بشير البكر
تصنّف السلطات المصرية جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا. وفي ظل هذه الذريعة وضعت يدها على المجال العام، منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013، وأعادت تأهيل النظام الأمني لمصادرة الحريات وتقنين الحياة السياسية على مقاسها.
ولم تشمل إجراءات الملاحقة والاعتقالات التنظيم فقط، بل امتدّت إلى شخصيات خرجت منه، وأخرى ليبرالية، وناشطين ساهموا في ثورة يناير.
وفي تونس، كان حضور “الإخوان” مختلفا في الحياة السياسية والحكم، بعد الثورة، وإسقاط نظام زين العابدين بن علي في 14 يناير/ كانون الثاني 2011.
وعلى عكس التجربة الإخوانية في مصر، امتاز أداء حركة النهضة بالبراغماتية، الأمر الذي كاد يفجّرها من الداخل بين تيارين، أحدهما أراد الحكم منفردا وبناء دولة إسلامية، وآخر تبنّى التعددية، ومثلته شخصيات مثل راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو.
وبين التجربتين المصرية والتونسية، راوح أداء بقية تيارات الإخوان في العالم العربي، من اليمن إلى ليبيا وسورية والسودان.
ولم تنجح هذه الأحزاب في تكوين حالة تسير على إيقاع الموجة الجديدة التي جاء بها الربيع العربي، لجهة إنهاء الاستبداد وبناء المشروع الديمقراطي التعدّدي.
وظل حزب التجمع اليمني للإصلاح أسير تجربة التحالف التي خاضها مع الرئيس الأسبق، علي عبد الله صالح، بعد الوحدة في عام 1990، والتي أدخلته في مطبّات كثيرة، وقادته إلى طريق مسدود.
بينما لم ينجح الإسلاميون الليبيون في تشكيل حالة مختلفة وسط حروب الأخوة ــ الأعداء. ورغم بروزهم بقوة في بداية الثورة، فإنهم استمرّوا يراوحون في المكان نفسه.
وهذا التوصيف غير بعيد عن حال الإخوان السوريين الذين وقعوا في أخطاء، وأقدموا على ممارساتٍ أضرّت بالثورة السورية، ويواصلون هذا الطريق رغم الفرص الكثيرة التي حانت للمراجعة والتراجع.
أما إخوان السودان فهم في حال مدٍّ وجزر منذ الانقلاب على النظام الديمقراطي عام 1989. وكانت تجربة الرئيس السابق عمر البشير من أسوأ التجارب التي ألحقت آثارا سلبية بالحركة الإسلامية ككل، لما مارسه من قمع وديكتاتورية وارتكاب أخطاء على المستوى الوطني، قادت إلى تقسيم السودان الذي كان يسير قبل ذلك باتجاه حلّ ديمقراطيٍّ للمسألة الجنوبية.
وعلى مقربة من الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لا يزال الاستثناء من المشاركة يلاحق فصيل الإخوان، رغم أن تيارا منه أبدى استعداده للمصالحة مع النظام مقابل تجميد نشاط التنظيم داخل مصر.
وصدرت تصريحات عن القائم بأعمال مرشد الإخوان المقيم في لندن، إبراهيم منير، نهاية يوليو/ تموز الماضي، قال فيها: “لن نخوض صراعاً جديداً على السلطة بمصر“، ولكن هذا الأمر لم يؤثر على تصلب الحكم الذي تلوح أمامه فرصة ثمينة لتحويل الحوار الوطني المرتقب مصالحة.
وفي تونس، وضع الرئيس قيس سعيّد لنفسه هدف محاكمة حركة النهضة، ما جعلها تتصدّر المشهد بعد أن كانت تعاني من ضعفٍ شديد، بسبب الانقسامات الداخلية التي عرفتها في الأعوام الأخيرة، وهو، لأسبابٍ مختلفة، يكرّر تجربة بن علي في نهاية عقد الثمانينيات في القرن الماضي، عندما قاد حملة قمع ضد “النهضة“، أدّى إلى تصليب عودها.
ومن الملاحظ أن سعيّد يفتعل معركة مع الحركة، ولا يمتلك مبرّرات وجيهة للتحرّك ضدها، وهو بذلك يضع تونس في حالٍ من التوتر الداخلي والانقسامات، بما يؤثّر على فرصها في مواجهة الأزمات الاقتصادية بدعم دولي بات في تراجعٍ ملحوظ، منذ انقلب سعيّد على الدستور في يوليو/ تموز 2021.
لا يبرّر الإخوان المسلمون في أي بلد عربي مواجهة تعطل الحياة السياسية، فهم في حالة ضعف وتراجع وانقسام. شأنهم شأن بقية القوى السياسية، يراوحون في المكان ذاته، يكرّرون الأخطاء نفسها، وليست لديهم قدرة على تقديم مشروع ديمقراطي.
____________