بقلم محمد عمر

تجربة البرازيل

تجربة البرازيل وبكل بساطة هي من أنجح التجارب الاقتصادية الحديثة التي جعلت البرازيل في المرتبة السابعة عالميًا من حيث الثراء. بقوة سياسية ونفوذ دولي على أعلى مستوى، والذي يضمن أنها ومهما تعرضت لأزمات حالية حتى ولو بنسبة 10% وهي نسبة كبيرة جدًا فلن تعود أو تقترب البرازيل حتى مما كانت عليه في السابق.

عانت البرازيل منذ عام 1930 وحتى 1975 ولمدة 45 عامًا كاملة من الحكم العسكري وهيمنة رجال الأعمال الذين كانوا يساندون الحاكم بالقوة وتهديد السلاح. ثم إن شعبها لم يكن يمُت للحياة بأي صلة، فظهرت الاحتجاجات وزادت الثورات وتمت مواجهتها جميعًا من السلطة بالتخوين والعنف والقوة كما هو معلوم، فتحول بعدها الشعب البرازيلي إلى أكثر شعوب العالم إجرامًا وذلك لما تركه الحكم العسكري في نفوس الآباء والذي أثر سلبًا على الأبناء، فنفى وأنهى لديهم كل معاني السِلمية أو الاعتراف بسيادة الدولة. فما لبثت أن تحولت معاناة الشعب إلى حرب أهلية عانى منها القاصي والداني فأطاحت بمساندي النظام وهددت ثبات موضعه كما أضرت بالكثير والكثير من فقراء الشعب. لينهار الاقتصاد ويقل العمل وتخرب الدولة عن بكرة أبيها في جميع القطاعات

واضطرت الدولة بعد ذلك للاستنجاد بالبنك الدولي لإعانتها فرفض البنك الدولي إعانتها أو إقراضها بسبب أن الدين العام قد تضاعف بنسبة 900%. ثم توالى بعد ذلك العديد والعديد من الحكام المدنيين الذين حاولوا وبكل الطرق أن يقيموا الدولة من هذا الفشل المُدقع والذي كانت أسبابه تتلخص في تفشي الفقر وقلة الموارد وقيمة العملة التي أصبحت أرخص من التراب حرفيًا. ثم أتى بعد ذلك الرئيس المعروف لولا دي سيلفا. ذلك الرجل الذي ولد فقيرًا وعاش في دروب المجرمين طوال حياته وذاق بجسده بطش العسكريين وإجرامهم فكان أحد المواطنين المهددين بالموت جوعًا.

وكانت الفكرة الأولى التي أخذت عنه أنه سينتصر للفقراء الذين أتى منهم دون مراعاة حقوق رجال الأعمال. كما ظن الفقراء أنه سينظر إلى المال محاولًا الخروج من تلك الحياة المهينة التي عاشها مستمتعًا بثروات البلد على حساب شعبها، لكنه لم يفعل هذا ولا ذاك. بل تقرب من كل فئات الشعب وطمأنهم بصورة المنتصر للفقراء المتساهل مع الأغنياء. فنظر إلى الدولة كمنظومة متكاملة لا يمكن التضحية بفريق على حساب الآخر، فلو أنه طرد رجال الأعمال أو أقصاهم فسيأخذون معهم ما لا يحصى من الشركات والمصانع ومليارات الأموال التي تحتاج الدولة كل قرش منها.

فبدأ الإصلاح بخطة التقشف الكاملة في كل قطاعات الدولة. فلا رفاهيات ولا حفلات ولا إنفاق في غير حاجة. أضاف بندًا في الموازنة العامة يطلق علية الإعانات المعاشية المباشرة. والتى كانت تصرف في صورة أموال نقدية للفقراء لمساعدتهم في مواجهة الفقر، وذلك بعد إلغاء الدعم. فخدم بذلك القانون 64 مليون نسمة وهو ما يمثل 33% من تعداد البرازيليين ككل. وكان متوسط المصروف الشهري 735 دولارًا شهريًا.

رفع الضرائب على الكل عدا من تضمنهم البرنامج السابق، فكان الشعب يعين نفسه بنفسه وأصبح القادر من الطبقتين المتوسطة والثرية ينفقون على من لا يملكون من الفقراء دون أن يشعروا. كما كان رجال الأعمال يفعلون ذلك بكل ترحيب وذلك لأنه قد صدر في حقهم قانون يقلل من فوائد قروض البنوك، مما سهل عليهم المواظبة في مشاريعهم والنجاح فيها.

إلغاء الكثير من العوائق والموانع أمام الفلاحين والمنقبين والباحثين عن المواد الخام بشرط أن أي محصول زراعي أو مواد خام يتم استخراجها يتم بيعها للدولة فقط.

بعد كل تلك البنود كان العائد على الدولة كالتالي:

1– أعاد مليوني مهاجر برازيلي من الخارج.

2- زيادة المستثمرين الأجانب بنسبة 1.5 مليون مستثمر.

3- زيادة حجم استثمارات البرازيل المباشرة بقيمة 200 مليار دولار تصب في الدولة بصورة مباشرة في عام 2011

4- استطاعت الدولة أن تسد عجز المدفوعات من خلال التصدير فقط والذي تضمن البُن، البترول ، الخضار، الفواكة، اللحوم والدواجن.

5- دخلت الدولة مجال التصنيع بخطى ثابته متدرجة سلم التصنيع بسلاسة إلى أن وصلت إلى صناعة السيارات والطائرات. فأصبحت شركة واحدة وهي شركة إمبراير البرازيلية تمثل ما قيمته 37% من أسطول شركات الطيران في الولايات المتحدة.

6- تم تغيير عملة الكوروا زيرو والتي لم يكن لها قيمة إلى الريال البرازيلي المؤقت والذي ازدادت قيمته بزيادة التصنيع وتحسن الاقتصاد تدريجيًا.

7- أصبح صندوق النقد الدولي الذي رفض إقراضهم في 2002 مديونًا للبرازيل بما قيمته 14 مليار دولار في عام 2011.

8- أدخلوا سياحة المهرجانات والتي جذبت انتباه السياح من كل أنحاء العالم مساعدهم في ذلك الموقع الجغرافي المتميز، فاكتسبت الدولة مليون سائح كتعداد ثابت سنويًا. المصدر هنا.

9– ألفت الصين مع جاراتها أوروجواي، باراجواي، فانزويلا وبوليفيا ما يعرف بالحلف الاقتصادي العالمي ميركوسور mercosur. ثم بعد ذلك انتقلت أبعد لتضم نفسها مع الصين والهند وروسيا وجنوب أفريقيا فيما يعرف بمجموعة البريكس. ومن وقتها وهم يضغطون على مجلس الأمن الدولي لضم البرازيل لمجلس الأمن لأنها قد عدت من الكبار ومن أصحاب القوى الاقتصادية التى لا يستهان بها.

كل هذا قد تم في خلال سنوات فقط لتصبح البرازيل من أفقر دول العالم إلى سادس أغنى دولة في العالم، لتتخطى بذلك بريطانيا وتنافس أمريكا على تنظيم كأس العالم وتقوز بتنظيمه، وتنافس أسبانيا على تنظيم دورة الألعاب الأولمبية وتفوز بتنظيمها، وتقرض البنك الدولي والبرتغال وأوروبا.

التجربة الماليزية

ولا يمكن أن نتحدث عن التجربة الماليزية دون أن نتحدث عن الدكتور مهاتير محمد، ذلك الرجل المحب لبلاده بكل صدق والذي استطاع ان يحول ماليزيا من دولة فقيرة إلى نمر اقتصادي يوازي التجربة اليابانية. فتمكن من تغيير وجه ماليزيا والنهوض بها تنمويًا .

أما عن حال ماليزيا قبل النهضة التي أحدثها وأسسها مهاتير محمد، فقد كان الناس يعيشون في الغابات وقد كان متوسط دخل الفرد لا يتجاوز الألف دولار سنويًا، وقد كان أغلب أفراد الشعب يعانون من الفقر الموحش والذي أدى بعد ذلك إلى نشوب صراعات دينية على أشدها بحكم أن ماليزيا بها 18 ديانة، كما أن بها العديد من الأعراق المختلفة التي تتنوع بين المالايا والصينيين والهنود وأقليات أخرى.

بدأ مهاتير محمد منصبه بعدما تقلد منصب رئيس الوزراء ولما سئل عن النهضة الماليزية مؤخرًا في مكتبة الأسكندرية قال: أنه استوحاها من أفكار النهضة المصرية لمحمد علي باشا. فلخصها فيما يلي: عهد علي تحويلها من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الاولية مثل القصدير والمطاط إلى دولة صناعية متقدمه يساهم قطاع الصناعة والخدمات بنحو 90٪ من الناتج المحلي.

وكانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور أن انخفضت نسبة الفقر من 52% إلى 5% في عام 2002 وارتفع متوسط دخل الفرد من 1200 دولار سنويًا إلى 9000 دولار سنويًا ثم انخفضت نسبة البطاله إلى 3%.

