حسن عباس

الفوضى أنهكت الليبيين والصراعات الجهوية والإيديولوجية والقبلية باتت أدهى من القبضة الأمنية والحكم الديكتاتوري السابق، قال الطبيب الليبي صلاح العقوري لوكالة الصحافة الفرنسية وأضاف: “أن عدداً من الليبيين باتوا يترحمون على ذلك النظام السابق على الرغم من كرههم له“.

كلام هذا الطبيب ليس كلاماً غريباً بل هو يعكس جوّاً عاماً صار شائعاً في دول الربيع العربي.

في ظل تحكّم الميليشيات الليبية بحياة الليبيين، صار العقوري يتمنى عودة القذافي، لبعض الوقت، كي يعيد القليل من النظام إلى البلاد الغارقة في الفوضى. ملايين المواطنين في دول الربيع العربي يفكّرون الآن كما هذا الطبيب الليبي وذلك إما لأسباب عامة مرتبطة بظروف بلادهم أو لأسباب خاصة مرتبطة بتغيّر أحوالهم سلبياً بعد الثورة.

قبل أشهر، كان التونسيون على موعد مع الانتخابات التشريعية في بلادهم. ضجّ العالم بالحديث عن الديمقراطية التونسية الناشئة. ولكن قلّة انتبهت إلى حالة الإحباط الكبيرة لدى التونسيين، والتي ظهرت على هامش الحدث الكبير الذي شهدته البلاد.

في يوليو الماضي، عانت الهيئة العليا المستقلة للانتخاباتمن ضعف إقبال التونسيين على تسجيل أسمائهم على لوائح المقترعين. رئيس الهيئة شفيق صرصار فسّر هذا العزوف بأنه ناتج عن حالة إحباط وخيبةمن الأحزاب التي تصدرت المشهد السياسي بعد الانتخابات السابقة. وقالت منسقة هيئة الانتخاباتفي ولاية بن عروس، ايناس الجليدي، إن مواطنين محبطين من السياسةتعاملوا بشكل غير وديمع فرق التسجيل المتنقلة التي جابت أسواق وشوارع مدن الولاية. بضغط من القوى السياسية، مدّدت الهيئة مهلة تسجيل الناخبين مرتين لمعالجة هذا المأزق. ورغم ذلك لم يسجّل أكثر من مليوني تونسي يحق لهم الاقتراع أسماءهم على لوائح المقترعين.

حين أعلنت هيئة الانتخابات عن نسب المشاركة في الانتخابات التشريعية وقالت إنها فاقت الـ60 في المئة، أسقطت من حساباتها هؤلاء. أبرز مؤشرات الامتعاض التونسي أتى من ولاية سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية. سجلت هذه الولاية الفقيرة والمهمّشة أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات.

في وقت سابق، تساءلت موظفة في وزارة الشؤون الاجتماعية التونسية: “ماذا جلبت لنا الثورة وانتخابات العام 2011؟ لقد جلبت لنا الإرهاب وغلاء الأسعار والفقر وشخصياً كنت أعيش في وضع مادي أفضل بكثير في عهد بن علي“.

أما الشاب كمال الطرخاني الذي شارك في التظاهرات التي سبقت الإطاحة بنظام بن علي وأصيب برصاصة في قدمه فهو محبط من كون الكثير من الناس يقولون له إن أحوالهم كانت أفضل قبل الثورة، وإن الحياة لم تكن بمثل هذه الصعوبة وإننا نحن (الثوار) من دمّر البلاد“.

من ناحيته، يرى الشاب بشير البجاوي (29 عاماً) أن هؤلاء السياسيين لا يستحقون حتى دقيقة واحدة من وقتي. إنهم غير أكفاء. لقد فقّروا الشعب، هم، مثل بن علي، محتالون حتى لو كان مظهرهم محترماً“.

البجاوي هو بائع سجائر كان يمني نفسه بحياة أفضل بعد الثورة. تقدّم بطلبات كثيرة لتغيير عمله ولكن حاله بقي كما كان. أحبطته الثورة لأن أحلامه كانت كبيرة. هذا حال الكثير من التونسيين. في زمن الديكتاتور، بلغ متوسط معدل النمو السنوي للناتج المحلي 5 في المئة بين عامي 1997 و2007 مما جعل تونس في عداد البلدان الأعلى أداءً في الشرق الأوسط.

ولكن معدل البطالة بين الشباب (بين سن الـ15 والـ24) وصل إلى حوالى 31 في المئة. لذلك شارك الشباب بكثافة في التظاهرات. ولكن الآن وجدوا أن وضعهم لم يتحسن بل تفاقمت مشاكلهم.

الامتعاض التونسي من سياسات الأحزاب التي وصلت إلى السلطة بعد الثورة يفسّر تصدّر حزب نداء تونس لنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة. يبالغ من يتحدث عن أن التونسيين اختاروا العلمانيين في مواجهة الإسلاميين. هذا صحيح جزئياً فقط بدليل أن الأحزاب العلمانية العريقة سقطت سقوطاً مدوياً في الانتخابات.

لتكتمل الصورة يجب الانتباه إلى أن حزب نداء تونس يضمّ وجوهاً تولت مناصب كبيرة قبل الثورة ما أكسبها صورة رجل الدولة، وفي هذا حنين ما إلى زمن الديكتاتور.

كما الحال في تونس وليبيا كذلك في مصر. أحبط عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو 2013 وما تلاه من إقصاء للإخوان المسلمين وصدور قوانين تحدّ من حرية التظاهر معظم شباب الثورة.

قبلها كما بعدها شاع في مصر استخدام تعبير حزب الكنبةبقصد وصف حال أغلبية المصريين الذين لا يهتمون بما يجري في بلادهم ويفضلون الجلوس على الكنبة ومشاهدة التلفاز للإطلاع على ما يجري في بلادهم مثلهم مثل أي شخص ينظر إلى مصر من الخارج.

مصر عادت إلى ما قبل 25 يناير لا بل إلى ما هو أسوأ من ذلك كون الدولة العميقةجدّدت شرعيتها. فمستوى الحريات التي يتمتع بها المصريون حالياً أقل مما كان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك ولكن مستوى معيشتهم لم يتحسّن. الآن، يقنع المصريون أنفسهم بضرورة أن يكونوا أطفالاً بررة للأب الكبير عبد الفتاح السيسي.

وضع السوريين ليس أفضل حالاً من وضع جيرانهم العرب ولكن الحرب في بلادهم لا تزال دائرة ولم يعيشوا مرحلة انتقالية كما شعوب باقي دول الربيع. بمعنى آخر لم يختبروا الفشل بجدّية ولا يزال أمامهم وقت ليستفيدوا من تجارب الجيران. رغم ذلك امتعض كثيرون من انتخاب الائتلاف الوطني السوريأحمد طعمة رئيساً للحكومة المؤقتة المعارضة.

لم يفهم السوريون كيف أن الأشخاص أنفسهم الذين أقالوا طعمة، أعادوا انتخابه تحت ضغط دولي. ذكرهم هذا بـالديمقراطية السوريةالتي ثاروا عليها. كذلك امتعض كثيرون من رؤية الفساد معششاً في المعارضة، هم الذين خرجوا ضد الفساد، من ضمن أمور أخرى، ودفعوا الكثير من الدماء.

ففي تقرير لمراجعة حسابات وحدة تنسيق الدعمالتابعة للائتلاف السوري عن العام 2013، قالت شركة ديلويتللمحاسبة إنها لم تتمكن من رصد وتتبع نحو 800 ألف دولار من نفقات الوحدة، بالإضافة إلى أكثر من 265 ألف دولار من المدفوعات النقدية“. أما أكثر الأمور مدعاة لامتعاضهم فهو ممارسة مجموعات المعارضة المسلّحة ما كان يمارسه النظام الأمني السوري.

عند بداية الربيع العربي، حمل كثيرون من العرب أوهاماً حول المستقبل. ظنّت الشعوب الثائرة أن سبب مشاكلها الاقتصادية هو حصراً فساد الأنظمة الحاكمة. وظنّت أن حكامها الجدد سيكونون ملائكة ديمقراطيين. في ساحات الثورات، أقنع الشباب أنفسهم بأن الغد سيحمل إليهم الحرية وتحسّن أحوالهم المعيشية.

سقطت هذه الأوهام لسبب بسيط: كانت أوهاماً. من المؤسف أن البعض روّج لأسطورة تقول إن الحرية أهم من رغيف الخبز. دغدغ هذا الشعار أحلام كثيرين من المسحوقين ولكنهم فور اختبارهم المباشر لهذه المفاضلة اكتشفوا زيفها ولاواقعيتها.

الحنين إلى زمن الديكتاتور هو واقع مؤسف ينتشر حالياً بين شعوب دول الربيع العربي. هو في الحقيقة ليس حنيناً إلى شخص الديكتاتور بل هو حنين إلى بعض ما كانت تقدّمه الأنظمة الديكتاتورية من استقرار أمني وبعض التقديمات الاقتصادية. الديكتاتور هو رمز للاستقرار لا شيء آخر.

في أنظمة ما بعد الثورات تراجع مستوى الأمن وتراجع المستوى المعيشي ولم تزدهر الحريات لا بل تراجعت (باستثناء تونس). الشعوب العربية أخطأت في ترتيب لائحة أولوياتها. قد تستفيد القوى الحيّة التي لم يُصبها اليأس بعد من دروس السنوات الأخيرة فتنجح في صياغة برامج جدية تستعيض بها عن الشعارات التي لا تسمن ولا تغني عن جوع.

وقد لا تستفيد من هذه الدروس وتستمر في استسهال توصيف الأمور وإطلاق الشعارات وهنا تكمن المأساة.

