الشهيد الداعية أحمد أحواس (1938-1984)
بقلم عمر العبسو
إن تاريخ ليبيا المعاصر حافل بالبطولات والتضحيات ، فالحركة السنوسية أعطت دفعاً للجهاد في أرض الرباط ، وكانت دعوة الإخوان المسلمين في ليبيا امتداداً لذلك الإرث العظيم الذي خطه الشهيد عمر المختار وتأتي هجرة الإخوة د. عز الدين إبراهيم إلى ليبيا حافزاً ومنارة على طريق الدعوة حيث أعطت تلك الهجرة القسرية دفعاً للحركة الإسلامية الوليدة في ليبيا ، وكان من أوائل الدعاة إلى الله ذلك البطل الشهيد أحمد إبراهيم أحواس ….وسوف نقدم في هذه الصفحات تعريفاً به وبفكره لعل شباب ليبيا يكون خير خلف لخير سلف.
ولادته ونشأته :
ولد أحمد إبراهيم أحواس عام 1938م بـمدينة “جردينة“، أحد ضواحي مدينة بنغازي. انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في عام 1954م،
التحق عام 1960م بالكلية العسكرية الملكية بليبيا، وتخرج منها في 1962م ضمن الدفعة الرابعة (كان الأول على دفعته) .
عمل من 1962م إلى 1969م، كضابط في سلاح الهندسة بالجيش الليبي، وآمر لسرية هندسة الميدان، ومدرس بالكلية العسكرية، ومدرس بمدرسة الهندسة (كان معمر وقتها أحد طلبته).
شارك في عدة دورات تدريبية ودراسية في ليبيا وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية.
ترقى الى رتبة “رائد” قبل انقلاب سبتمبر بثلاثة أسابيع تقريباً، أي في 9 اغسطس 1969م
الشهيد بعد الانقلاب العسكري :
اُخضع بعد الانقلاب إلى الإقامة الجبرية .
ثم اُلحق بالسلك الدبلوماسي، فعمل كأمين ثاني في السفارة الليبية بكوبنهاجن– الدانمرك (1970م-1972م) .
وعمل كأمين أول بجيبوتي– الصومال (1972م-1973م) .
وقائم بالأعمال بعدن– اليمن الجنوبي (1973م-1975م) .
ومستشار للشئون الإسلامية بسنغافورة (1975م – 1976م) .
وقائم بالأعمال بغويانا بأمريكا اللاتينية (1976م-1981م) .
كما تنقل، وعمل في اليمن الشمالي وماليزيا.
متزوج، وله طفل واحد.
البطل أحمد أحواس معارضاً :
استقال من منصبه كقائم بأعمال السفارة الليبية في “غويانا” في فبراير 1981م، وأعلن انضمامه إلى المعارضة الليبية.
شارك في مارس 1981م في تأسيس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، بل أسس جناحها العسكري، وأشرف عليه، وأصبح المفوض العسكري للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، بالإضافة إلى عضوية اللجنة التنفيذية فيها.
استشهاده :
استشهد.. وكما ذكرنا.. يوم الأحد الخامس من شعبان 1404هـ، الموافق للسادس من مايو 1984م.
كان الشهيد أحمد أحواس في مهمة تتعلق بقوات الإنقاذ داخل ليبيا، عندما وقع الاصطدام، بدورية مسلحة قرب مدينة زوارة، فتم تبادل اطلاق النار الذي انتهى باستشهاده.
ولا نستطيع أن نعزل واقعة استشهاد الرائد أحمد أحواس عن وقائع وأحداث الثامن من مايو 1984م (اي بعد يومين من استشهاده)، وما جرى في ذلك اليوم من تصادم بين “مجموعة بدر” التابعة لقوات الإنقاذ وبين قوات النظام الليبي، وما تلى ذلك من أحداث ووقائع انتهت باستشهاد “مجموعة بدر“.
أحمد أحواس : الشهيد الداعية :
جانب آخر.. في مسيرة الشهيد.. لابد أن نتحدث عنه..
