يصادف اليوم الاربعاء الاول من شهر مايو ذكرى استشهاد القائد الميداني الشيخ محمد المدني الذي سقط مضرجا بالدماء وهو يعرض الاستسلام على جنود الطاغية الذين كانوا محاصرين شرق مدينة الزنتان مقابل سلامتهم.

وقد استشهد الشيخ “محمد المدني” إمام وخطيب مسجد اسامة بن زيد في الزنتان أثناء إحدى المعارك في شرق الزنتان يوم الأحد 1 مايو 2011 وهو يطلب من الجنود والمرتزقة المحاصرين الاستسلام مقابل سلامتهم بصدق نية ولكنهم غدروا به واطلقوا عليه الرصاص فاخترق جسده الطاهر.

وكان القائد الشهيد قد تعود في كل المعارك التي قادها وخاضها ان يعرض على كتائب المقبور الاستسلام مقابل النجاة وهو واجب شرعي اسلامي ظل يصر عليه في جميع المعارك. وقد قاد الشهيد العديد من المعارك التي جرت في جبل نفوسه منها معارك المجابرة وتاغمة وزاوية الباقول والكشاف ومعركة تحرير بوابة وازن.

وهذه بعض ما كتب عنه في صفحات التواصل الاجتماعي:

د. نصر قريرة

هو محمد على المدني من أبناء الزنتان المجاهدة والجبل الغربي الأشم.. أمضى فترة طويلة مبكرة من عمره في معسكرات قوات الصاعقة الليبية ببنغازي عايش فيها ميادين القتال وعرفها وعرفته وتعلق بها و فيها تعلم فنون الاشتباك والانسحاب والهجوم والتكتيك العسكري وأكثر ما تعلم فيها هو حب الوطن والصبر والصلابة التي عركته فأصبح صلبا لا يلين وشجاعا لا يتراجع وأهلته لأن يعرف أن أشرف ميدان لخدمة الوطن هو في الجبهات والثغور والميادين حيث تفيض أرواح الرجال وتنساب من الأجساد منتقلة إلى خالقها مخلفة وراءها مباهج الحياة الدنيا وزينتها من مال وبنون.

أنتقل بعدها للعمل والإقامة لمدة قصيرة بمدينة طرابلس ثم أنتقل بعدها إلى الزنتان مسقط رأسه وأتجه إلى المسجد لحفظ القرآن الكريم والإقبال على تعلم العلوم الدينية وعمل إماماً لبعض مساجدها، عرفه الناس بالجدية في حياته فهو رجل قليل الكلام، كما عرفوه بالحكمة وعمل الخير والسعي في الصلح بين الناس وفض المنازعات والخصومات فكان رجلا مسموع الكلمة مؤتمن الجانب يلاقي قبولا بين الناس.

وكان وطنيا صادقا يرى بأن ليبيا جديرة بأن ترى مستقبلا أفضل مقارنة بالتضحيات التي بذلها الأجداد والبؤس والشقاء والألم الذي صاحب رحلة الجهاد تلك كيف لا وهو يسمع من شيوخ وعجائز الزنتان تلك الرحلة التاريخية الخالدة من الجهاد التي خاضوها في الشط والجبل والقبلة.

وجاءت ثورة فبراير المجيدة وكانت الشرارة من بنغازي العزيزة على قلوب كل الليبيين يوم 15 فبراير فأقتبس الزنتان منها قبساً يوم 16 فبراير مؤكدين أن الليبيين وحدة واحدة وأن ميدان خدمة الوطن ونصرة الحق ميدان يجب أن يتنافس فيه المتنافسون من الشرفاء والأحرار فالشرف يناله المرء بالفعل العظيم والتضحية البالغة. وانطلقت الزنتان على خلاف بعض المدن الثائرة الأخرى شيباً وشباباً رجالاً ونساءً دون تخاذل وبرزت للفضائيات تلك الصور الرائعة التي سيسجلها التاريخ الليبي بمداد من ذهب لأنها صنعت التغيير الذي طالما حلم به المفكرون والمنظرون والحالمون.

