رفيق الشهيد وهو شهيد وإبن شهيد وشقيق شهيدين
ولد محمد علي يحي معمر بقرية تكويت بضاحية نالوت بليبيا في سنة 1949م.
درس المرحلة الإبتدائية في مدينة جادو حينما كان والده مديرا لمدرستها المركزية ثم مديرا لمعهد جادو للمعلمين، ودرس الاعدادية في نالوت، والثانوية بمدينة غريان.
أثناء دراسته في المرحلة الثانوية، بين عامي 1965م \ 1966م تحديدا، انتسب إلى حزب التحرير الإسلامي عن طريق أحم المعلمين بمدرسة غريان الثانوية، وهو الاستاذ المربي عزمي عطية، فلسطيني الجنسية.
وفي غريان كتب أول محاولاته الشعرية، ولم يتجاوز عمره السبعة عشر ربيعا، وجاءت القصيدة بعنوان (أحلام غريب).
وبعد حصوله على شهادة الثانوية، التحق بكلية التربية بجامعة طرابلس، وتحصل على درجة الليسانس في اللغة العربية في عام 1972م. وعقب خطاب زوارة الذي أعلن فيه القذافي عن ما أسماه “الثورة الثقافية” في أبريل 1973م، تم اعتقاله هو ومجموعة من المثقفين والحزبيين والمستقلين المهتمين بالشأن السياسي الوطني، وكانت تهمته الإنتماء إلى حزب سياسي محظور وهو “حزب التحرير“، وأُحيل إلى غرفة الإتهام في أول يوليو 1974م التي قضت ببقائه مع تسعة من زملائه والإفراج عن الباقين.
قُدم في 27 ديسمبر 1974م مرة ثانية إلى غرفة الاتهام ومعه زملاؤه التسعة، وقضت المحكمة بالإفراج عنهم، وتم إطلاق سراحهم فعلا. ولكن محمد علي يحي تم القبض عليه مجددا في ذات اليوم ، وحكمت عليه محكمة الشعب برئاسة أحمد محمود الزوي في عام 1977 بالسجن مدة خمسة عشر عاما مع الأشغال الشاقة، ولكن معمر القذافي غير الحكم إلى المؤبد.
قضى محمد فترة من اعتقاله في نفس المعتقل مع والده حيث كان والده الشيخ علي يحي معمر معتقلا ضمن مجموعة من المشائخ والكتاب المعتقلين وكانوا أول من طالتهم أيدي السلطة الغاشمة بعد خطاب زوارة المشؤوم.
عقب قيام القذافي بتغيير الحكم من عشر سنوات إلى مؤبد، قرر محمد الفرار من السجن، وبالفعل تمكّن من تحقيق هدفه عبر خطة محكمة هرب بها خارج السجن (سيأتي ذكر تلك الخطة بالتفصيل لاحقا)، ثم استطاع التسلل خارج ليبياعبر الحدود التونسية وتمكن بعد فترة من الزمن اللجوء إلى مصر حيث استقر بها لاجئا سياسيا لعدة سنوات.
أثناء إقامته في مصر، التحق بكلية دار العلوم بالقاهرة لمواصلة دراسته العليا، وتمكن من إعداد مسودة البحث المطلوب لنيل شهادة الماجستير، غير أنه لم يستمر لانشغاله بالعمل الوطني، حيث انضم في البداية إلى تنظيم الحركة الوطنية الديمقراطية الليبية، ثم شارك في تأسيس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي إعلن عن تأسيسها في السابع من أكتوبر في 1981م.
انتخب محمد عضوا باللجنة التنفيذية، في المجلس الوطني الأول للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا المنعقد بالمملكة المغربي في مايو 1982م، وانتخب لاحقا أمينا لأمانة اللجنة التنفيذية، ثم في الدورة الثانية للمجلس الوطني الإنتقالي للجبهة المنعقد في العاصمة العراقية بغداد في يناير 1985م ، تم انتخابه نائبا لرئيس المجلس الوطني للجبهة، ثم كلف برئاسة المجلس في العام 1990، بعدما استقال الاستاذ عاشور الشامس من منصب رئاسة المجلس وانسحب من الجبهة.
في الجانب التنفيذي، كلف محمد برئاسة تحرير مجلة الإنقاذ في منتصف 1986م، وكان مقيما وعائلته في مدينة لكسنغتن بولاية كنتاكي بالولايات المتحدة الأمريكية، وشغل ذلك المنصب حتى وفاته.
كتب محمد العديد من المقالات والبرامج الإذاعية، لبثها في إذاعة “صوت الشعب الليبي ـ صوت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا” وكان ذلك عندما كانت الإذاعة تبث برامجها من أم درمان ـ السودان. كما كان كاتبا متميزا في مجلة الإنقاذ ومنها افتتاحيات المجلة إبان فترة رئاسته هيئة تحريرها، والتي استمرت من منتصف 1988م إلى يوليو 1994م تاريخ وفاته.
كتب محمد بعد أسماء مستعارة منها سالم نوح، وعبدالله فرج، ويحي خالد، وسعد العاقل، وأحمد عسكر ومحمد محمود يحمد.
وفي المجلس الوطني الثالث الذي انعقد في أبريل 1992م في مدينة دالاس بولاية تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية انتخب عضوا بـ “الهيئة القيادية” للجبهة.
توفي محمد غرقا في أحد شواطئ بانما سيتي، بينما كان في إجازة مع أطفاله في ولاية فلوريدا، ودفن في مدينة ليكسنغتن بولاية كنتاكي يوم 9 يوليو 1994م.
كان رحيل محمد مفاجئا، بعد حياة حافلة بالعطاء والتضحية والإبداع، ونزل خبر وفاته صاعقا على رفاقه في الجبهة وفي الجالية الليبية في مصر والولايات المتحدة الأمريكية وفي ليبيا ونعتبره من الشهداء كغريق، وإبن شهيد، وشقيق شهداء ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله قبولا حسنا مع الصديقين والشهداء .
***
قصة هروبه من السجن
بعد سنة ونصف من الإعتقال، قُدم أعضاء حزب التحرير ومن ضمنهم محمد إلى محكمة الجنايات برئاسة القاضي المختار هويسة، فقرر القاضي الإفراج عنهم لعدم وجود الأدلة حول التهم المسنودة إليهم، وكان واضحا أن هناك خلل في الجوانب الشكلية في القضية، حيث أن الإجراءات التي تم بها الاعتقال كانت مخالفة للقانون الجنائي، وأن الاعتقال لم يكن بناء على قرار من النيابة العامة، وإن الاعتقالات كلها تمت بناء على خطاب القذافي في مدينة زوارة التي سميت فيما مدينة النقاط الخمس، حيث أن خطاب زوارة المشؤوم شمل على خمس نقاط .
وبعد أربع ساعات من الإفراج عنهم أصدر القذافي أوامره لإعادة اعتقالهم ووضعهم في ما كان يعرف بسجن “الحصان الأسود” الواقع في أحد الأحياء القريبة من وسط المدينة.
ولتخفيف التوتر الذي تزامن مع هذه الإجراءات التعسفية والمخالفة لأحكام المحكمة الجنائية قرر القذلفي نقل سجناء حزب التحرير إلى سجن الجديدة الواقع خارج مدينة طرابلس، وتم وضعهم في قسم تتوافر فيه الشروط المعيشية (!!) ، وبدأ نظام القذافي باستجلاب بعض المشائخ لمناقشة شباب حزب التحرير في أفكارهم.
وفي سنة 1977م قرر القذافي عرض كل القضايا على محكمة الشعب التي بدورها أصدرت أحكاما على أعضاء حزب التحرير تراوحت بين خمس سنوات وخمسة عشر عاما، وكان من نصيب محمد السجن لمدة 15 عاما.
القذافي لم تعجبه الأحكام رغم قسوتها واعتبرها أحكاما مخففة فقرر تغييرها كلها إلى “المؤبد“. عندها قرر محمد وضع خطة للهروب من السجن، وأسر محمد رغبته لبعض أقاربه الذين زاروه في المعتقل، وبدأ في إعداد خطته للهروب، وكان لابد عليه أن يسرع في تنفيذ خطته قبل أن يتم نقل السجناء إلى سجن الحصان الأسود الذي يصبح من الصعب تحقيق هدفه بالهروب من المعتقل. ذلك أن سجن الجديدة لم يكن من السجون التي تعتمد على أقصى درجات التأمين والحراسة.
بدأ خطته المحكمة بتعمده عدم حضور الجمع الصباحي بين الحين والآخر، بحجة النوم المتأخر، وكان في كل مرة يتعرض للعقاب بسبب هذا الغياب ولكنه كان صابرا ومحتسبا لكي يحقق هدفه رغم قسوة العقوبة.
استطاع محمد أن يجعل الحراس يتعودون على غيابه بعض الأيام من الحضور للجمع الصباح، حتى أن الحراس لم يعودوا يكترثوا بذلك كثيرا، رغم أنهم كانوا ينزلون العقوبة عليه بقسوة أشد في كل مرة يتأخر في النوم ـ حسب اعتقاهم ـ. وكان محمد يهدف بذلك أن يعطي لنفسه فسحة من الوقت عند اقدامه على الهرب من الإبتعاد عن السجن قبل أن يكشف أمر هروبه.
ثم بدأ محمد في القيام يمارس بعض التدريبات الرياضية الشاقة في زنزانته ليكتسب اللياقة البدنية التي تمكنه من تسلق سور السجن العالي نسبيا، بحيث يكون لديه بعض الوقت ليقطع فتحة في الأسلاك الشائكة كافية للخروج منها والقفز خارج السجن.
الأمر الأصعب هو الحصول على بعض الأدوات التي تمكنه من فتح بعض الأقفال المغلقة، فقام باستخدام مادة الصابون ومواد أخرى تحصل عليها من زواره لصنع نسخة قريبة من تركيبة المفتاح الخاص بالباب الذي يفضي إلى الساحة الخارجية والتي تفصل مبنى الزنازين عن السور الخارجي للسجن الذي يطل على شارع فرعي.
في الموعد المتفق عليه مع قريب له، وفي النصف الثاني من الليل، قام محمد بوضع ما يشبه الدمية على سريره وغطأه بـ “الجَرْد الليبي” الذي كان بحوزته، وذلك لكي يوهم الحراس الذين عادة ما يراقبون الزنازين عن بعد، بأنه لا يزال نائما في سريره.
وقبل خروجه من مبنى الزنازين، ترك رسالة مع لطفى الحواسي رفيقه في الزنزانة وكان على علم بما كان يخطط له، طالبا في تلك الرسالة من رفاقه تبليغ الحراس على عدم وجوده في زنزانته بعد خمس ساعات من تسلله خارج السجن.
وما أن تمكن محمد من فتح الباب بنسخة المفتاح الذي تحصل عليها من زواره، اتجه مباشرة إلى مبنى إدارة السجن، وتمكن من الوصول إلى سجل الزيارات، فمزق الصفحات التي تظهر أسماء أقاربه الذي كانوا يزورونه في الأشهر الستة التي سبقت هروبه، وذلك تحسبا لأي طارئ إما بفشله في الخروج وبالتالي تعرضه للتحقيق والتعذيب واحتمال كشفه للخطة التي كان يحاول الهرب بها بما فيها من الأشخاص الذين لهم علاقة بمحاولته الهرب، أو أن ينجح في محاولته وبالتالي سيكون من المتوقع أن يتم اعتقال كل زواره في الأشهر الأخيرة والتحقيق معهم تحت التعذيب وبالتالي بقائهم في المعتقل لسنوات بسبب تورطهم في عملية هروبه من السجن.
وبعد نزع الصفحات من سجل الزيارات بدأ في التحرك نحو سور السجن الخارجي وكانت ليلة مظلمة، فاستعان بحوض من الألومونيوم كان في الساحة ويستعمل في غسيل الملابس للتسلق إلى أعلى السور، وبدأ في قطع الأسلاك الشائكة فوق السور مستخدما آلة حادة سربت له من خارج السجن، فأحدث الفتحة التي تمكنه من اختراق الأسلاك الشائكة، وكان من الضروري أن يقوم بذلك دون أن يحدث أي أصوات تنبه الحراس إليه .