أما عن السياسة التي تبناها مهاتير محمد لتصبح ماليزيا البنية المثالية لأفضل الاستثمارات في جنوب آسيا فقد ظهر التعليم والبحث العلمي على خارطة طريقة كهدف أساسي، وبالتالي خصص أكبر قسم من ميزانية الدولة للتعليم والبحث العلمي والتدريب وتأهيل الحرفيين ومحو الأمية وتعلم الإنجليزية، كما أرسل عشرات الآلاف من الباحثيين للدراسة في أفضل جامعات العالم. ثم أعلن للشعب بكل شفافية خطته الإستراتيجية وأطلعهم على النظام المحاسبي الجديد الذي يحكمه مبدأ الثواب والعثاب للوصول إلى ما يعرف الآن بالنهضة الشاملة، فسانده الشعب وناصره وبدأوا بقطاع الزراعة فغرسوا مليون شتله نخيل زيت في أول عامين فقط لتصبح ماليزيا أول دولة في العالم في إنتاج وتصدير زيت النخيل.

أما في قطاع السياحة فحول كل معسكرات اليابانيين التي كانت موجودة خلال الحرب العالمية الثانية إلى مزارات سياحية لتشمل جميع الأنشطة الترفيهية والمدن الرياضية والمراكز الثقافية والفنية. لتصبح ماليزيا مركزًا عالميًا للسباقات الدولية في السيارات والخيول والألعاب المائية والعلاج الطبيعي وغيرها ليصبح العائد من السياحة 33 مليار دولار سنويًا بدلًا من 90 ألف دولار سنويًا خلال 20عامًا فقط.

كما أنشأ واحدة من أكبر الجامعات اللإسلامية في العالم لتصبح ضمن أهم 500 جامعة عالميًا. وأنشأ عاصمة إدارية جدسدة بجانب العاصمة الإدارية التي كان يقطنها مليون نسمة.

تمكن مهاتير مجمد أن يغير حاضر ومستقبل دولته خلال 20 عامًا فقط لتصبح من الدول التي شار إليها بالبنانالرابط هنا

أما عن الدول التي تطبق تلك التجارب حاليًا وبكل دقة.1– تركيا 2– كرواتيا 3– رواندا. وأما عن بلادنا العربية فلم نأخذ من هذا كله سوا تجويع المواطن وفرض الإتاوة والخوف من بطش الحاكم ولا نعرف بالتحديد ما الذي يحدث الآن من إجراءات تقشفية تشبه ماليزيا وهيمنة عسكرية تحاكي كوريا الشمالية ونظام رأسمالي خاص يحكم قطاع الأعمال كالولايات المتحدة وزيادة في الأسعار فاقت اليابان بجودة أقل من المستوى، أو من قمع المعارضين وسطوة الصوت الواحد كما في الصين.

لانعرف بحق ولا تبدو أية ملامح لما نسير عليه من خارطة طريق نحاول الحكومة فرضها على الناس بالقوة أقل ما توصف به أنها عشوائية ولا تنظر إلى مصلحة المواطن بأي حال من الأحوال.

بعض الحلول للوضع الاقتصادي في مصر:

1- حل سفارات الدول التي لا يتواجد بها أكثر من 2000 مواطن مصري وتفعيل عمل السفير الإقليمي على هذه الدول مجتمعة لتقليل حجم المصروفات.

2- النظر إلى أفريقيا بعين مصر الكبرى والحامية التي تتكفل بإنشاء المشاريع والمصانع التي تخدم القارة الإفريقية بأكملها مما سيساعد مصر في إستعادة مكانتها والاستفادة من جميع موارد القارة.

3- تخصيص وزارة للعاملين بالخارج والإهتمام بشؤنهم وتوفير مايلزم لهم لأنهم واجهة مصر الدولية ومصدر العملة الصعبة.

4- تفعيل دور السياحة الداخلية والاهتمام بها لتشمل العاملين في الحكومة والطلاب والسائحين الأجانب مما سيظهر كل مدينة أو محافظة بشكل وطابع مختلف.

5- إلغاء دور المستشارين وأصحاب الخبرات الذين تعدوا سن السبعين والاكتفاء بصرف المعاشات الإجتماعية المتعارف عليها والذين يصل عددهم لما يزيد عن 23000 مستشار في جميع القطاعات لتوفر الخزينة بذلك ما يزيد عن 10 مليارات جنية سنويًا.

6- الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي وتوفير المناخ اللازم للطلاب والدارسين والمعلمين ليرتفع مقام هذا البلد. فلولا أن محمد علي باشا قد قام بتلك النهضة ما تمتع منا أحد بتعليم أو عرف طريق الكتب، ولا نهضة إلا بالتعليم.

7- المزارعون وتوفير ما يلزم لهم مما سيمكنهم من توفير الغذاء لهذا الكم من الناس ولن نصبح بحاجه لاستيراد القمح أو الأرز أو الفواكة من الخارج، فمصر لا تنقصها الأرض أو الأيدى العاملة بل ينقصها التسهيل على الناس ليعملوا بإخلاص.

8- إيقاظ الضمير الذي هو رأس العمل والاجتهاد وسر كل نجاح.

_____________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *