الكثيرون لم يسمعوا بهذه السيدة التركية الأصل: زهرة رمضان آغا العوجي التي تزوجت المجاهد عمر الشغيوي الهوني وهو من أحد قادة المقاومة الليبية في منطقة الواحات، وكان ذلك المجاهد صديقا مقربا لوالدها.

وقبيل عودة أسرتها إلى اسطانبول، طلبها المجاهد وهو يودع صديقه التركي فتزوجها وانتقلت معه لتعيش في بلدة هون، وانجبت منه ثلاثة أطفال هم محمد وإدريس وحسن.

وفي معركة (قارة عافية) ضد جيش غراسياني وقع المجاهد عمر الشغيوي وعدد من رفاقة في الأسر، وتم إعدامه شنقا مع كومبة (18)من رفاقه المجاهدين أمام أهالي بلدة هون في 15 نوفمبر 1928.

وتم ذلك المشهد في في موقع أطلق عليه فيما بعد اسم ميدان الشُهداء“. وبعد استقلال ليبيا تم تشييد نُصب تذكاري في نفس الموقع سنة 1961 بمجهود أهلي ذاتي تطوعي و لا يزال قائماً.

اشتهرت السيدة زهرة آنذاك بصبرها وشجاعتها أثناء وبعد إعدام والد أطفالها الثلاثة وكانت مواقفها تلك حديث كل الناس في هون والمناطق المجاورة.

رفضت السيدة زهرة بعد استشهاد زوجها أن تغادر ليبيا رغم ضغوط الطليان وإلحاحهم على ذلك، لكي يتبدد تأثير حضور شخصيتها الشجاعة فى نفوس بلدة هون، بل وفى ذاكرة المجاهدين الليبيين فى ذلك الزمن جميعا، ولكنها أصرّت، رغم رغبة أسرتها وإلحاحهم، على البقاء فى ليبيا وتربية أولادها الثلاثة على الأرض التي استُشهد من أجلها زوجها.

وبعد قرارها البقاء في ليبيا اختارت مقر سكناها في مدينة طرابلس، وتفرغت لرعاية أولادها وتعليمهم، والاعتماد على نفسها في التغلب على مصاعب الحياة وشظفها.

وتدبرت أمرها كامرأة متعلمة ومثقفة، فبادرت إلى تخصيص ركن من بيتها الذي تقيم فيه وحولته إلى (مدرسة خاصة) لتعليم الفتيات وتمكينهن من تلاوة وحفظ القرآن وتعلم القراءة والكتابة، والحصول على قدر من الثقافة العامة والتأهيل المهني المناسب (خياطة وتطريز وتدبير المنزل ) وكذلك اهتمت بترقية السلوك الشخصي وحسن التعامل مع الآخرين مما يمكن أن نسميه الآن، دروسا في التربية الوطنية .

وما أن انتبه سكان المدينة إلى الدور التعليمي والتهذيبي والتنويري التي تقوم به هذه السيدة الفاضلة، حتى أخذ  الجميع في التهافت على الحاق من يعنيه أمره من الفتيات بمدرسة (العريفة الزهرة).

وتحولت العريفة الزهرةإلى منافس كفء وجدّي للمدارس الابتدائية التي كانت دولة الاحتلال، قد شرعت في إقامتها للناشئة الليبية من الجنسين !

واتسع  صيت مدرسة المرأة المجاهدة حتى لم يعد من سكان طرابلس وضواحيها من لم يعرف هذه السيدة بالاسم ولا يفاخر بأن بناته أو أخواته قد تعلمن على يديها .

 ولو شاء ربك وظهرت، هذه المرأة الشجاعة، والمربية الفاضلة، أرملة  الشهيد عمر الشغيوي، في أي بلد آخر من الأرض غير ليبيا، لكان لها مقام رفيع وشأن آخر ! ولحظيت بالتكريم والتمجيد الذي حظيت به نساء أخريات عظيمات في التاريخ .

فما قدمته هذه السيدة كبير جدا في زمنها، أقله أنها لم تنكسر ولم تضعف وهي تشاهد زوجها وأعناق ثمانية عشر رجل من رفاقه تتدلى من أعواد المشانق، فلم  تفكر في العودة الى وطنها الأم ..  الى تركيا، لعلها تجد بين أسرتها ما يشجعها على المزيد من الصبر والتأسّي أمام هول الفاجعة التي نكبت بها !

بل تماسكت، وتجلدت، وصممت فى شموخ وكبرياء على تحديّ الفاجعة، وتحدي القتلة الطليان الفاشيست، والبقاء وجها لوجه أمام سلطانهم على تراب الوطن .. وطن الشهيد زوجها وأبنائها الثلاثة !

وعلى يد هذه الأم الشجاعة الفاضلة تربىّ أبناؤها محمد وإدريس وحسن رحمة الله عليهم جميعا.

كان للراحل محمد عمر الشغيوي، عبر تجربته الإدارية و دوره المُميز في الهيئة الرياضية العليا نموذجا مثاليا لكوادر ورجال دولة الدستور والبرلمان والمؤسسات التشريعية الحديثة وسيادة القانون، وكان من أبرز الرجال الشرفاء والمؤهلين فى ذلك العهد.

أما إدريس فإن ما اتصف به من إنحياز لا يعرف التوقف للفن المسرح والنشاط الرياضي والشأن العام كافة فكان صوته بين الاصوات القوية في شوارع المدينة إستنكاراً للكثير من الممارسات مما حدى به الى خوض معركة الإنتخابات النيابية (64-65).

أما السيد حسن الشغيوي فقد أصبح يعرف بالإعلامي الكبير والصحفي البارز الذي لقبه الوسط الصحفي يومها بشيخ النقاد الرياضيين في ليبيا وكان هو من وضع اللبنات الأولى لمدرسة التعليق الرياضي في مطلع الستينيات والتي تخرّج منها بعد ذلك عدة أسماء أبرزها الأستاذ محمد بالراس علي.

____________

مقالات