المهدى يوسف كاجيجي
من لا يعرف شارع ميزران لا يعرف طرابلس العاصمة وتاريخها الوطنى. كل قطعة حجر فيه، تحكى تاريخا مضى عبر كل الحقب والعصور:
معماره العربى ومشربياته، قوس البدوى، شارع ماكينه “هايتي حاليا“، جامع ميزران وركابته الشهيرة ملتقى كبار الحومة، وسعاية الفقيه حسن، التى تقودك اليها زقاق ضيق، ينتهى الى ميدان صغير يتوسطه بيت كبير بمشربياته ونقوشه، يحمل بين جنباته عبيق تاريخ وطن ومسيراته.
فى حجراته تشكلت ملامح تجربة الاستقلال لأمة وليده، فى المكان وفى سنة 1944 عُقد أول تجمع وطنى تم الاتفاق فيه على تأسيس “الحزب الوطنى“، ووُضع ميثاق “أول حزب سياسى فى ليبيا” فانتخب الاجتماع الموسع التأسيسي الشاعر والأديب الاستاذ احمد الفقيه حسن رئيسا للحزب .
فى نفس المكان أسس الاستاذ علي الفقيه حسن “حزب الكتلة الوطنية الحرة“، الذى لعب دورا رائدا فى التصدى للمناورات الاستعمارية، وبين جنباته وفى اليوم الاول من يناير 1932 ولد الاستاذ ابراهيم علي الفقيه حسن وهو الابن البكر للزعيم على الفقيه حسن.
ابراهيم على الفقيه حسن
عن هذا الرجل يقول الاستاذ بوخزام العناني فى مرثية رائعة على صفحات ليبيا المستقبل:
“ابراهيم الفقيه حسن ينتمى الى فئة من الرجال، خلقوا ليكونوا عماد الوطن وركائز الأمة” وعن إنجازاته يقول: “عندما. يذكر اسم ابراهيم الفقيه حسن، يذكر التأمين الاجتماعي ذلك الصرح العظيم، الذى شيده الرجل، وأبدع فيه تنظيما وإدارة، تخطيطا وتنفيذا، تنظيرا وتطبيقا“.
فى بداية الستينيات من القرن الماضى صدرت جريدتنا “الحرية” للناشر ورئيس التحرير استاذنا محمد عمر الطشانى رحمه الله، وهو من شباب ميزران ومن أبناء حزب الكتلة، تربطه بالأستاذ ابراهيم صداقة حميمية منذ الطفولة.
كانت مكاتب “الحرية” فى شارع النصر بالقرب من التقاطع مع شارع ميزران.
أول مرة تشرفت فيها بلقاء الاستاذ ابراهيم الفقيه حسن كانت فى بيته فى الوسعاية مكلفا بتسليمه نسخا من إصدارات الجريدة. كان رجلا كنسمة ربيعية، ترتسم على شفتيه وتموج فى عينية ابتسامة هادئة كبحيرة رقراقة، كان خلوقا مهذبا، دمثا وهادىء الحديث،عرف عنه قلة الكلام وكثرة العمل، لا تستطيع ان تنطق اسمه بدون لقب استاذ.
بعد اكثر من نصف قرن على أول لقاء، وعشر سنوات على رحيله، توكأت على أيامى وقطعت المسافة من شارع النصر الى وسعاية الفقي حسن، فى محاولة لتنشيط الذاكرة التى شاخت.
تغير المكان! فى ميزران اختفت معالم وتبدلت مواقع:
اختفى متجر جالوته الشهير ببقالته المصرية، وأُغلقت اكثر محلات “السفنز” شهرة التى طالما تناولنا فطائرها الشهية “سفنز بالدحي” فجر كل يوم ونحن فى الطريق مابين المطبعة الحكومية ومكاتب الجريدة.
تآكلت واجهات المباني وتهدّم البعض وارتفعت بشكل عشوائى مبانٍ اخرى، فانتشرت محلات تصليح الاحذية بشكل مُلفت للنظر والبقية احتلتها المقاهي ومطاعم الوجبات السريعة وبيع الملابس للمحجبات.
احتفظ الجامع بركابته وتغيرت ثقافة الجالسين عليها.
اختفت حنفية السبيل التى كانت تَروى العطاشى من العابرين بالمكان بمائها البارد، هَرِم قوس البدوي وفَقَد معالمه وتغيّرت التركيبة السكانية حوله.
عثرت على“الزنقة“، كُتب عليها “شارع الفقى حسن“، التى تقودك الى الوسعاية.
