د. نزار كريكش

ها قد سقطت ورقة التوت عن الجميع، وعرف الجميع أنه لا يصح إلا الصحيح، وأن المغامرة بحياة الأمم تعني الانتحار، وأنه لا يمكن للأطراف التي صنعت الأزمة أن تكون جزءاً من الحل، وأنه بدون حَكَم أو طرف ثالث يحكم بين المتخاصمين فإن حلقة مفرغة أشبه بدوامة أو إعصار ستعصف بالجميع، وأن العنف أبداً لن يحل الأزمات والنزاع بين الإخوة؛ كل هذه النتائج يجب ألا تنسى وأن نكتشف مبكراً كل منطق ينافي هذه المسلمات.

صار بالإمكان تحديد الأولويات التي يجب أن ننطلق منها، دعنا نذكر بها:

أولا: لا للتخوين

أن كل دعوة لتخوين الآخر هي محاولة للانقضاض على السلطة، رأينا ذلك من كل الأطراف وكان السبب هو الانتقام منه أو إقصاؤه من المشهد، من يريد بناء الوطن ليس عليه أن يخوّن الآخرين، بل يجمعهم نحو هدف واحد، وأن يملك القدرة على القيادة أما الصراخ والتهديد فهذا يحسنه كل أحد !.

ثانيا: لا للعنف

أنه في الوقت الذي يملك أحدهم المال والسلاح ويستعين بالخارج للقضاء على الآخر، فإن هذا الآخر يملك تلك القدرة على إحضار السلاح والاستعانة بالخارج كذلك؛ لذا فإنه في المحصلة سيكون البلد ساحة لصراع ونزاع لا ينتهي، ليس هناك رجل قوي ورجل ضعيف، هناك من يؤمن بالعنف ومن يؤمن بالسلم وعلينا دعم الأخير ونبذ الأول.

ثالثا: تأثير الجيران

هذا النزاع الذي استعان فيه كل طرف بطرف خارجي، حوّل الأزمة الليبية لأزمة إقليمية وجزء كبير من الحل هو في الإقليم نفسه.

رابعا: الطرف الثالث

أنه لا يمكن الاعتماد في مراحل التحولوهذه قاعدة مجمع عليها،على السلطات التي تحكُم للدفع بعملية التحول، فلابد من طرف ثالث قادر على الدفع نحو التحول، هذا الطرف هو المجتمع المنظم القادر على دفع الأطراف نحو الحل، سواء كان من السلطات القضائية أو لجان سيادية أو جهات معتبرة إسلامية وعربية، أو لجنة على غرار ما حدث من قبل، وهذا أمر ممكن وواقعي جداً وحدث في كثير من النزاعات الدولية.

خامسا: المرجعية القانونية

أن وجود هذا الطرف الثالث لا ينبغي أن يكون تمثيلاً لأطراف النزاع، كما حدث مع لجنة الـ 75، فإنها كانت تمثل كافة الأطراف، والأدهى من ذلك هو أنها لم يكن لها أي سند قانوني يجعلها حكما بين أطراف النزاع، لذا فشلت في وضع مخطط تفصيلي لقوانين الانتخابات، إذا قارنا ذلك بما حدث في ليبيريا نجد أن مثل تلك اللجنة وضعت قوانين الانتخابات وتولت السلطة التأسيسية.

سادسا: السلطة التأسيسية

أننا يجب أن نفرّق بين السلطة التأسيسية والسلطة التشريعية، السلطة التأسيسية أعلى من السلطة التشريعية، وهي الجهة التي تضع الدستور والرؤية والسياسات التي تحكم باقي السلطات، لذا فإن ما قام به مجلس النواب من محاولة تولي السلطة التأسيسية والتشريعية معا باء بالفشل الذريع.

سابعا: السيادة أولا

أنه إذا استطعنا أن نحتكم لمجلس قد نسميه مجلسا سياديا أو تأسيسيا بمساعدة المجتمع الدولي، بحيث يأخذ صيغة قانونية قد يكون ذلك مفيدا جداً حتى لا نكرر نفس الأخطاء، فإنه بدون ذلك إذا توجهنا للانتخابات أو للدستور أو لحكومة ثالثة فإنه من السهل لكل طرف التنصل من أي اتفاق إذا لم يصب في مصلحته.

ثامنا: العدل أساس الملك

أن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية أولوية لا تقل أهمية عن بناء الشرعية، وأنه لن يكون هناك بناء لتلك الشرعية مالم نواجه أنفسنا بكل الخطايا والانحيازات التي مارسها الجميع دون استثناء.

تاسعا: الرباعية الذهبية

أن الحلول لا تُعرض منفصلة ومنعزلة، فهذا يتحدث عن أن الحل في الفيدرالية، وآخر عن الحل في اللامركزية، وآخر عن الحل في الدستور. لابد من وجود نموذج للحل أي مجموعة عناصر ومشروع يمكن أن يمثل حلاً للأزمات وفق مخطط يضع في حسابه أربع قضايا أساسية:

  • عودة الحياة لطبيعتها (التطبيع)،

  • وضع كل ما حدث في البلد في إطار قانوني (التقنين)،

  • معالجة الأحداث السابقة نفسياً واجتماعياً (التطبيب)،

  • والتأسيس الصحيح حتى لا نعود للنزاع مرة أخرى (التأسيس).

عاشرا: إرادة الإصلاح

هذه الرباعية مع وجود إرادة حقيقية للخروج من هذا الوادي السحيق الذي دخلنا فيه قد يكون هو البداية للتفكير بطريقة علمية تؤمن بوجود تجارب تاريخية، ليس علينا أن نتبع كل ناعق وجاهل وطامح في السلطة لمجرد أنه قد يحقق لبعضنا مصالح وقتية سرعان ما نجدها هباءً وسراباً لا يستحق أن نتقاتل من أجله.

الدرس الأكبر .. أن الوطن أكبر من كل الأشخاص مهما صرخوا وصارعوا وتقاتلوا ووعدوا فأخلفوا.. الوطن يبقى أما، الأشخاص زائلون، هذه حقيقة عليها ألف دليل.

_____________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *