الصادق شكري
انتقل إلى رحمة الله السّيّد عبد العزيز إبراهيم الشّلحي ظهر يوم الجمعة 9 ربيع الأول من عام 1430 هجري الموافق 6 مارس 2009م عن عمر يناهز 72 عاماً،
والده هو السّيّد إبراهيم أحمد صالح الشّلحي (1899م – 1954م) الذي كان في خدمة السّيّد أحمد الشريف وحضي بثقته،
وعندما تولّـى السّيّد إدريس السّنوسي شئون الإمارة السّنوسيّة عام 1916م وغادر السّيّد أحمد الشّريف البلاد إلى المنفى في أوائل أغسطس 1918م على متن غواصة ألمانية من “مرسى العقيلة” إلى تركيا، انتقل السّيّد إبراهيم الشّلحي إلى خدمة السّيّد إدريس السّنوسي فكان من رجاله الأوفياء المخلصين بل من أخلصهم على الإطلاق.
كان السّيّد إبراهيم الشّلحي مرافقاً للأمير إدريس السّنوسي طيلة سنوات وجوده في ليبيا قبل انتقاله إلى المنفى في أواخر عام 1922م وكان كاتم سره ومستشاره الخاصّ طيلة سنوات بقائه في المنفى قبل عودته النهائيّة إلى ليبَيا في عام 1947م.
وقد عينّه الأمير إدريس السّنوسي بعد أن استقلت ليبيا في 24 ديسمبر 1951م وتتويجه ملكاً على ليبَيا ناظر خاصته الملكيّة وهو الموقع الذي استمر فيه حتى تاريخ اغتياله على يد الشّريف محي الدّين السّنوسي في الخامس من أكتوبر 1954م أمام مقر رئاسة الوزراء بمدينة بنغازي.
للسّيّد إبراهيم الشّلحي ستة (6) بنات وثلاث (3) أولاد هم: البوصيري وعمر وعبدالعزيز الذي كان أصغرهم. والسّيّد البوصيري استدعائه الملك إدريس السّنوسي للقدوم إلى ليبَيا من بريطانيا حيث كان يدرس هناك،
وعينّه ناظر خاصته الملكيّة ولم يتجاوز عمره آنذاك (23) ثلاثة وعشرين عاماً، عقب اغتيال والده في أكتوبر 1954م، واستمر في موقعه حتّى تاريخ وفاته عام 1964م أثر حادث سيارة بقرب من مدينة إجدابيا في أوّل أيام عيد الأضحى المبارك بعد مفارقته للملك في مدينة طبرق وعودته براً إلى عائلته في مدينة طرابلس.
والإبن الثّاني هو السّيّد عمر الحاصل على الشهادة الإعداديّة والثانويّة من مدارس فكتوريا الإنجليزيّة بمدينة الإسكندريّة، وعلى الشهادة الجامعيّة بالقانون من جامعات القاهرة. عاد إلى ليبَيا وعمل في دائرة السكرتارية بالقصر الملكي إلى أنّ عينّه الملك في أواخر الستينيات مستشاراً خاصّاً له.
أمـّا الثّالث فهو السّيّد عبدالعزير إبراهيم الشّلحي الذي نخصص له هذا النعي، فقد ولد عام 1937 بمنطقة (الحمام) بالسّاحل الشّمالي بـالقرب من مدينة الإسكندريّة.
تحصل على الشهادة الإعداديّة والثانويّة من مدارس فكتوريا الإنجليزيّة بمدينة الإسكندريّة، ثمّ درس بـالكليّة الحربيّة المصريّة بالقاهرة وتخرج منها عام 1954م بتقدير ممتاز، وكان العقيد سعد الدّين بوشريب الذي أعلن إنقلابيو سبتمبر 1969م إسمه كقائد لأركان الجيش اللّـيبي في ساعات الإنقلاب الأولى رغم أنّه كان موجوداً في تونس ومستقيلاً من الجيش منذ 1967م، واحداً من بين زملائه في الكلية ومن نفس دفعته.
عاد السّيّد عبدالعزير الشّلحي إلى ليبَيا بعد تخرجه فعمل في الجيش اللّـيبي، وتحصل على (الأركان) من الكليّة العراقيّة، وترقى في رتبه العسّكريّة حتى صار عقيد ركن بـالجيش اللّـيبيّ. تزوج السّيّد عبدالعزير الشّلحي مرتين، الأولى من سيدة إنجليزيّة والثّانيّة من سيدة من عائلات (إخوان السنوسيين) من بيت أخواله (آل إبراهيم احميده الحسن الغماري) بمنطقة دريانة شرق ليبَيا، أنجب من الأولى بنتاً واحدةً، والثانيّة ثلاثة بنات.
ترأس العقيد الرّكن عبدالعزيز الشّلحي لجنة إعادة تنظيم الجيش، وشغل منصب مدير التدريب بـالجيش وكان من بين معاونيه العقيد ركن عزيز عمر فائق شنيب الذي تُوفي في المهجر بمصر فجر يوم الخميس الموافق 2 يناير 2003م.
كلّفه الملك بنقل بعض رسائله إلى بعض ملوك ورؤساء العرب، فأثناء حرب 1967م بعثه الملك إدريس السّنوسي إلى الرئيس المصري جمال عبدالنّاصر، والملك حسين ملك الأردن، والرئيس السّوري نور الدّين الأتاسي.
راجت شائعات في السنوات الثلاثة الأخيرة من العهد الملكي بأن الملك الصالح الراّحل إدريس السّنوسي عازم على التنازل عن العرش وبأن مقاليد الحكم ستؤول إلى العقيد الرّكن عبدالعزيز الشّلحي في إنقلاب من داخل القصر ينقل السّلطة سليماً إليه ويحوّل البلاد من نظام ملكي إلى جمهوري دستوري بموافقة الملك الذي اختار اعتزال السياسة والاستقرار في مدينة طبرق اللّـيبيّة المكان الذي كان ينوي قضاء باقي سنوات حياته فيه.
كان العقيد الرّكن عبدالعزيز الشّلحي صلباً قوي الشخصيّة، ويتمتع بقدارات هائلة وكفاءة عسكرية عالية علاوة على الرَّعاية الخاصّة التي منحه إياها الملك الرّاحل إدريس السّنوسي.
وكان قوميّاً تربطه صلات قوية بصاحب الشخصيّة الطاغية في الوطن العربي آنذاك جمال عبدالنّاصر الرئيس المصري، وكان صاحب نفوذ قوى في الجيش اللّـيبي عززه بتعيين اللواء السّنوسي شمس الدين السّنوسي (زوج أخته) قائداً للأركان، وتعيين زوج أخته الثّاني العقيد عون أرحومة شقيفة رئيساً أو مديراً لمنظومة الحركة بالجيش (العمليات).
وكان العقيد الرّكن عبدالعزيز الشّلحي يرى بأن التغيير قادم على يد المؤسسة العسّكريّة وبأنه الشخص الوحيد داخل هذه المؤسسة الذي سيمنح الملك قدره ومقامه ومكانة تليق بشخصه الكريم. كمَا كان يعتقد أن لا شخص غيره سينجح في هذه المهمّة رغم علمه المسبق بتحركات الملازم معمّر القذّافي ومتابعته لحركة تنظيمه المسمى بتنظيم (الضباط الوحدويون الأحرار)>
ظنّ بأن هؤلاء الضبّاط الصغار سيكونون بمثابة بلوّنة اختبار وحتّى إذا ما نجحوا في تحقيق هدفهم بأنّهم سيأتون به على رأس السّلطة.
نجح الملازم معمّر القذّافي في انقلابه وزجّ بالعقيد ركن عبدالعزيز الشّلحي وقادة الجيش الكبار في السجون، وسرق الملازم معمّر القذّافي ورفاقه ساعة الصفر
أو كمَا قال الأستاذ مفـتاح فـرج في مقالته “مـن خـفايـا انـقلاب سبتمبر 1969: المـؤامـرة والخـديعـة” المنشورة في موقع “أخبار ليبيا” عام 2004م: (..سرقوا ساعة الصفر عندما كانت البلاد مهيأة لتسلم العقيد الرّكن عبدالعزيز الشلحي السّلطة يوم الجمعة 5 سبتمبر 1969. وبالتالي نجحت أمريكا في إفشال مخطط الشّلحي وطرد الإنجليز واستلام ليبيا..)،
أو كمَا جاء في نص خبر وفاة الشّلحي المنشور في موقع “ليبيا المستقبل” يوم الجمعة الموافق 6 مارس 2009م: (..غير أن الملازم معمّر القذّافي وزمرته من صغار الضبّاط وفي عمليّة تآمريّة ما زال الغموض يلفّها غدروا بعبد العزيز الشّلحي واستطاعوا أن يتحرّكوا باسمه في ليلة أوّل سبتمبر 1969م، فسرقوا الانقلاب، وزجوا به مع قادة الجيش في السجون..).
عند وقوع انقلاب 1 سبتمبر 1969م، كان العقيد الرّكن عبدالعزيز إبراهيم الشّلحي موجوداً بطرابلس، فألقى الانقلابيون القبض عليه فور استيلائهم على السّلطة وزجَّ به في السجن مع ثلة من شرفاء رجالات ليبيا وخيارهم، وشمله قرار (العزل السّياسي) الذي أصدره الانقلابيون 8 يوليو 1971م.
سجل العقيد الرّكن عبدالعزيز الشّلحي موقفاً شجاعاً فيما سُمّى بمحكمة الشّعب التي عقدها الانقلابيون لمحاكمة رجالات العهد الملكي بعد استيلائهم على السّلطة في سبتمبر 1969م إذ وقف شامخاً أمام محاكميه نفياً كلّ التهم الموجهة إليه، مدافعاً عن الملك إدريس السّنوسي وكله فخر واعتزاز بارتباطه به ووفائه له.
ظلّ رهن الاعتقال من ساعة إلقاء القبض عليه في سبتمبر 1969م إلى عام 1976م ثمّ فُرِضت عليه الإقامة الجبرية في بيته لمدة سنتين بعدها قُيِدت حركته داخل ليبيا بحيث لا يتحرَّك إلاّ بإذن مسبق.
وفي عام 1988م، أُذَنَ له بالسفر عقب الإفراج عن بعض السجناء السياسيين بموجب ما عُرف بقرارات (أصبح الصُبح) في مارس 1988م، وبعد خروجه من السّجن، استقر مع أسرته بطرابلس في منزله الكائن بشارع عبد الرّحمن الكوكبي بجوار مركز شرطة الأوسط في الظهرة.
أصيب السّيّد عبدالعزير الشّلحي في عام 2008م بالتهاب حاد في الرئة فسافر للعلاج في سويسرا ومصر، وقبل وفاته ظهر يوم الجمعة السّادس من مارس 2009م، كان ينوي الذّهاب إلى بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكيّة لاستشارة الأطباء هناك لأنّ صحته لم تتحسن بل ظلت تنحدر إلى الأسوأ مع مرور الأيام والشهور.
شارك في تشييع جثمان الفقيد أعداد غفيرة من اللّيبيين، ودفن بعد صلاة العصر من يوم الجمعة الموافق 9 ربيع الأول من عام 1430 هجري الموافق 6 مارس 2009م في مقبرة الهنشير بطرابلس.
رحم الله العقيد الرّكن عبدالعزير الشّلحي واسكنه فسيح جناته..
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
***
الصادق شكري ـ كاتب ليبي
_______________