أُزيلت البيوت ذات الطابع العربى وارتفعت عمارات سكنية.
لايزال البيت الكبير لعائلة الفقيه حسن يتصدر المكان فى شموخ خجول، يقاوم زمنا رديئا لا يعرف قيمته، حتى أنّ مشربياته ونوافذه أدركها الاهمال وعوامل الزمن، فبَهَت لونها وتآكلت اطرافها.
هذا البيت الذى يُعتبر أثرا تاريخيا ومِلْكا لكل الليبين وجزءا من تاريخهم المعاصر، رحل عنه معظم ساكنوه ولم يتبق الا القليل جدا منهم يقاوم الاهمال والجحود بكبرياء وشموخ، وهو جزء من الجينات المتوارثة لعائلة الفقيه حسن.
لن ننساكم
فى زمن الياس والخوف والغلبة، فى زمن عقيدته “عندك حق يا ابو بندقية“، فى زمن النهب المنظم، ورؤية الوطن بعين الغنيمة، وبمناسبة الذكرى العاشرة، لرحيل الاستاذ ابراهيم على الفقيه حسن، انعقدت احتفالية فى مبنى وزارة السياحة فى العاصمة طرابلس.
تميّزت الاحتفالية بدفء المشاعر، شارك الجميع على اختلاف أعمارهم بالإشادة بمناقب الرجل، الذى يُمثّل نموذج رجل الدولة القدوة، نظيف اليد، الذى ارتبط اسمه بانجازاته، انه واحد من كوكبة من الرجال ولدوا من رحم الوطن.
وفى سنوات الجدب هذه، نُبحِرُ اليهم بالذاكرة فنستحضرهم لنستلهم منهم الحكمة.
لان الاوطان لا تَنْسى البررة من أبنائها تتغنى بمواقفهم وإنجازاتهم كقول الشاعر عبدالرؤوف بن لامين فى قصيدة بالمناسبة نستعير أبياتا منها:
من للضمان وقد تضمن عهده
عون الضعاف اذا تعذر عامها
من للبلاد لتستعين برأيه
يوما اذا خدع الرجال كلامها
رحم الله ابن ليبيا.. وساكن الوسعاية.. ابراهيم على الفقيه حسن.
**********
المحرر: من رؤية صندوق الضمان الاجتماعي
أول قانون عرفته ليبيا عن الضمان الاجتماعي هو قانون التأمين الاجتماعي رقم (53) لسنة 1957.
ولما كانت الدولة الليبية شأنها شأن الكثير من دول العالم قد عرفت قبل الضمان الاجتماعي (أنظمة التقاعد – المساعدات الاجتماعية – التأمين الاجتماعي) وأنها سارت نحو الضمان الاجتماعي عبر طرق التطور من هذه الأنظمة.
وحيث أن الشعور بالطمأنينة عند الإنسان غاية أساسية منذ القدم، حيث يحاول الإنسان الابتعاد عن مواطن التهديد والخطر وبالتالي أصبح الشعور بالطمأنينة يرتبط بتاريخ البشرية ولا يتصور فصله عنها، وعندما يصل الإنسان إلى هذا الشعور فقد وصل إلى الرفاهية .
والشعور بالطمأنينة في المجتمع هو مايطلق عليه “الأمن الاجتماعي“، وعلى وجه أدق فأن الأمن الاجتماعي هو شعور الأفراد في المجتمع بالطمأنينة والحماية الاجتماعية التي يوفرها الضمان الاجتماعي بالنسبة للأخطار التي قد يتعرضون لها، مثل العجز والمرض وإصابة العمل ومرض المهنة والشيخوخة والوفاة .
هذا هو المفهوم الذي تصبو كافة الدول المختلفة إلى تحقيقه وإلى الوصول إليه، والأمن الاجتماعي على هذا الأساس واحد لا يتغير، ولكن الذي يتغير هو الوسيلة أو الأسلوب الذي تستخدمه كل دولة في سبيل الوصول إليه .
ومن هنا برز الضمان الاجتماعي كأداة هامة وفعالة وجوهرية لخلق التلاحم الاجتماعي وحق أساسي من حقوق الإنسان وهو لا غني عنه من السياسة الاجتماعية، ويؤدي دوراً هاماً في الحماية الاجتماعية.
وفي إمكان الضمان الاجتماعي من خلال الضامن الوطني والمشاركة العادلة في الأعباء أن يسهم في تحقيق كرامة الإنسان وفي المساواة والعدالة الاجتماعية .
_____________