د. أبوبكر محمد البدري
تفاصيل مقابلة صحفية مع الملك ادريس يوم 5 سبتمبر 1969 تنشر لأول مرة بالعربية.
في ذكرى نكبة ليبيا الكبرى 1 سبتمبر 1969 اقدم لكم هذا المقال الذي بحثت فيه منذ عدة اسابيع في ارشيفات الصحف البريطانية.
أربعة افتراءات من أكبر أكاذيب شرذمة انقلابي سبتمبر وهي:
أولا: أن القواعد الأجنبية كانت لحماية الملك والنظام الملكي
ثانيا: أن الملك أستنجد ببريطانيا للتدخل العسكري لإعادته الى العرش
ثالثا: أن الملك كان متشبثاً بالحكم و هدد بالعودة الى ليبيا بعد الإنقلاب
رابعا: أن الملك كان ثرياً جداً
***
الكذبة الأولى فنّدها صعاليك سبتمبر انفسهم عند ظهور الشائعات ان الملك طلب من بريطانيا التدخل العسكري لإعادته الى الحكم. فكان رد انقلابي سبتمبر في الإعلام على زيارة عمر الشلحي لبريطانيا “ان اتفاقية القواعد والدفاع المشترك تتعلق بأي اعتداء خارجي. وان ما حدث في ليبيا أمر داخلي“.
امّا تفْنيد الأكاذيب الثلاثة الآخرى يظهر في هذا اللقاء الصحفي النادر للصحفي جون إليسون مراسل صحيفة دايلي إكسبرس البريطانية الذي التقى الملك ادريس يوم الجمعة ٥ سبتمبر 1969.
يفتتح الصحفي جون إليسون مقاله تحت عنوان “الملك الزاهد” بقوله:
إنها قصة رجل مسن (79 )…متعب ومريض ومُتديّن بوضوح ، والذي بعد سنوات من محاولة إقناع حكومته بالسماح له بالتقاعد ، يبدو على استعداد لقبول مصيره وربما يرحب به بشكل خاص.
يقول الصحفي قابلته في حجرته رقم 302 في الطابق الثالث من فندق قاليني المطل على بحر ايجا–وهو فندق صغير يوفر فوارات ساخنة لعلاج الروماتيزم الذي أرهق الملك لسنوات طويلة.
يقول الصحفي تحدث الي الملك بالعربية وكان من وقت الى أخر يسند ظهره، حيث طلب مني معاونه عدم ارهاقه.
المختار:
استهل الملك قوله بالتوضيح للصحفي انه لا يعلم ما يجري في ليبيا الا عن طريق الراديو لذلك لن يستطيع ان يحدثه الا عن نفسه.
في ذلك قال له الملك ادريس: “انا رجل اصبح ملك ليبيا ليس بالقوة ولا بالوراثة. لقد اختارني الناس وطلبوا مني أن اصبح ملكهم. لم يكن وضعًا استمتعت به أبدًا“.
فيقول “لقد سئمت من كوني ملكًا طوال حياتي. تحملت ذلك من اجل مشاعري تجاه ليبيا والشعب الليبي“.
ثم يشرح الملك معاناته لسنوات طويلة من مرضه المزمن وكيف كان يتوق دائما للتنحي عن منصبه. فيقول الملك ادريس: “في عام 1963 اخبرت رؤساء المجلسين التشريعيين (النواب والشيوخ) أنني لم أعد راغباً في البقاء كملك“.
التنازل عن العرش:
“لقد أصبحت مسنًا وأردت أن ارتاح“…. ثم يعقب الملك موضحا انهم ظنوا انه غير جاد في قوله و الحّوا عليه بالبقاء.
يستطرد الملك بالقول: “و في الرابع من اغسطس (1969) ومن هذا الفندق لقد أبْرَقْتُ الى رئيسي المجلسين و أخبرتهم أنني عقدت العزم على التنازل عن العرش وأخبرتهم انني سأُقَدّم لهم بيانا رسميا بذلك وأنني سأترك العرش للأمير الحسن ابن أخي”
“ولكن كان ردهم بأن اتروّى حتى العودة الى الوطن وفي شهر نوفمبر يمكننا مناقشة الأمر بالكامل هنا“.
يقول الصحفي “ان الإنقلاب العسكري حدث خلال اسبوعين من تبادل هذه المراسلات البرقية..” ثم يعقب الصحفي بالقول: “إن ما يغضبه (يقصد الملك) الآن هو ما صدر من بيانات من بعض مستشاريه مدّعين أنها نيابة عنه. وأشتد غضبه خاصةً من المزاعم بأنه ينوي العودة الى طرابلس قريباً“.
في ذلك الأمر يقول الملك ادريس: ”ما أريد أن يعرفه الجميع انه إذا كان لدي أي قول، سأقوله بنفسي“.
يقول الصحفي ان أكثر ما يشغله في هذه اللحظة هو سلامة الأميرة ابنته بالتبنّي والتي في طرابلس الآن ولا يعرف أخبارها.
ثم يقول سألته عن صحة الشائعات بأنه ثري جدا، فأظهر ابتسامة صغيرة خلف لحيته البيضاء المجعّدة وقال: “لم أرغب يوماً أن اكون ثريًا… طوال حياتي كنت استلم مرتبا من الدولة .. ولا شيء آخر“
المرتب:
يقول الصحفي ان معاون الملك عقّب موضحاً بالإضافة الى المرتب الشهري تقوم الدولة بتغطية الرحلة البحرية للعلاج و ركب السيارات ومصاريف الحاشية المرافقة والذين كان عددهم 40 فرد.
ثم يستطرق الملك بالقول، “لو رَغِبَتْ الحكومة الجديدة هي الأخرى في إعطائي مرتب …كان بها“. ثم تبسّم الملك و اردف قائلا: “ولكن يبقى لي الله دائماً“.
من الواضح ان الصحفي الذي التقى الملك لأول مرة لاحظ وقاره و اخلاصه واحترم شيخوخته. الأمر الذي غاب على شرذمة انقلابي سبتمبر.
و من الواضح ايضاً ان الملك ادريس لم يتهجم على الانقلابيين العسكر ولم ينعتهم اثناء المقابلة ولا بعدها حتى مماته. بينما شرذمة سبتمبر و صعلوكهم الأكبر لم يتركوا مناسبة الاّ وكالوه التهم الباطلة والسبّ وغاب عنهم احترام شيخوخته و تاريخه الجهادي و تفانيه في بناء الوطن.
اتهموه بالثراء و لم يجدوا في قصره البسيط في طبرق الا بضع الجنيهات الليبية. اتهموه باطلا بالعمالة وهو من كان قائد الجهاد ونائبه العام الشيخ عمر المختار و احد مستشاريه المجاهد الكبير عبدالحميد العبار رفيق الشيخ المختار.
ولكن كما اصْدق السيد ادريس القول: كان له الله دائماً.
يرحم الله الملك الصالح ادريس السنوسي.
ويحفظ الله الوطن الذي بناه لنا.
***
ملاحظات هامة:
أولا:- هذا المقال كتبته وفاءاً لوعد قطعته على نفسي ان افي الأستاذ يوسف عبدالهادي بنص المقابلة و ان ابعث له بنسخة أصلية من الصحيفة.
ثانيا:- الرجاء عدم “القص و اللصق” للمقال و الإلتزام بالمشاركة فقط بإستعمال خاصية الرابط /المشاركة المتاحة بالفيسبوك حتى يتسنى التصحيح و التعديل و الإضافة للمقال. هذه البحوث تستغرق وقت طويل في البحث عنها و شراء مراجعها و تقديمها للقراء و المهتمين. فالرجاء احترام ذلك الجهد وتفضلوا مع فائق الإحترام.
ثالثا:- على غلاف الصحيفة كتب المحرر تحت عنوان “طغمة عسكر تستولى على ليبيا” يقول ان قائد الإنقلاب العقيد سعدالدين بوشويرب و ان راديو بنغازي اعلن ان ما حدث هو أمر داخلي صرف و ليس موجها ضد اي دولة اجنبية“. ثم يذكرنا كيف قضى الملك ادريس 22 عام في المنفى.
رابعا:- بينما كتبت صحيفة “ايفننق اكسبرس” مقال يوم ٤ سبتمبر تحت عنوان “بنغازي تملؤها الدبابات” يقول ان وكالة اخبار الشرق الأوسط المصرية وزعت منشور اعلامي بأن العقيد بوشويرب ليس قائد الحركة و انما هو رئيس أركان الجيش وأن قائد الحركة (الإنقلاب) يرغب أن يبقى غير معروف للإعلام” .
خامسا:- نقلاً عن الأستاذ الفاضل سليمان امنينة انه سمع بنفسه من السيد طاهر القرهماللي –سفير ليبيا في اثينا وقت انقلاب سبتمبر انه سحب سبعين ألف دولار كانت مخصصة لتكاليف رحلة الملك العلاجية و أتي بها الى السيد أدريس بعد الإنقلاب مباشرة.
ولكن الملك أدريس رفض اخذها وقال للسيد القرهماللي “هذه اموال الحكومة الليبية وانا الآن اصبحت خارجها و ستسأل عليها انت“.
فرد السفير القرهماللي “ولكن يا سيدي انت ما عندك شئ تمشّي به أمورك“. فرد السيد ادريس ” انا لي الله … ولا أريد من فلوس ليبيا شئ“.
_________________