بقلم عائدة سالم الكبتي

ملكتي اليوم شخصية قريبة إلى قلبي ونفسي أحببتها حُبّا لا يوصف واعتبرها مَثَلي الأعلى وكما يقول أهل الشام { شخصيه غير } ربط بيننا الاسم المشترك إلا أن مقامها العالي جعلني أحترمها وأقدرها وأجلها وقد كان جميع الزملاء في العمل أو المعارف يأتون إلي راجين تحويل بناتهن أو زوجاتهن المعلمات من مكان إلى آخر.

في البداية اعتقدت انهم لا يستطيعون الدخول إلى تلك المؤسسات النسائية الصرفة وعندما سألت كنوع من الحشرية التي تعتريني في بعض الأحيان وسألت قيل لي : أنه يقال لهم إذا أردتم نقل أي مُدَرّسَة من مكان لآخر عليكم بالأبلة عائدة طالب هي التي تستطيع ذلك. وبما أنهم لا يعرفون عائدة غيري يأتون إلي طالبين المساعدة.

في البداية كنت اذهب إليها وأنا في شدة الخجل من ذلك لكنني فوجئت بها تقول وبكل ثقة : لقد وُضِعنا في أماكننا لتذليل الصعاب أمام المدرّسات لتؤدي الواحدة منهن دورها علي أكمل وجه وطبعا لا يتم ذلك إلا بعد أن تقضي المُدرِّسة الفترة المحددة في مدرسة بعيده عن منزلها، وبعد ذلك يتم تحويلها ولم تُفرّق في ذلك بين أي أحد حتي عندما تعيّنت أنا بالتعليم.

ورغم مكانتي عندها لم أتعين في مدرسة قريبة من بيتي رغم أن منزلي في حي الأندلس ويعتبر من المناطق البعيدة وقتها فتَم تعييني في سيدي المصري ولا فرق في ذلك بين واحدة وأخري.

هي أم فاضلة وزوجة كريمة تزوجت من السيد عمر ألحمداني الذي كان رئيسا لجريدة طرابلس الغرب قبل الأستاذ محمد فخر الدين ولها من الأبناء خمسه كلهم تخرجوا من كليات لها وزنها بين الطب والهندسة وأخلاقهم كريمة كذويهم وهذه نبذه مختصرة جدا عن سنديانتنا الباسقة

هي عائده احمد عمر طالب من مواليد المدينة القديمة بطرابلس عام 1933م ثم انتقلت العائلة إلى ميزران في وقت لم تكن الفتاه تخرج وتتعلم إلا عند العريفة لتتعلم التطريز والخياطة أو القلائل منهن يذهبن الكتاب لتعلّم القران الكريم أو تحجر بالبيت منذ التسع سنوات.

تعلمت ضيفتي الكريمة في المدارس الإيطالية حسب ذلك الوقت ثم تم افتتاح المدارس العربية فدرست فيها ضمن مجموعة قليلة جدا من الفتيات وذلك بتوجيه من الوالد الكريم الذي كان من المستنيرين ومحبّي العلم.

فدرست خمس سنوات متتالية دون وجود كتب ولا منهج ولا تخطيط، فقط الاعتماد على المدرسين الأكفاء الذين لم يبخلوا بعلمهم على التلاميذ وقدموا لهم ثقافة تفوق حتى قدراتهم.

واعتمدت عائدة علي نفسها وأصبحت تقرأ كثيرا وتثقف نفسها بنفسها وتتقدم للامتحانات مع التلاميذ البنين وكان هناك شهادة تسمي الكفاءة من يتحصل عليها يصبح مؤهلا للتدريس فتقدمت للامتحان ونجحت وبدأت بالتدريس تبع إدارة المعارف وقتها، هذا بالإضافة إلى أن الوالد كان حريصا علي تعليمها بإحضار مدرسين لتعليمها وتثقيفها.

ثم عُينت بعد ذلك مديرة لمَدرَسة ابتدائية، ثم مفتشة فنية مع الأبلات الفضليات صالحة ظافر، وخديجة حورية، وآمنة الزّقعار تحت رئاسة السيدة الجليلة جميلة الإزمرلي وهي أيضا سيدة لعائلة التركي ،ثم تركت الابلة جميلة العمل فتولت سيدتنا الفاضلة رئاسة التوجيه الفني إلى أن فُتح مكتب التعليم الخاص بالبنات وهناك مكتب آخر للبنين.

وتولت الأبلة عائدة رئاسته وأصبحت مديرة تعليم البنات إلى سنه 73م، ثم تم التغيير نظرا لوفاة أحد أبنائها ورغبتها بالابتعاد فتم تحويلها إلى مديرة لمدرسة قرطبة الثانوية إلى أن خرجت للتقاعد.

هذا بالإضافة الي حضورها الكثير من المؤتمرات داخل وخارج البلاد واستقبال الوفود التعليمية، وترأست جمعية النهضة النسائية والاتحاد النسائي ومحو الأمية بالاضافة إلى الأنشطة الإجتماعية الخاصة بالمرأة والطفل في منظمة اليونيسكو.

كانت حياتها حافلة بالنشاطات المختلفة وهذه الصور المرفقة تمثل تلك الحقبة المهمة من تاريخ ليبيا السعيد ويظهر في الصور رائدات ليبيا الفضليات ونشاطاتهن ومقابلتها لوفود من العالم ومنظمة اليونيسكو والأمم المتحدة ولقائها بالزعيم الجزائري المناضل أحمد بن بلاّ .

هذه الصفحة لا تفكفي لتذكر دور هذه السيدة الرائدة المناضلة وتاريخها المليئ والحافل بالنشاطات وهذا جزء بسيط.

فلتسامحني أبلتي الغالية لأنني لم أوفيها حقها علي

______________

المصدر: صفحة الكاتبة على الفيسبوك

مقالات