فكما أبدع الشهيد أحمد أحواس، في المجالين السياسي والعسكري، أبدع أيضاً في المجال الدعوي. فالشهيد على قدر كبير من الثقافة الإسلامية التي رافقها إحساس بالواجب في دعم.. ومناصرة.. الإسلام والمسلمين. فكان عطاؤه في هذا المجال لا يقل عما بذله في المجالين السياسي والعسكري. لقد بذل أقصى جهده.. وجل وقته.. وماله.. ووظف جميع الامكانيات التي في حوزته.. أو التي وقعت يداه عليها أو تحصل عليها أثناء عمله في السفارات.. وظفها جميعها.. في مساعدة المسلمين ونشر الإسلام والدعوة إليه، وفي دعم ومناصرة الجهود التي تصب في هذا المجال، أينما وجد نفسه، وأينما حل به الزمان. وتأتي جهوده.. على سبيل المثال.. في نشر الإسلام ودعم العمل الإسلامي في “غويانا” وفي “اليمن الجنوبي” عندما كانت تتحكم فيها الماركسية، على قمة انجازات الشهيد في مجال الدعوة.. تلك الجهود التي لم.. ولن.. ينساها له.. الآلاف.. نعم الآلاف.. الذين مهد لهم.. مباشرة أو غير مباشرة.. طريق الهداية إلى الإسلام.
لقد تميز الشهيد.. فوق ما سبق.. بالبساطة.. والبشاشة.. وكان كثير الدعاء..وديعاً.. رابط الجأش.. حاضر البديهة.. دائم الحركة.. ذا مقدرة على تجميع الناس.. وتحريك النفوس.. عاش مع وبين اتباعه.. كقائد وزميل وخادم واخ وراع.. كان شجاعا.. ثاقب النظر.. حريصا على الوقت.
كان من الأقوال التي يُعرف بها، جملته المشهورة التي تقول ” من يصنع التاريخ يصنع المستقبل” . وكان الشهيد يقوم بتقديم برنامج إذاعي تحت عنوان ” كلمات مباشرة“.
يقول عنه “مصطفى محمد الطحان“ في كتابه “نظرات في واقع الدعوة والدعاة“: إن الإنسان الذي يسعى وراء هدف نبيل يتحول إلى رمز عظيم يسمق ويكبر كلما تواضع صاحبه وخفض جناحه لله والمؤمنين.. ويقول عنه في نفس الكتاب: عندما كانت “عدن” تغرق في ظلمات الماركسية، وعندما امتلأت سجونها بالأحرار، وصارت تُحصي على انسانها الحركة والسكنة.. يومها كان أحمد أحواس الضمير الذي ينبض بالحيوية.. والشعلة التي تضيء الدرب للآخرين.. فستبقى.. يا احمد حياً عند ربك.. وستبقى حياً في ذاكرة إخوانك.. وستبقى أحد رموز الكفاح.. التي تلهم شباب هذه الأمة.. كيف يدافعون عن حقوقهم.. بل وكيف يستشهدون.
وعندما سئل من مجلة “الوطن العربي” قبل ثلاثة أسابيع من استشهاده (وبالتحديد في 11 ابريل 1984م) :
ألا تخشى على حياتك؟
أجاب.. ان الموت بيد الله.. واذا كان لابد من الشهادة فإن أمنيتي أن أموت هناك.. على أرض الوطن الغالي.
يقول أول بيت في قصيدة بعنوان “سيشرق الصبح” أهداها “أبو هاشم” من الأردن إلى روح الشهيد أحمد أحواس:
أقدم، فدونك دار الخلد دانية الخلد بالروح، لا بالقول نأتيها
آراء وتصورات وأفكار الشهيد :
.. وحتى نضمن صدقها وموضوعيتها.. لن نخرج عن اقوال الشهيد نفسه.. ولن نتجاوز ما ذكره.. بنفسه.. في مقابلاته مع الصحف والمجلات.. وما ذكره.. في مقالاته.. وبياناته.. وتصريحاته.. بل وما ذكره فوق كل ذلك.. في استقالته الرسمية، التي أعلن فيها تركه للعمل السياسي وانضمامه إلى القوى المعارضة للنظام الليبي.. والتي سنوردها كاملة في هذا العرض.
إليكم.. اذاً.. باقة.. من أفكار.. وآراء.. وأقوال.. ومواقف.. وتصورات.. الرجل الذي قاتل بالكلمات.. وقاتل بالرصاص.. باقة.. يحدثنا فيها الشهيد عن نفسه.. عن الشعب الليبي.. عن النظام.. عن المعارضة.. عن القيادة.. ثم يحدثنا عن البديل السياسي.
يقول أحمد أحواس عن نفسه:
أنا من عائلة متوسطة الحال، أقرب إلى الفقر منها إلى الغنى، والدي تاجر بسيط (توفي والده الحاج ابراهيم الزروق أحواس في مدينة بنغازي في 1987م عن عمر ينهز 75 عاماً )، وقد تعلمت في المدارس الليبية الرسمية (المدارس العامة)، وبدأت معارضتي للنظام منذ أيام الانقلاب الأولى، وكنت أتابع، بجانب الشؤن العسكرية، دروساً مسائية في الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي
ومن حديثه عن نفسه.. ننتقل الى ما جاء في استقالته.. من اسباب.. ودوافع.. ومبررات معارضته للنظام.. يقول الشهيد في استقالته التي اوردتها هنا كاملة:
عرفت معمر القذافي بومنيار (هكذا ورد الاسم في الاستقالة) طالباً بالكلية العسكرية سنة1965م عندما كنت مدرساً بها، ثم عرفته ضابطاً بالجيش الليبي حتى انقلاب سنة 1969م، وعرفته شاذاً في تفكيره وتصرفاته، وما اشد دهشتي وقلقي عندما اصبح على رأس السلطة في ليبيا عبر انقلاب ستظهر الايام من كان وراءه.
لقد رفضت اقتراحاً في الأيام الأولى للانقلاب، بإرسال برقية تأييد حتى لا يفهم منها اعترافي بهذا الوضع المريب، كما عدلت عن فكرة كتابة مذكرة الى القذافي انصحه فيها وأعرض له تصوري لمنهج التغيير المطلوب، وذلك لقناعتي انه لا يؤمن بالحوار ولا يعدل عن رأيه حتى لو تبين له الحق في سواه.
لقد كان من الصعب علي، وأنا أعرف جيداً من هو القذافي، أن أعلن رأيي فيه إبان ذلك التأييد العفوي من جماهير شعبنا الطيب، فاخترت أن أقوم بخدمة ديني وأمتي من أي موقع أوجد فيه.
ولقد علمت من مصدر موثوق ومقرب حرص القذافي على بقائي خارج البلاد فكانت حياتي كلها تنقلاً بين السفارات، كان آخرها في “غويانا” بأمريكا الشمالية.
كنت أتابع أخبار البلاد وأرى بعيني، عندما أعود بين الحين والآخر، الخراب الاقتصادي والتفسخ الخلقي والانحراف العقيدي والفكري والفوضى الادارية والتخبط السياسي، فضلاً عن التذمر الشعبي على كل المستويات وفي جميع القطاعات، واتابع اخبار الارهاب والتسلط والقهر والظلم ومصادرة الحريات والاموال بشكل لم اسمع بمثله في التاريخ القديم والحديث لامتنا.
لقد كانت تؤلمني من الاعماق حماقات القذافي وتهجماته على كل عزيز، واستهتاره بكل المقدسات والقيم، كما كنت استغرب ممن يتبنون افكاره الباطلة ويروجون لها. وكنت أتساءل في نفسي عما يحدث وكيف يحدث وكيف يمكن مواجهته، كما كنت ادرك ان دوراً ايجابياً يتحتم علي القيام به، وقد تنامى لدي هذا الشعور مع تمادي نظام القذافي المتعجرف في ممارسته الوقحة لكل اشكال الظلم والطغيان التي أدت الى ارتفاع كثير من الاصوات المعارضة له في الداخل والخارج واصبح السكوت في نظري تقصيرا لا تبرره كل الاعتبارات التي حالت دون اعلان موقفي منه الى الان.
وان في تجربة العالم مع القذافي وفي خذلانه للقضايا الإسلامية والتحررية وتدخلاته في شئون الدول الأخرى وبالأخص الدول الافريقية والعربية الشقيقة ما يكفي للتدليل على الدور التخريبي الذي يقوم به والذي أدى إلى تدمير سمعة ليبيا ومكانتها بين الدول.
لذلك فإنني وباسمي الشخصي أُدين وبشدة، كل الممارسات الخاطئة التي قام ويقوم بها التسلط القذافي العابث على الصعيدين الداخلي والخارجي.. وأحس إنني أعبر بذلك عن موقف الغالبية العظمى من الشعب الليبي المنكوب الذي ما فتىء يسعى جاهداً للتخلص من هذا الكابوس المزعج بعد أن تكشفت حقيقته منذ الأشهر الأولى للانقلاب النكد.
بناءً على ما تقدم.. أعلن استقالتي من منصبي كمستشار بأمانة الخارجية وكقائم بأعمال السفارة الليبية في غويانا، كما أعلن عن عزمي للوقوف وبكل ما أملك مع كل العاملين المخلصين للعمل الجاد من أجل الإطاحة بهذا الطاغية الذي نكبت به بلادنا العزيزة، لنعيد للشعب الليبي حريته المغتصبة لكي يختار نظام حياته وحكمه ضمن إطار عقيدة الإسلام وشريعته الراسخة وليحقق آماله في العزة والكرامة والازدهار والتقدم.
ولله الامر من قبل وبعد..
وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.
_________________________