عبدالله الكبير

يروج المزيفون، أدعياء المعرفة والثقافة، عبر المنابر والمنصات الاعلامية، لخرافة الأمن والأمان في مناطق سيطرة عصابات احترفت ممارسة كل صنوف الاجرام.

القتل، جلب المرتزقة، اشعال الحروب، التهريب، تهجير الناس، تزوير العملة، وجرائم أخرى يتعذر حصرها في هذه المساحة.

 لا يدرك المزيفون قيمة الحرية، شأنهم شأن العبيد، لأنهم لم يمارسوها، وإلا لعضوا عليها بالنواجذ، وبذلوا حياتهم فداء لها، ضد كل من تسول له نفسه محاولة سلبها.
لا يغادر المزيفون أنانيتهم، ومن أجل حفنة من فتات، ينشؤون الخطب والقصائد لترويج الأكاذيب، لتخدير الناس زورا وبهتانا بأوهام الأمن والأمان، بينما الحقيقة على العكس تماما، فأي أمان سيخالج النفوس مع انتشار الخوف؟

هذا الخوف الذي عممته عصابات الاجرام بالقتل في الشوارع ورمي الجثث في مكبات القمامة، وعلى نواصي الطرقات، بالاعتقال لكل من ينشر رأيا لا يتضمن تأييدا صريحا لزعيم المجرمين وعصاباته، بالسجون المليئة بالآلاف في ظروف بالغة السوء.

لا أمان إذا لم يتاح للجميع، ويصبح قيمة طبيعية موازية للحرية، لا تستدعي كل هذا التهليل والصراخ والنفاق الذي يمارسه المزيفون،

لا أمان مطلقا إذا كانت فرق الموت مستعدة لانتهاك حرمة البيوت، وقتل امرأة عبرت عن رأيها بكل هدوء، وبلغة ودية من دون إساءة لأحد، ليس في منابر الخصوم أو الأعداء، بل عبر تلفزيون عصابات الإجرام.

أين الأمان والقتل في الشوارع في عز الظهيرة؟

أين الأمان إذا داهمت عصابة القتلة منتدى ثقافي معروف تعقد فيه ندوة معلنة وليست سرية، متاح للجميع حضورها والمشاركة فيها؟

أين الأمان وقد اعتقلت العصابة كهلا تجاوز الستين، لا يملك سوى صوته وقلمه، مع رفاقه من النشطاء، ثم قتلت أحدهم وزعمت في بيانها أنه توفى بسبب محاولته الهروب.
يتحقق الأمان بالعدل وليس بالظلم والبطش، بالحرية التي يعني فقدها للإنسان الحر فقدان الكرامة والكبرياء، فقدان الصوت والكلمة الحرة، ليتحول إلى كائن مشوه، ليس له من الانسانية سوى الشكل الخارجي.

فبالقمع والظلم يتحول الإنسان إلى طبل تقرعه سلطة الاجرام لتروج لأكاذيبها، ويفقد كل مشاعره وثوابته ومعتقداته ومبادئه، لا يثيره مشهد قتل العشرات بدم بارد على يد قاتل مأجور، وتسري عدوى التحول بسهولة على البسطاء، فيتحولون إلى نسخ مكررة، لا تختلف عن بعضها في شئ، قطيع واحد يتبع الراعي، ما تقرره السلطة هو الحق وعلى الجميع قبوله دون مناقشة.

تماما مثلما جرى لبلدة صغيرة في مسرحية الخرتيت للكاتب يوجين يونسكو، تحول سكانها إلى خراتيت، في مشاهد تحول درامية طالت الجميع، كاشفة سهولة تخلي الناس عن قيمهم ومبادئهم، واستسلامهم للأكاذيب وأوهام الزعامة والوعود بالجنة المقبلة، ماعدا واحد صمد بإنسانيته، رافضا بكل قوة التحول إلى خرتيت

تحت وطأة الاحساس الدائم بالخطر بسبب كلمة، أو موقف، أو رأي، أو وشاية، لا يمكن أن يشعر المرء بالأمان، توليد هذا الشعور في النفس يحتاج إلى ثوابت معززة بالقانون، وليس إلى مزاج الحاكم وجلاوزته.

فلا أمان مع الخوف المزمن من الاعتقال والسجن والتعذيب والتصفية. مع إثبات الولاء وتقديم فروض الطاعة في كل مناسبة، وهنا يجد الانسان نفسه بين خيارين:

إما الهجرة والفرار بحريته وصوته وكرامته من حفلة المزيفين وأوهامهم،

أو التحول إلى خرتيت والانضمام للقطيع، وقبول الأكاذيب كحقائق لا يطالها الشك، بإظهار الولاء والتأييد المطلق للزعيم القائد، وهو وضع لخصه ببراعة الشاعر أبي العلاء المعري في بيت شهير:

جلوا صارما وتلوا باطلا … وقالوا أصبنا؟ قلنا نعم

جاء في التراث الصيني أن الحكيم كونفوشيوس مر على مقربة من جبل تاي، فرأى امرأة تبكي عند قبر، فأرسل أحد تلاميذه مستفسرا، فقالت المرأة: لقد افترس النمر زوجي، وفيما سبق افترس والد زوجي.

فسألها: ولماذا لا تغادرين؟ فأجابت: لاتوجد هنا حكومة ظالمة.

التفت كونفشيوس إلى تلاميذه وقال لهم: أرأيتم؟ تذكروا قولها جيدا، إن الحكومة الظالمة أشد توحشا من النمر المفترس.

نعم، وألف نعم، الغابة بضواريها المفترسة أقل وطأة من سلطة ظالمة، وأدعياء يروجون أكاذيبها وضلالاتها.

______________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *