

وصل الأمر لخوض نزاعات مفتوحة مع بعضها، فقد دعم محاولات الانقلاب على النميري ودعم جون قرنق والجيش الشعبي لتحرير السودان ثم لعب دورا مزدوجا في أزمة دارفور تارة بدعم الأطراف المناوئة لنظام البشير وتارة بالتوسط لإحلال السلام، وتورط في الحرب الليبيةالتشادية، ودعم الحركات الانفصالية في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية لزعزعة نظم الحكم، ودخل في نزاع مع نظام صدام حسين فزود الإيرانيين بصواريخ بعيدة المدى خلال حربهم ضده، ولعب دورا في الحرب الأهلية اللبنانية.

كما تورط القذافي في محاولات اغتيال فاشلة منها محاولة اغتيال الملك السعودي السابق عبدالله بن عبدالعزيز، وملك المغرب الحسن الثاني، ومحاولات لإسقاط رئيس الوزراء التونسي الأسبق الهادي نويرة.

ولم تقتصر مغامرات القذافي على مناوئة نظم الحكم والرؤساء بل تجاوزتها لتنفيذ تفجيرات وعمليات اغتيال استهدفت المدنيين، فقام بتفجير مقهى في برلين عام 1986 وتفجير طائرة بانام 103 في حادثة اللوكربي الشهيرة في عام 1988، وتفجير طائرة فرنسية في أجواء النيجر عام 1980 كما كانت له يد في حادثة خطف وزراء النفط في فيينا 1975.

استمر نظام القذافي في عزلته الخارجية حتى نهاية التسعينات عندما بدأ بالسعي لتحسين العلاقات مع الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا عبر تسويات مالية وتنازلات سياسية في ملفات كثيرة أهمها ملف النفط والسلاح.

فوافق على دفع تعويضات ضحايا حادثة لوكيربي، وسلم المتهمين بارتكاب الحادثة للمحاكمة الدولية كما دفع تعويضات عن تفجير الطائرة الفرنسية وتفجير المقهى في برلين وقتل شرطية بريطانية وسعى للتعاون مع الولايات المتحدة في ملف محاربة الإرهاب، وفتح البلاد للشركات الغربية، وفكك برنامجه النووي، وسلم الأسلحة الكيماوية، ووجه صفقات التسليح نحو الغرب.

كما عزز من التعاون المخابراتي مع بريطانيا، ودعم ساركوزي وبيرلسكوني في حملاتهما الانتخابية، وهو ما مثل تحولا جذريا في موقف النظام المعلن من هذه القضايا.

يتبع

_______________

مقالات