وأنطلق الشيخ محمد المدني إلى المنتفضين موجها ومرشدا ومنبها إلى سلمية الثورة وأن تحافظ على الممتلكات والأرواح وأن تعطى المثل الحسن على طليعة هذه الثورة. ولكن أتت الرياح بما لم تشتهي السفن و توجهت دبابات النظام وصواريخه وقنابله ضد صدور الثوار العزل المسالمين فما كان من الثوار إلا أن عرفوا بأن العنف الثوري أصبح فرضا مقضيا فتوجهوا إلى المعسكرات ومخازن الأسلحة وسقط منهم الشهداء في تلك الأحداث والجرحى والمصابين ولكنهم امتشقوا أخيرا السلاح الذي سيحمي ثورتهم ويسير بها إلى نهايتها المبتغاة.

ففرض الموضوع على الشيخ محمد المدني أن يرتدى ملابس العسكر وأن يعود إلى أيام الميادين والجبهات فنظم الصفوف وقسم الثوار إلى مجموعات وأقام الكمائن ووحدات الاستطلاع ورسم خطط المواجهة وبعث إلى المناطق القريبة بشان الانضمام فتحركت مع الثورة الرجبان وجادو ويفرن والقلعة وككلة ونالوت وبعض من الرياينة وغيرهم.

محمد المدني اتّبع أسلوبا في المواجهة جدير بأن يرقى به إلى رمز وطني نبيل يحتذى به فوجه وبصرامة منذ البداية إلى عدم البدء بالاشتباك مع الكتائب حتى يتم التفاوض معهم ونصحهم وتوضيح موقف الثوار لهم وأننا وهم أخوة وأبناء دين واحد وجلدة واحدة فلا يجوز أن تهدر الدماء في معارك غير واجبة، وكان دائم القول للثوار بأننا نقول في الكتائب ما قاله سيدنا على فيمن خرج عليه بأنهم أخوة لنا جاروا علينا وظلمونا، وفي أكثر من موقعة توجه هو شخصيا أو بعث لقادة تلك الكتائب من ينصحهم واستخدم الهاتف ومكبر الصوت كذلك في بعض الحالات لمخاطبة الكتائب ولم يستجب قادة الكتائب في معظم الحالات لذلك النداء الأخوي والصادق.

محمد المدني ورفاقه قاموا بالتعامل مع الأسرى والجرحى معاملة الرسول الأعظم وصحبه الكرام فلم يهينوا اسيرا ولم يمثلوا بجثة قتيل كما قاموا بإسعاف الجرحى ونقلهم بسرعة إلى المستشفيات وتقاسموا معهم الزاد والماء ومكنّوهم من الاتصال الهاتفي بذويهم بل أن كثير من ذويهم تمكنوا من زيارتهم والاطمئنان عليهم، ورأينا جميعا تلك الصورة الرائعة لحسن التعامل عبر الفضائيات فرأينا الأسرى يلعبون كرة القدم مع الثوار ورأينا أحد المرتزقة من المسلمين الأفارقة في الزنتان وهو يشير إلى الثوار قائلا هولاء هم احباب الله ورسوله.

محمد المدني جبل راسخ من الأخلاق والحكمة والرجولة… تفوه ذات مرة شاب صغير من الثوار بكلمات غير لائقة ضد القذافي فنهره محمد المدني بشدة قائلا له والله يا بني ما أخرجنا من بيوتنا كرهنا للقذافي في شخصه ولكننا ثرنا ضد نظام كامل من الفساد، فأخرجنا من بيوتنا الظلم والظلم ظلمات وأخرجنا الفقر والجوع والجوع كافر، وأخرجنا الربا الذي ساد وهو حرب لله ورسوله، وأخرجتنا الرشوة والراشي والمرتشي في النار، وأخرجنا التهميش والاستبعاد وأن يتولى أمورنا شرارنا وليس خيارنا… والله يا بني أننا نحمل قضية بين ضلوعنا لا تسعها الأرض بما رحبت قضية غرد وطار لها الطير في الفضاء الفسيح وسارت لها الأسماك وهي تجوب البحار والمحيطات وطار لها النحل والفراش وهو يجوب الغابات والمروج.. إنها الحرية الحرية الحرية ونحن الأحرار أبناء الأحرار فلا تختصر قضيتنا في شخص وأشخاص.

محمد المدني كان دائم التفقد لجبهات الثوار فكان لا يهنأ له بال حتى يطمئن على أهل القلعة ويفرن وككلة والرجبان ونالوت وجادو ومن معهم وكان دائم الانشغال بهم والسؤال عنهم. كما كان حريصا على تفقد أهل الزاوية وصبراتة وضرورة إمدادهم بما يتوافر من سلاح أو ذخيرة.

محمد المدني استشهد وهو يفاوض الكتائب قبل الاشتباك فكان واقفا يتحدث عبر مكبر الصوت معهم فأصابته رصاصة قناّص في رجله فربطها وقام ثانية فأصابته رصاصة أخرى ومزقت بطنه فنقله الثوار إلى المستشفى وفي الطريق كان يوصيهم رغم ألم الجراح بأن لا يفرغوا أيديهم من أيادي أخوتهم وان يفاوضوهم دائما عسى الله أن يهديهم إلى جادة الصواب.

محمد المدني ودعته الزنتان في يوم حزين تعالت فيه زغاريد النساء وتكبيرات الرجال وصيحاتهم وانطلقت أصوات البنادق بالرصاص مودعة شهيد الثورة وأسد الجبل الغربي الأشم.

محمد المدني ودعته الرجبان ويفرن والقلعة وككلة والرياينة وجادو وكاباو ونالوت والحوامد وكل الجبل الغربي الأشم عرين الأسود ومصنع الرجال سار لاحقا بمن سبقوه من الشهداء وقادة الجهاد العظام الباروني وبن عسكر وافكيني والبوسيفي وسالم بن عبد النبي.

محمد المدني ودعته ليبيا فيمن ودعت من أبناءها الشرفاء الذين هم وحدهم من يجب أن تتزين شوارعها وساحاتها وميادينها باسماءهم فهولاء هم القدوة وهولاء هم الرموز.

قصيدة في رثاء الشهداء وعلى رأسهم الشيخ محمد المدني

سألت الرجال اليوم ماذا دهاهم              و ما سر ذاك الدمع في مقلاهم

لم الحزن يبدو ساكنا في عيونهم            ولم التجلي غاب عن محياهم

ولم الشباب هتافهم وصياحهم               ولم الرصاص مدويا في سماهم

ولم ارى الاطفال اخفو لعبهم                واسمع من الأطفال صوت بكاهم

ولما أري تلك النساء قوافل                وأرى الشيوخ الحزن قد أغشاهم

أين البشاشة في عيون مدينتي            وأين الرفاق اليوم لست أراهم

فردوا عليا حزينة اصواتهم                إن الرفاق اليوم  فارقناهم

هذي القبور وهذه اطلالهم                 نزلا كريما طيبا مثواهم

جزعنا لفقد المدني محمد                  صوت النفوس الثائرة وصداهم

وعزعلى الزنتان فقد رجالها            جموعا الى مجد العلى تتزاحم

فعز على الشعر حتى كادني              وعجزت بيوت الشعر أن ترثاهم

***************

د مسعود قريفة

أسم ما أن تسمعه حتى تترآى لك صورة الرجل ممسكاً ببندقيته مبتسماً وهو ينظر إلى الأمام وحتى يتناهى إلى مسامعك عشرات القصص والحوادث التي رواها رفاقه وأبنائه من الثوار والتي تعيدك إلى زمن الصحابة الفاتحين والقادة العظام ممن كتبت أسمائهم بأحرف من نور على صفحات كتب التاريخ والمجد.

رجل اجمع على حبه الجميع أعداء الثورة وأصدقائها يذكره الثوار فتغرورق عيونهم بالدموع تأثراً بالأب والأخ والرفيق القائد ويذكره حتى الممرضين والأطباء بالمستشفيات الميدانية فتفيض مآقيهم بالدموع عشقا وحباً للقائد والإنسان القدوة .

أحد الأطباء روى عنه في لقاء تلفزيوني قائلا: كان الشيخ محمد يأتي كل يوم للمستشفى عند الصباح الباكر ليطمئن على الجرحى والمصابين من الطرفين وكان يوصي بجرحى الكتائب قائلا أنا اشهد الله أني نقلتهم من عنقي لأضعهم على عنقكم فرفقا بهم وبجرحانا .

وذات ليلة وبعد عودته من الجبهة زار الشيخ مستشفى الزنتان وتفقد الجرحى وكان مرهقا يكاد لا يقف وعند توقفنا أمام احد الجرحى وكان في غيبوبة وأصابته خطيرة جدا إلا أنه كان يذكر اسم الله ويحمده ويردد الشهادة فبكى الشيخ بكاءً مراً ما عهدته به وبكينا جميعا تأثراً لذلك .

وفي لقاء آخر روى أحدهم أنه وفي جبهة الغنائمة التي أصيب فيها عدد من الشهداء والجرحى وكنا قد أسرنا مجموعة من جنود الكتائب تم تجميعهم وطلب الشيخ من أحد القادة الميدانيين حراستهم ومنع التعدي عليهم ومعاملتهم بالحسنى وفي ذات الوقت كان الشهداء لا يزالون بذات الموقع لم يتم نقلهم بعد وطلب أحد أسرى الكتائب أن نحضر له سجائر فاغتظنا لذلك إلا أن الشيخ نهرنا وقال أعطوه ما يريد .

محمد المدني هو خريج أرقى جامعة عرفتها البشرية وأرقى هيئة علمية عرفتها الإنسانية تمنح شهادة الأركان وقيادة الجيوش ، جامعة عريقة خرجت قبله دهاقلة وأساطين القيادة والرئاسة في التاريخ ، جامعة لا مثيل لها بالعالم هي جامعة المسجد فالشيخ كان خريجا للمسجد وإماما به وسبقه من الخريجين القادة الكبار العشرات والعشرات أولهم الصحابة والتابعين السابقين الفاتحين ، وتلاهم القادة المجاهدين بكل ربوع العالم الإسلامي وفي ليبيا سبقه بالتخرج من هذه الجامعة كثيرون بينهم الشيخ عمر المختار ومحمد البوسيفي واحمد البدوي الازهري ومحمد الإمام وسليمان الباروني وغيرهم كثيرون.

في 1/5/ 2011 م انتقل الشيخ محمد المدني إلى الرفيق الأعلى بعد أن فتتت جسده الطاهر رصاصات الغدر والخيانة وهو واقف كالطود العظيم يفاوض أبناء جلدته عسى الله أن يهديهم إلى جادة الصواب ويناشدهم التسليم قائلاً .. نحن أهلكم ولا نريد آذيتكم لا تخافوا .. عليكم الآمان سلموا انفسكم ..

وهكذا حتى أصيب في رجله فقام من جديد يناشد المحصورين التسليم وحقن الدماء ولكن ملائكة الرحمن كانت قربه تتجهز لقبض تلك الروح المؤمنة الخاشعة الخاضعة للرحمن الرحيم واخترقت الرصاصات الجسد من جديد وفاضت الروح وبكت الثورة شيخها البطل وزغردت النساء وتعالى صوت الرصاص وسالت دموع الثوار جزعاً وحزنا وكمدا وحبا للشيخ القائد الأب والأخ والرمز.

اليوم وفي ذكرى استشهاد الشيخ محمد المدني وبلادنا أمام مفترق طرق نريد أن نقول أن الشيخ محمد المدني ورفاقه كانوا يعرفون تماما ما يريدون ومحددين بدقة هدفهم من ثورتهم المباركة .

فقد نحتوا ذلك الهدف على الرصاص وعلى أشهاد المقابر وفوق علم الاستقلال العزيز . هدفهم باختصار كان بناء دولة المساواة والعدل والتقدم والتنمية ولم يكن في المطلق هدفهم : السلطة والحكم أو الانتقام والتشفي والإقصاء أو المال والذهب والقصور أو التعدي على حقوق الناس وكرامتهم وإذلالهم أو استعراض العضلات والقوة والإرهاب .

ثورة تلد دولة متقدمة عادلة : هذه هي المعادلة البسيطة التي حاول الكثيرون الحياد عنها ولم يفلح الكثيرون في فهمها .

المئات من المستثورين وأشباه الثوار وظلال الثوار لم يفهموا هذه المعادلة ولطخوا الثورة بتصرفاتهم الإجرامية ووشحوها بوشاح ليس منها ولا لها .

فهذا يريد السلطة وذاك يريد المال والآخر يريد الانتقام وغيره يريد إرهاب الخصوم وكله باسم ثورة فبراير وهي منهم براء.

____________

المصدر: أخبار ثوار الزنتان على الفيس بوك

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *