كمال بن يونس
يصادف شهرا يناير وفبراير، وتحديدا يوم 27 يناير، من كل عام بالنسبة للعسكريين والسياسيين التونسيين الذكرى السنوية للهجوم الذي قام كومندوس مسلح مدعوم من النظامين الليبي والجزائري على ثكنات الجيش والأمن في مدينة قفصة في الجنوب التونسي، ضمن عملية تبنتها “الجبهة القومية لتحرير تونس“، التي كانت قياداتها تتدرب في ليبيا ولبنان.
وقد تسبب الهجوم المسلح في أزمة سياسية وأمنية طويلة بين تونس والنظامين الليبي والجزائري وحلفائهما في المشرق العربي، خاصة بعد أن أعلنت الأطراف العربية التي دعمتها عسكريا وسياسيا واعلاميا، وبينها اطراف فلسطينية ولبنانية “قومية يسارية“، أن من بين أهدافها إسقاط النظام التونسي بزعامة الحبيب بورقيبة ورئيس حكومته المرشح القوي لخلافته الهادي نويرة، والذي كان في خلاف قوي مع القذافي لعدة أسباب من بينها قربه من باريس وواشنطن وبقية العواصم الغربية.
الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس التقى محمد العماري الضابط السابق في جيش المدرعات في الجنوب التونسي، الذي عايش الأحداث، باعتبار الوحدات العسكرية في محافظات الجنوب والوسط دعيت للتدخل في منطقة قفصة لمحاصرة “ثوار الجبهة القومية” والسيطرة على الوضع ميدانيا، وأجرى معه الحوار الآتي:
س ـ السيد محمد العماري.. كنت يوم 27 يناير من 1980 عسكريا في جيش المدرعات في الجنوب التونسي، عند اندلاع المواجهات المسلحة الدامية في مدينة قفصة في الجنوب الغربي التونسي (التي تبعد عشرات الكيلومترات فقط عن الحدود الجزائرية).. كيف عشت ذلك اليوم والأحداث التي أعقبته وتطورت إلى تأسيس إذاعة تبث من ليبيا سميت “إذاعة قفصة، صوت الثورة التونسية“، في مرحلة كان فيها النظام الليبي بقيادة القذافي وعبد السلام جلود ورفاقهما “القوميين العرب” في تونس والجزائر قد نظموا سلسلة من العمليات الأمنية والعسكرية التي حاولت إسقاط النظام التونسي أو إرباكه بسبب معارضته مشاريع تقدم بها مرارا رسميون جزائريون وليبيون بتشكيل “وحدة ثلاثية تمهيدا للوحدة العربية الشاملة“؟
ـ أولا نحن كعسكريين وطنيين اعتبرنا تلك العملية عملا إرهابيا ومنفذوها إرهابيين.. ومازلت أعتبرها كذلك.. وكنت وقتها عسكريا في فوج وحدة المدرعات في ثكنة الجيش الوطني في قابس شرقي الجنوب التونسي .
سمعنا فجرا بالهجوم المسلح على مدينة قفصة ووحداتها العسكرية والأمنية، فصدرت الأوامر إلينا بتعزيز قوات الجيش فيها فانطلقنا مع دباباتنا وأسلحتنا الثقيلة مع حوالي التاسعة صباحا. ووصلنا في حدود الثانية ظهرا إلى المعسكر فيها .
وقد علمنا فور وصولنا إلى قفصة أن “فوج المدرعات والاستطلاع” في مدينة القصرين بقيادة العقيد الطاهر بوبكر سبقنا إلى عين المكان وقام بمهمات استطلاعية وميدانية مكنت من السيطرة جزئيا على الأوضاع وبدء مطاردة أعضاء المسلحين المهاجمين وضرب حصار للإفراج عن العسكريين المتدربين الذين اختطفهم المهاجمون واحتجزوهم في قاعات مدنية خارج ثكنة الجيش والأمن .
في اليوم الموالي وصلت إلى محافظة قفصة تعزيزات عسكرية وأمنية من عدة جهات في البلاد. ونجح فوج من قوات “الطلائع” التابعة لقوات الجيش من تونس العاصمة ومنطقة بنزرت في تمشيط الأحياء التي فر إليها “الكومندوس” المهاجم، وبينها “حي النور” في مدينة قفصة .
كما أنه وقع تعزيز قوات الجيش التونسي في قفصة بوحدتين من قوات المشاة من ثكنات محافظتي الكاف (الحدودية مع الجزائر) وقابس (جنوبي شرقي البلاد).
ورغم توسع الحملات الإعلامية ضد الدولة التونسية والسلطات من قبل إذاعات ليبية وعربية كانت تخاطب الشعب التونسي باسم “الجبهة القومية لتحرير تونس” وتدعوه للثورة على “النظام العميل والخائن والتابع لفرنسا بزعامة الرئيس بورقيبة ورئيس حكومته الهادي نويرة“، ولكن الشعب لم يتعاطف مع “الكومندوس“.
وصدرت مواقف عن النخب تعارض سيناريوهات “الثوريين الوحدويين” المدعومين من نظام القذافي وجناح في النظام الجزائري.
وقد تواصلت الدعاية الليبية والحملات الإعلامية لمدة أسابيع وأشهر، خاصة عبر أمواج “إذاعة قفصة” التي كانت تبث من ليبيا، ووقع تجنيد تونسيين لمخاطبة الشعب عبر أمواجها وحث الشعب التونسي على الثورة والتمرد.
وقد واصلت الإذاعات الليبية الرسمية و“القومية العربية” نشر خطب للعقيد معمر القذافي ونائبه عبد السلام جلود ورفاقهما تحرض الشعب التونسي ومختلف جهات البلاد على “إسقاط نظام بورقيبة ورئيس حكومته الهادي نويرة“.
وشاءت الأقدار أن أصيب الهادي نويرة بجلطة دماغية بعد أسابيع عن الهجوم فغادر السلطة تدريجيا وعين محمد مزالي وزير التربية خليفة له، وهو ما ساهم في تهدئة الأوضاع السياسية بعد أن نجحت قواتنا العسكرية في إجهاض الهجوم المسلح .
…
يتبع
_______________