كريمة ناجي

خبراء يحذرون من اختراق موسكو لمكون الـتبو بغية الحصول على حاضنة اجتماعية جنوب البلاد

***

تسعى روسيا إلى الاستفادة من المكونات العرقية والقبلية لتجنيد عناصر إضافية في صلب الفيلق الأفريقي الروسيحتى تصل إلى العدد المستهدف والذي يقارب 45 ألف عنصر من متعددي الجنسيات، والتي لا تنحصر فقط في الجنسيات الأفريقية بل تشمل أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية.

أكد مركز جيمس تاون الأميركي للدراسات الإستراتيجيةأن الروس تواصلوا مع الـ تبو، وهو مكون عرقي في ليبيا له امتدادات قبلية في عدد من الدول الأفريقية مثل تشاد والسودان والنيجر، ويتوزعون على مناطق عدة في الجنوب الليبي على غرار مدينة الكفرة الواقعة أقصى الجنوب الشرقي الليبي، ويتقاسمون شريطاً حدودياً مع تشاد ومصر والسودان، وتتربع في محيطه قاعدة معطن السارةالتي تتخذ منها روسيا موطئ قدم لها بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024، حيث تستخدم روسيا قواعد ليبية عدة مثل قاعدة الجفرةوالقرضابيةوالخادموبراك الشاطئوالويغوتمنهت“.

وتحظى قاعدة معطن السارةالواقعة أقصى الجنوب الشرقي لليبيا بموقع إستراتيجي مهم، باعتبار وجودها داخل المثلث الحدودي الذي يربط ليبيا مع تشاد والسودان، ما يجعل الوجود الروسي هناك محركاً إقليمياً مهماً في المنطقة الأفريقية الملتهبة بالتجاذبات السياسية والصراعات الأمنية.

ورقة القبائل

وبرزت روسيا كمنافس دولي لفرنسا وإيطاليا على ورقة القبائل الليبية عام 2017، حين توسط فريق الاتصالات الروسي للصلح بين قبائل الطوارقوالـ تبوجنوب البلاد مع حكومة الوفاق الوطنيعلى خلفية التهميش الذي تعانيه هذه القبائل، وهو تدخل فُسر وقتها على أنه استغلال روسي للأقليات العرقية الليبية لمحاولة إيجاد موطئ قدم لها في الجنوب الليبي الغني بالثروات والموارد الطبيعية، والمنفتح حدودياً على أكثر من بلد أفريقي.

ويقول المستشار السياسي إبراهيم الاصيفر إن انفتاح روسيا على الأقليات العرقية الليبية ليس وليد اللحظة بل يعود لأعوام مضت، ولكنه برز للضوء الآن بسبب تركز قوات الفيلق الأفريقي الروسيفي قاعدة معطن السارةالمهجورة منذ أعوام، بحكم أنها كانت المقر الرسمي للقوات المسلحة الليبية خلال حربها على التشاد عام 1987″.

ويؤكد الاصيفر أن التواصل الروسي مع قبائل الـ تبوالملقب أفرادها بـ أمراء الصحراءوقبيلة الزوية العربية، وقد دار بينهما صراع تاريخي، ضرورة حتمية يتطلبها استمرار الوجود الروسي في هذه المنطقة، مضيفاً أن توفير مناخ مستقر أمنياً واجتماعياً بين القبائل الليبية المنتشرة قرب محيط قاعدة معطن السارةعنصر ضروري للوجود الروسي هناك، بخاصة أن هذه القاعدة مهمة لتوسيع النفوذ الروسي في الساحل والصحراء الأفريقية.

بديل لحفتر

ويوضح المتخصص في الشأن الليبي أن تفكير روسيا في التواصل مع الأقليات العرقية الليبية ليس اعتباطياً، بخاصة أن أفراد قبائل الـ تبووالطوارقيلقبون بـ أمراء الصحراءلأنهم يعرفون الصحراء والممرات الآمنة جيداً، ولهم امتدادات قبلية في بلدان أفريقية أخرى عدة مثل تشاد والنيجر والسودان، وهي مزايا يمكن لروسيا أن تستغلها لتكوين جيش ظل لها في عدد من الدول الأفريقية، من دون الحاجة إلى وجودها الرسمي على الأرض.

وينوه لاصيفر بأن التمركز الروسي في قاعدة السارةيمكن أن يسهم في فتح ممرات عبر الصحراء لتهريب البشر والمعادن على غرار اليورانيوم عبر البحر الأبيض المتوسط، ويرى أن روسيا تنتهج الطريقة نفسها التي كان يتعامل بها القذافي مع ملف الجنوب الليبي، حيث تغيب القوة العسكرية وتحضر الدبلوماسية الاجتماعية، عكس التعامل مع مدن الساحل، لأنه يعرف أن التركيبة الاجتماعية في مدن الجنوب لها خصوصية تجب مراعاتها.

مؤكداً أن التقارب الذي حدث أخيراً بين معسكر الرجمةالذي يقوده خليفة حفتر والولايات المتحدة الأميركية، جعل روسيا لا تثق كثيراً في قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر لأنها تعرف جيداً أن الضغط الأميركي قد يدفعه نحو الارتماء في أحضان أميركا في مقابل التخلي عن روسيا.

ولذلك تتجهز موسكو الآن لمرحلة ما بعد حفتر ويبدو أنها لم تجد سلاحاً أفضل من الدبلوماسية الناعمة للتغلغل وسط التركيبة الاجتماعية للقبائل في مدن أقصى الجنوب الشرقي الليبي، على غرار الكفرة التي توجد بها قاعدة معطن السارةلكي تؤمن وجودها في هذه المناطق عبر ضمان حاضنة شعبية لها، ولا سيما أنها تعي جيداً أن قبائل الجنوب الليبي على غرار الـ تبووالطوارقلها امتدادات في دول أفريقية تطمح روسيا إلى أن يكون لها فيها موطئ قدم مستقبلاً، على غرار التشاد، خصوصاً بعد الفراغ الذي تركه انسحاب القوات الفرنسية والأميركية هناك.

تمدد غريب

ويقول العميد عادل عبد الكافي إن روسيا استطاعت أن تمرر أجندتها داخل ليبيا وأن تنفذ إستراتيجيتها منذ بداية عام 2018، بسبب الفراغ الذي وجد في البلد على خلفية تراجع الدور الأميركي في ليبيا وشمال أفريقيا، مما مكنها من السيطرة على قواعد ليبية إستراتيجية عدة، مثل قاعدة الخادمفي بنغازي وقاعدة الجفرةوسط ليبيا وقاعدة براك الشاطئفي الجنوب والسارةفي الجنوب الشرقي الليبي.

ويصف عبد الكافي التمدد الروسي نحو قاعدة معطن السارةبالغريب لأنها بعيدة جداً في عمق الصحراء الليبية وتبعد من مدينة الكفرة 400 كيلومتر مربع، ويؤكد أن المنطقة المحيطة بـ معطن السارةصحراوية بالكامل وقريبة من الحدود التشادية – السودانية، مما يجعلها مرنة لنقل الأسلحة عبر الطائرات نيوجنوالـ أنتونوفمن الأراضي الليبية نحو قواعد الحديقة الخلفية لدول الساحل والصحراء الأفريقية أو غرب أفريقيا، وتحديداً مالي والنيجر وبوركينافاسو.

ويبرز عبد الكافي أن روسيا معروفة باستغلالها العوامل الاجتماعية للأقليات العرقية التي تعيش حال إقصاء وتهميش، وهي عوامل تعانيها قبائل الـ تبووالطوارقالموجودة في عدد من الدول الأفريقية ومنها ليبيا، منوهاً بأن روسيا تعمل على تجنيد مزيد من الأفارقة لدمجهم في الفيلق الأفريقي الروسي، خصوصاً أنه متعدد الجنسيات من ليبيا بوركينافاسو وتشاد والسودان والسينغال وغيرها.

فروسيا تسعى إلى الاستفادة من المكونات العرقية والقبيلة لتجنيد عناصر إضافية في صلب الفيلق الأفريقي الروسيحتى تصل إلى العدد المستهدف للفيلق والذي يقارب 45 ألف عنصر من متعددي الجنسيات، والتي لا تنحصر فقط في الجنسيات الأفريقية بل تشمل أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية.

ويقول عبد الكافي إن روسيا تستغل حال الصراع والعداء بين الأنظمة الأفريقية والمكونات العرقية والقبيلة لتقوية قبيلة على حساب أخرى، وتجنيد أبنائها للقتال في صفوف مرتزقتها، وهي أداة من أدوات روسيا لتنفيذ إستراتيجيتها في المنطقة، إذ سبق وجندت عناصر عدة من قبائل أفريقية للقتال في صفوف قواتها خلال حربها على أوكرانيا“.

_____________

مقالات