عمر الكدي 

بالرغم من اختلاف أنماط الإنتاج إلا أن الملابس وحدت الشخصية الليبية، مع وجود اختلافات هامشية فرضتها البيئة واختلاف المناخ بين الجنوب والشمال، باستثناء الطوارق والتبو الذين ارتدوا ملابس تختلف عن بقية الأعراق.

من أين جاءت هذه الملابس التي جعلت مظهر الليبيين مختلفا عن جميع جيرانهم؟

ولماذا شذت ليبيا عن المغرب الكبير وهي جزء منه في كل شيء؟

ففي تونس والجزائر والمغرب سادت الملابس البربرية. البرنوس الخشن الذي تهذب في المغرب بفضل التأثيرات الأندلسية.

أما موريتانيا فتركت لتراثها الصحراوي العربي وهذا يعني أن البربر في ليبيا كانوا يرتدون ملابس تشبه ملابسهم في تونس والجزائر والمغرب، إلا أن ليبيا تعرضت لتأثيرات رومانية وإغريقية أكثر من غيرها، وبالتالي كانت ملابسها مختلفة.

يزعم بعض النشطاء أن الرومان والإغريق هم من أخذ الملابس الليبية وعممها على الإمبراطورية، وهذا يتناقض مع المنطق فالمركز الحضاري هو دائما المؤثر وليس الأطراف المستهلكة للحضارة.

ويستشهدون بوجود التوكمية عند القبائل الليبية القديمة، وأحيانا يستشهدون بالأشكال المطرزة على العباءة الليبية وهي رموز محلية بكل تأكيد، ولكنها لا تعني أن العباءة نفسها مصدرها ليبي.

فمن الواضح أن الجرد أو العباءة الليبية جاءت من الرومان، والتوكمية قديمة جدا فقد ظهرت في ملابس السومريين منذ فجر الحضارة، فهي تلبي حاجة عملية بتثبيت الرداء عند الكتف.

وثمة من زعم أن الإمبراطور الليبي سبتيموس سفيروس نشر العباءة الليبية التي حملها معه من لبدة الكبرى حيث ولد، ونسوا أن سبتيموس عسكري محترف ارتدى معظم حياته الملابس العسكرية وهو يتدرج في رتبه.

وذلك مثلما فعل نشطاء الأمازيغ الجزائريين مع شيشنق، الذي ادعوا أنه أمازيغي غزا مصر وحكمها، وحتى الآن لا نعرف من أي الأقوام التي سكنت ليبيا خرج شيشنق، ولكننا نعلم أنه ابن عائلة مهاجرة ليبية قد تكون من الليبو أو التحنو أو المشواش أو الجرمنت.

ولد شيشنق في مصر وتدرج في المناصب العسكرية حتى تمكن من السيطرة على السلطة، وأسس الأسرة الثانية والعشرين، وارتدى طوال عمره الملابس المصرية.

الفرملة والقميص والسروال وغطاء الرأس جميعها جاءت من البلقان واليونان، لا نعرف من أين جاءت كلمة فرملة ففي اللغة العربية لا تعني الصديري وإنما تعني الكبح والتوقف المفاجئ.

كما لا نعرف من أين جاءت كلمة كبّوس أو طاقية أو شنّة، وإن عرفنا أن كلمة معرقة مشتقة من العرق، فكبوس ليست عربية لأنها تدل على فعل كبس، بينما تعني كلمة طاقية غطاء الرأس في العربية وجمعها طاقيات وطواقٍ، لأنها تطوق الرأس من جميع الجهات، وكلمة شنة تعني في العربية القديم والعتيق وأيضا العبوس والتجهم، وعندما وصلت الطاقية إلى تونس أطلقوا عليها اسم الشاشية، التي تعني أيضا في العربية غطاء الرأس.

عندما وصلت الحملات العسكرية العربية إلى شمال أفريقيا، كان أفرادها يرتدون معظم الوقت الملابس العسكرية، ولكن مع وصول المستوطنين من قبائل بني هلال وبني سليم، كانوا بالتأكيد يرتدون نفس الملابس التي لا تزال القبائل العربية ترتديها في دول الخليج.

وبالرغم من مرورهم بمصر وإقامتهم بعض الوقت هناك، إلا أنهم لم يحضروا معهم شيئا من الملابس التي كان يرتديها المصريون.

وبالتالي فإن الملابس الليبية التقليدية تشكلت خلال الحقبة العثمانية التي استمرت خمسة قرون في ليبيا، وصل خلالها العديد من شعوب البلقان التابعة للدولة العثمانية، من جزر اليونان وقرى الأناضول والأرناؤوط الألبان والبوشناق في البوسنة والهرسك، وحملوا معهم ملابسهم التي كانوا يرتدونها في قراهم، والتي وجدها الليبيون عملية وتصلح لكل أنماط الإنتاج الخمسة.

وهكذا وحدت الملابس بين الليبيين، في حين فشلت السياسة والمذاهب الفقهية والتقسيمات القبلية في ذلك.

تميز أهل طرابلس بارتداء الطاقية السوداء، بينما ارتدى أهل برقة وزوارة وتونس الطاقية الحمراء، وتتميز الطاقية الليبية عن التونسية بوجود بروز في أعلاها، بينما الشاشية التونسية مسطحة.

ووجود هذا البروز لتثبيت البصكل، وهو حزمة من الخيوط الحريرية السوداء تتدلى خلف الطاقية مثل ذيل الحصان، ويبدو أن البصكل نقل من الطربوش التركي أو المغربي إلى الطاقية الليبية، وإذا حج أحدهم يرتدي بعد الحج معرقة بيضاء وفوقها الطاقية السوداء أو الحمراء ليطلق عليه لقب حاج.

الرداء النسائي أيضا جاء من الرومان فالمرأة الرومانية كانت ترتدي رداء طويلا، تثبته في وسطها بحزام وتغطي رأسها بنصفه الأعلى، وفي ليبيا ثبتت المرأة الرداء بتوكمية على الكتف وتغطي رأسها بالنصف الأعلى من الرداء قبل أن تتحزم بما تبقى منه.

كما توجد أغطية للرأس مصنوعة من السعف يرتديها الرجال والنساء أثناء العمل تحت الشمس، ويبدو أنها جاءت مع العرب من اليمن وجبال عسير.

وكانت النساء ترتدي نعلا خفيفا يسمى الكموش، مبطن في الشتاء بالصوف، ولا يعرفن الجوارب والملابس الداخلية. المرة الوحيدة التي كانت المرأة الريفية ترتدي فيها لباسا داخليا يصل إلى الركبتين عندما تذهب إلى الطبيب، وتقول وهي تضيق ذرعا بهذا اللباس، «وكان بيطزولي يبرة شنو اندير».

في الصيف ترتدي جميع النساء والبنات منديلا على الرأس، وفي الشتاء ترتدي النساء المسنات عصابة زرقاء، بينما كانت العمامة شائعة بين كبار السن من الرجال في جميع أرجاء ليبيا، فهي تقي من حر الجنوب ومن برد الجبال، ورأيت رجالا من الرعاة يرتدون نعلا مصنوعا من جلد أحمر متين، وتحت النعل ثبتت قطعة منتزعة من عجلة سيارة.

كما رأيت على شواطئ طرابلس رجالا يرتدون لباسا داخليا مصنوعا من أكياس الدقيق عليها ثلاثة أصفار، بينما تدخل النساء إلى الماء بأرديتهن التي تطفو خلفهن مثل جنود هبطوا إلى الماء بالمظلات.

ويمنع الاجتهاد في اللبس فعلى الجميع أن يرتدي ما يرتديه الناس، وفقا للمثل «كول زي ما تبي والبس زي ما يلبسوا الناس»، وأول رجل من قريتنا ارتدى السروال الإفرنجي، قال له أحد الشيوخ ساخرا، «شكلك تقول رافع على ظهرك شكارة فيها دلاعتين».

___________

مقالات