قفز من أعلى السور وهبط على الأرض خارج السور واقفا وكان يلهث بسبب الآزما التي كان يعاني من ضيق التنفس بسببها، ولم ينتبه إلى أنه أصيب ببعض الرضوض بسبب صعوبة تسلقه وقفزه أعلى السور.
وما أن تحرك نحو الطريق الساحلي حتى رأى أضواء سيارة قادمة نحوه ومتجهة نحو وسط المدينة، ) فأومأ بيده للسائق، الذي اقترب منه واركبه معه، قائلا له أن وجهته نحو سوق التلات (الثلاثاء) المعروف بأكبر سوق للخضار والفواكه في المدينة، فرد عليه محمد مبتسما بأنه أيضا ذاهب إلى نفس الاتجاه.
ترجل محمد من السيارة شاكرا السائق واتجه مباشرة نحو الطريق الرئيسي المؤدي للساحل الغربي لمدينة طرابلس نحو جنزور والزاوية، فتوقف له سيارة أخرى متجهة للمكان الذي يريد، وما أن اقتربت السيارة من المنطقة التي تسكن بها عائلته، نزل من السيارة شاكرا للسائق مساعدته، واتجه مباشرة نحو أحدى نوافذ الحجرة الخاصة بشقيقه حسن وكان الوقت قد اقترب من موعد صلاة الفجر، فأيقظ أخاه بالطرق على النافذة.
خرج حسن من غرفته مسرعا وفتح له الباب، ثم هما مباشرة بالخروج وركبا السيارة وانطلقا نحو الجبل الغربي (جبل نفوسة) وتحديدا نحو مدينة نالوت التي تبعد نحو 275 كم من طرابلس، وما أن وصلا إلى أسفل الجبل حتى تركه شقيقه ورجع مسرعا إلى بيته في طرابلس.
بدأ محمد في تسلقه الجبل على الطريق المعبد نحو نالوت، وبعد ساعات وصل بيت صديقه “عيسى علي المقدمي” في الساعة العاشرة تقريبا، وكان بيته في مدخل المدينة. وكانت المفاجأة لصديقه عيسى غير متوقعة، فاستقبله مرحبا وعيناه ترقرق بالدموع، فطلب منه محمد أن يوصله إلى بيت الأخ “ساسي زكري”.
قام عيسى ومحمد بالتحرك مباشرة نحو بيت الأخ ساسي، ولكن لم يجداه في بيته وكان خارج المدينة وبالقرب من منطقة قبيلة “أولاد محمود“، فاتجها إلى تلك المنطقة وكان ساسي في انتظاره فاستقبلهما استقبالا حارا، وهنأ محمد على سلامته، فطلب منه محمد إخراجه مباشرة إلى تونس، وكان ساسي معروفا بخبرته بالدروب الصحراوية التي تعبر الحدود التونسية بطريقة سرية وهي دروب وعرة ولا يعرفها إلا القليل من الناس وأغلبهم يعملون في أعمال التهريب بين البلدين وفي الإتجاهين. فطلب ساسي من محمد أن يرتاح ويطمئن ولا يقلق بل يترك الأمر له، وأعطاه بندقية صيد يعرف محليا بـ “المقرون” وطلب منه أن يخرج للجبل ليروح عن نفسه، ويقوم بصيد نأكله.
وبعد تناولا الغذاء والشاي، طلب ساسي من محمد أن يرتاح لبعض الوقت حيث يحتاج إلى الذهاب إلى نالوت التي تبعد عن المكان 60 كم. وكان الغرض من ذلك أن يطلب ساسي من أخيه أحمد القيام بمهمة إخراج محمد إلى الحدود التونسية، والعودة إلى ناولت بأقصى سرعة.
المنطقة التي بدأ منها محمد رحلته إلى الحدود التونسية تبعد عن 40 كم، وبعد ساعات من رحلة السيارة في المناطق الصحراوية والدروب أغلبها يمر في مناطق من الكثبان الرملية الصحراوية، وبعد أن اقتربت السيارة من المناطق الحدودية طلب أحمد من الأخ محمد أن يستكمل بقية المسافة سيرا على الأقدام حتى يصل إلى نقطة الدورية التونسية، فودعا بعض وعاد أحمد بسرعة إلى نالوت لكي لا يغيب طويلا خارج المدينة.
وبعد ساعة من المشي فوق الرمال الصحراوية وصل محمد إلى نقطة الدورية التونسية، فقد نفسه لهم وشرح لهم وضعه بكل التفاصيل.
أما ما حصل في سجن الجديدة، قام رفاق محمد في الزنزانة الإبلاغ عن غيابه إلى إدارة السجن بعد صلاة المغرب، فأعطوه أكثر من 12 ساعة بدلا من 5 ساعات، حتى يمكنوه من الوصول إلى أبعد نقطة من السجن.
بعدما علمت ادارة السجن بهروب محمد، سادت حالة من الهرج والمرج، وبدأت الإتصالات والتحقيقات والبحث عنه في غابة السجن وطوال الطريق إلى ضواحي مدينة طرابلس وتحديدا في المنطقة التي كانت أسرة محمد تقطن بها، وأيضا في مدينة نالوت مسقط رأسه ومدينة القبيلة التي ينتمي إليها، وأفراد العائلة الأوسع، من الأعمام والأخوال والأصهار وأبناءهم، وهذا ما كان ساسي قد توقعه وبالتالي بقى هو في نالوت وكلف أخاه بإيصال محمد إلى المنطقة القريبة من نقطة الدورية التونسية. بل أن الأخ ساسي قام بأكثر من ذلك حيث خرج إلى مركز ناولت التسوقي، في أبهى ملابسه ليراه الجميع ويؤكدون عدم مغادرته المدينة في أي وقت.
قامت إدارة السجن بتحقيقات مطولة وقاموا بمعاقبة جميع رفاق محمد في الزنزانة بكل قسوة، وربما طال العقاب غيرهم من أعضاء حزب التحرير، ثم نقلوا جميعا في اليوم التالي إلى سجن الحصان الأسود، كأجراء عقابي ضمن سلسلة الإجراءات العقابية الأخرى.
عندما وصلت قوات المباحث العامة إلى نالوت تم استدعاء الأخ ساسي زكري للتحقيق معه، وسُأل عن محمد وهروبه من السجن، فتظاهر بعدم معرفته، مؤكدا أنه كان موجودا طوال اليوم في السوق وسط الناس، ويبدوا أن المباحث تحققت من أقوال الأخ ساسي زكري من خلال التحقيق مع عدد كبير من العاملين في السوق، وبالتالي اتجهت أنظار ضباط الأمن للبحث عن محمد في منطقة الجفارة وقد يكون قد لجأ إلى المهربين في المنطقة الساحلية فكانت الدورية قد ارسلت إلى تلك المنطقة للبحث عن محمد.
في نقطة الدورية التونسية، وبعد الإنتهاء من التحقيق مع محمد في وقت متأخر من النهار فتم الترتيب له بالإقامة تلك الليلة في نفس المكان، وفي الصباح الباكر نقل محمد من دورية إلى دورية حتى وصل إلى مقر الأجهزة الأمنية في العاصمة، وقام مباحث الأمن التونسي بالتحقيق المفصل مع محمد وبعد التأكد من أقواله قررت الدولة التونسية إلى إخلاء سبيله على أن يبقى في تونس لفترة قصيرة ثم عليه أن يغادر تونس إلى حيث يريد، فقام محمد بالسفر إلى القاهرة بطريقة عادية وأقام فيها لعدة سنوات حيث التحق بكلية دار العلوم لاستكمال دراسته العليا، وشارك في تأسيس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا كما ورد، وهناك أكمل نصف دينه بزواجه من السيدة وفاء نشنوش كريمة الشيخ الدكتور محمد أحمد نشنوش رحمه وهو من أبرز علماء ليبيا وكان عضوا بهيئة التدريس في جامعات السعودية ثم في الجامعة الأمريكية المفتوحة رحمه الله، وأنجب محمد والسيد وفاء ثلاثة من الأبناء هم خالد ويحي ولباب،
_______________
نقلا بتصرف عن كتاب “ ضمير وطن: سيرة رجال واجهوا الاستبداد وقاوموه” للمؤلف شكري محمد السنكي ـ مكتبة الكون بطرابلس ليبيا