***

حسن عباس ـ رئيس التحرير المشارك لرصيف 22

_____________

مقالات

11 Commentsاترك تعليق

  • Запой – это состояние, которое возникает вследствие длительного употребления алкоголя, приводящее к потере контроля над количеством выпиваемого и формированию как физической, так и психологической зависимости. Оно сопровождается серьёзными последствиями для здоровья и требует немедленного вмешательства.
    Разобраться лучше – [url=https://vyvod-iz-zapoya-11.ru/]наркологическая клиника воронеж[/url]

  • Автомобильный новостной сайт в России https://serviscomfort.ru/ – заходите и вы сможете узнать о последних трендах в автомобильной индустрии, включая новинки, концепты и инновации. Новости, статьи, аналитика добавляется ежедневно, что позволит оставаться в курсе авто новостей

  • First Steroid Cycle: A Few Viable Options

    Option 1: Testosterone Enanthate

    Option 2: Dianabol (Methandienone)

    Option 3: Deca-Durabolin

    Option 4: Masteron

    Option 5: Equivital

    # First Steroid Cycle – A Few Viable Options

    A first steroid cycle is often the starting point for individuals
    looking to enhance their muscle growth and physical performance.
    While there are numerous options available, some compounds
    are more viable than others due to their effectiveness, safety, and availability.

    Below, we explore a few of the most popular choices for
    a first steroid cycle.

    ## 1. Testosterone Enanthate
    Testosterone Enanthate is one of the most common anabolic
    steroids used in cycles. It is derived from testosterone and has a long history of use in bodybuilding circles.
    This compound is well-known for its ability to stimulate muscle growth, enhance
    strength, and improve overall performance.

    – **How it works**: Testosterone Enanthate is an ester form of testosterone that is slowly released into the bloodstream, providing a steady supply of testosterone throughout the cycle.

    – **Benefits**: It helps in building lean muscle mass,
    improving recovery time, and boosting libido.
    – **Potential downsides**: Like all steroids, it can come with
    side effects such as acne, hair loss, and mood swings.
    – **Real-world experience**: Many bodybuilders report noticeable gains
    within the first 4-6 weeks of usage, making it a solid choice for a first cycle.

    ## 2. Methandrostenolone (Dianabol)
    Methandrostenolone, often referred to as “Dbol,” is
    another staple in the world of anabolic steroids.

    It’s one of the most effective compounds available and is frequently used
    by both beginners and advanced users.

    – **How it works**: Dianabol works by acting as a potent androgenic
    steroid that stimulates muscle growth and fat loss simultaneously.

    – **Benefits**: It’s known for its ability to pack on muscle mass quickly, enhance strength, and improve endurance.

    – **Potential downsides**: It can cause side effects like liver damage, hormonal imbalances,
    and acne.
    – **Real-world experience**: While it’s a powerful compound, many users advise using it in small doses
    due to its high potency.

    ## 3. Deca Durabolin
    Deca Durabolin is another popular choice for first-time steroid users.
    It’s known for its versatility and ability to promote muscle growth
    without some of the harsher side effects associated
    with other steroids.

    – **How it works**: Deca Durabolin is a modified version of nandrolone, which means it binds
    strongly to the androgen receptor and promotes anabolic activity.

    – **Benefits**: It’s effective for building muscle mass, improving
    strength, and enhancing recovery.
    – **Potential downsides**: It can cause side effects like gynecomastia (breast enlargement in males) and
    water retention.
    – **Real-world experience**: Users often report significant gains within a 6-8 week cycle, making
    it a great option for those looking to build size without too much concern about side effects.

    ## 4. Nandrolone
    Nandrolone is the basis for Deca Durabolin and is another solid choice for a first steroid
    cycle. It’s been used by bodybuilders for decades and has a well-established track record of effectiveness.

    – **How it works**: Like Deca Durabolin, nandrolone binds strongly to
    the androgen receptor and stimulates muscle growth and fat loss.

    – **Benefits**: It’s excellent for building lean muscle mass, improving strength, and
    enhancing overall athletic performance.
    – **Potential downsides**: Similar to Deca Durabolin, it can cause gynecomastia and water retention in some users.

    – **Real-world experience**: Nandrolone is often used in cycles that last 8-12 weeks,
    with users noting noticeable changes in muscle size and strength.

    ## Conclusion
    When embarking on your first steroid cycle, it’s important to choose a compound that aligns with
    your fitness goals and risk tolerance. Testosterone Enanthate, Methandrostenolone, Deca Durabolin, and Nandrolone are all excellent starting points.
    However, it’s crucial to consider factors like the duration of your cycle, the dosage
    you’re comfortable using, and the potential for side effects.
    By doing your research and consulting with more experienced individuals,
    you can make an informed decision that sets the foundation for long-term success in your bodybuilding
    journey.

    Leave a Reply

    Cancel reply

    Newsletter

    Subscription preferences: *

    Latest Posts

    Primobolan – The safest injectable AAS?

    Anabolic resistance in aging men: how adaptogens can help

    Most common bodybuilding injuries and how to avoid them

    MK-677: Oral growth hormone?

    Serrapeptase 101

    Protein bioavailability: what is it and what are the best sources?

    Ostarine: The perfect beginner anabolic

    COMMUNITY

    Also visit my blog post: how to order steroids online without getting caught [garagesale.es]

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *