فاضل المسعودى
كنّا فى القاهرة ، الى جانب (اللجنة الطرابلسية) التي يتزعمها الشيخ الطاهر الزاوي والمؤسسة منذ البدايات ، فى القاهرة ، والتي تتخذ نفس المواقف الوطنية في تلك المرحلة ، كنا نُمثل ” المصدر” المهم للأخبار وما يجري داخل ليبيا من وقائع ، بالنسبة للرأي العام المصري المحدود الاهتمام ، والأحزاب والصحف المصرية.
وقد كنّا نرتبط بعلاقات واسعة وقوية مع معظم المنظمات والأحزاب المصرية المهتمّة بالقضايا العربية وقضية ليبيا على وجه الخصوص. وكان المستشار فى كل ما نقوم به من نشاطات هو الأستاذ محمد توفيق المبروك الذي كان يكتب بصورة منتظمة عن ليبيا فى بعض الصحف المصرية منها صحيفة ( منبرالشرق ) التي يصدرها الشيخ على الغاياتي الذي قرّض الزعيم المصري الكبير محمد فريد ، ديوانه الشعري الذي خصصه فى الهجوم على الاحتلال البريطاني، فقدّم الانجليز محمد فريد بسبب تقريض الديوان للمحاكمة وأُدين !!
وكان المبروك ، يحتفظ بعلاقات واسعة من الصداقة مع بعض قادة الأحزاب المصرية والشخصيات الكبيرة ، من أمثال الدكتور محمد صلاح الدين وزير خارجية حزب الوفد الأسبق، والشيخ أحمد حسن الباقوري والأستاذ صالح بورقيّق وهما من أقطاب الاخوان المسلمين وأحمد حسين زعيم الحزب الاشتراكي المصري ورئيس تحرير جريدة ( مصر الفتاة ) وصالح حرب رئيس منظمة الشبان المسلمين وشخصيات من الشبان المسيحيين وأبوالخير نجيب صاحب جريدة ( الجمهورالمصري ) ذائعة الصيت ، وأصحاب جريدة ( المصري ) محمود وأحمد أبو الفتح.
إلا أن الأستاذ محمد توفيق المبروك تمكّن فى بداية سنة 1952 وبعد تشكيل أول حكومة اتحادية ليبية برئاسة السيد محمود المنتصر ومباحثاته فى القاهرة مع كل من السادة ابراهيم بن شعبان و على الجربي ، من العودة الى بلاده ، ولكننا نحن الشباب ، بقينا على ولائنا للكتلة الوطنية التي تناضل دون هوادة من أجل التصدّي لمؤامرات الانجليز، والحرص على تنفيذ ” جوهر” القرار الأممي الخاص باستقلال ليبيا الكامل وعدم الانحراف به عن المبادىء بالنسبة للوطن وإحباط محاولات الادارة البريطانية في طرابلس والفرنسية فى فزان والحيلولة دون تمكين عملائها وموظفيها السابقين من الاستيلاء على المناصب الحساسة والهامة فى السلطة الوطنية التي ستقوم عليها دولة الاستقلال وعدم تمكينهم من إفساد القرار وتشويه محتواه.
والواقع ، فقد كان ” قرارالأمم المتحدة ” الذي صدر فى الواحد والعشرين من نوفمبر سنة 1949، بعد مشوار مُضنٍ من نضال الشعب والأحزاب الوطنية فى برقة وطرابلس ، بدءاً من الحزب الوطني الذي أسسه الشاعرالأستاذ احمد الفقيه حسن ، ثم حزب الكتلة الوطنية الحرة الذي أسسها على الفقيه حسن ، فالجبهة الوطنية التي أسسها المرحوم سالم المنتصر ، فحزب الاستقلال فالأحزاب الصغيرة (العمال وحزب الأحرار والاتحاد المصري الطرابلسي) ، فجمعية عمر المختار فى برقة ، وجهود الأمير محمد ادريس الذي أصبح فى النهاية ملكاً على ليبيا ..
والواقع ، أن هذا القرار قد جاء محققًا للمطالب الوطنية ومستجيبًا لطموحات هذه الأحزاب فى تحقيق وحدة البلاد بأقاليمها الثلاث: طرابلس وبرقة وفزان ، وأقّرّ باستقلالها الكامل ، وبحق شعبها فى اختيار شكل الحكم الذي يرتضيه ، إذ نصّ القرار: على أن تصبح ليبيا بأقاليمها الثلاث طرابلس وبرقة وفزان دولة مستقلة ذات سيادة ، فى موعدٍ لا يتجاوز أول يناير 1952، على أن يُوضع للدولة الجديدة فى أثناء ذلك ” دستور ” تقرّره جمعية وطنية ، تضم ممثلين عن الأقاليم الثلاثة المكوّنة للبلاد ، على أساس الإنتخاب الحرّ المُباشر، حسب النسبة العددية للسكان فى الولايات الثلاث.
ونص القرار الأممي على تعيين ( مُفوضٍ خاص ) من طرف الأمم المتحدة للمساعدة على التنفيذ وصياغة الدستور وإنشاء حكومةٍ ليبيةٍ مستقلةٍ ، على أن يُساعده في ذلك ويُقدّم له النّصح والمشورة ( مجلس دولي ) يتألف من عشرة أعضاء يمثلون كلاً من مصر وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وباكستان ، ومندوبين عن الأقاليم الليبية الثلاثة ، وممثلٍ عن الأقليات فى ليبيا.
وتشكل المجلسُ الاستشاري ، مجلس العشرة ، بالفعل ، وأقرّ هذا المجلسُ (خطةً ) تَقدّم بها المستر ادريان بلت ، لتنفيذ قرار الأمم المتحدة ، وتضمنت الخطة ما يلي:
1– تشكيل المجالس المحلية فى برقة وطرابلس وفزان « بالاختيار « !
2– اختيار اللجنة التحضيرية أو ما عُرفت ” بلجنة الواحد والعشرين ” التى ستقوم باتخاذ الترتيبات الضرورية لايجاد “جمعية وطنية تأسيسية” تتولى وضع دستور للبلاد.
إلا أن تشكيل“اللجنة التحضيرية” للجنة الواحد والعشرين ، التي تُمثل الأقاليم الثلاث بالتساوي ، أي سبعة ممثلين لكل اقليم ، والتى إنبثقت عنها “الجمعية التأسيسية ” جمعية الستين التي وَضعت الدستور الذي أعلن السيد إدريس بموجبه استقلال البلاد وقيام المملكة الليبية المتحدة.. قد تشكلتا على أساسل الاختيار المباشر من طرف الشعب..
وكان “الإختيار” قد جرى بالطبع ، من طرف ادارات الاحتلال الانجليزي فى طرابلس والفرنسي في فزان ، اذ اختار السيد ادريس مُمثلي برقة ، وعدد السكان فيها بالتقريب ( 250 ألف نسمة !) واختار السيد احمد سيف النصر والي فزان المُعيّن من طرف الفرنسيين ، مُمثلي ” الولاية ” التي لا يتجاوز عدد سكانها الخمسين ألف نسمة !!
اما ولاية طرابلس ، التي تُشكل الأغلبية ( أكثر من 750 ألف نسمة ) فقد قام المستر إدريان بلت ، باختيار ممثليها ، بالتشاور مع بعض الأحزاب المعتدلة والمتعاونة مع إدارات الإحتلال ، وقد أثارت عملية الإختيار هذه كثيرًا من الشُبهات والإعتراض والغضب والجدل!
وبنفس الطريقة ، تشكلت جمعية الستين ، أي ” الجمعية الوطنية ” التى وَضعت الدستور ، من عشرين عضوا بالتساوي لكل اقليم ! فاختار السيد ادريس مُمثلي ولاية برقة واختار السيد احمد سيف النصر ممثلي ولاية فزان ، في هذه المرة أيضاً ، وعَهد المستر بلت للشيخ محمد أبوالأسعاد العالم ، مُفتي طرابلس اختيار ممثلي ولاية طرابلس ، فحرص فضيلة المفتي على أختيارهم من مُوظفي الإدارة البريطانية السابقين ، ومن شخصيات تنتمي لحزب الاستقلال الذي يتزعمه السيد سالم المنتصر، ومن حزب المؤتمرالوطني الذي يضمّ الأحزاب الصغيرة والذي شكله السيد بشيرالسعداوي بعد مقدمه إلي ليبيا قبيل صُدور القرار الدولي بحوالي سنة واحدة !
بينما رفض حزب الكتلة الوطنية العريق والمتشدد ، المشاركة فى هذه ” الهيئات ” ، التى تكوّنت جميعُها على أساس الاختيار وليس الانتخاب الحر المباشر من طرف الشعب ، ورفضت أيضا الاشتراك فى الجمعية الوطنية المُكلفة بوضع الدستور والتي تتجاهل الانتخاب المباشر وعدم الأخذ فى الاعتبار النسبة العددية للسكان بين الولايات الثلاث، وأصرّت الكتلة على عدم المشاركة فى الإنتخابات البرلمانية التى ستجرى على أساس هذا الدستور .
واتهمت الكتلة الوطنية كلاً من فرنسا والإنجليز ومفوّض الأمم المتحدة ، المستر إدريان بلت بالتآمر على نص القرار الدولي وتحريفه وعدم الأمانة والغدر بمصير ليبيا.
…
يتبع
***
فاضل المسعودي ـ الصّحفي الكبير وعميد الصحفيين وصاحب البصمة المشهودة في تاريخ الصحافة الِلّيبيّة منذ بداية مشواره الصحفي
_______________