عمر بوشعالة

بدأت الاتصالات بين السيد بلتوالهيئات الليبية  في طرابلس الغرب وبرقة وفزان، ثم زادت في القاهرة حيث تم الاجتماع برجال الجامعة العربية والمهاجرين الليبيين بمصر.

وقد صرح السيد بلتإنني سأتمسك بقرار هيئة الأمم المتحدة كدستور لا أحيد عنه، لأحقق استقلال ليبيا ووحدتها، وإن سكانها هم أصحاب الحق في تقرير مصيرها، واختيار نوع الحكم الذي يرتضونه، وإنني سأتعاون مع السلطات المحتلة لإقامة جمعية تأسيسية واحدة وإقامة حكومة لأمة ليبية واحدة، واتصل كذلك بحكومات لندن، وباريس، وروما، والأمم المتحدة.

ثم عاد إلى طرابلس في 18 مارس 1950، بعد أن كوّن فكرة واضحة عما يريده السكان المحليون، ووصل في أبحاثه إلى نتيجتين هامتين هما:

• الأولىأن جميع الليبيين على اختلاف مناطقهم يريدون أن يصبح محمد إدريس السنوسي أمير برقةملكاً على ليبيا كلها.

• الثانيةضرورة اختيار نظام حكم اتحادي يشمل الولايات المتحدة الثلاثة، لكونه النظام الوحيد الذي يناسب الأوضاع السائدة في البلاد.

تم اختيار بلتالمجلس الليبي الدولي ويتكون من مصطفى ميزرانعن طرابلس، وعلى الحرابيمن برقة، وأحمد عون السنوسيمن فزان، والسنيور ماكينوالإيطالي عن الأقليات، واجتمع أول مرة في طرابلس وعقد جلسات بلغت 52 جلسة من أبريل حتى سبتمبر 1950. وفي 23 يناير 1951م قدم بلتبعد مناقشة طويلة مع قادة البلاد على المجلس الاستشاري الدولي المقترحات التالية:

1- إن الدستور سيحضر من قبل الجمعية الوطنية ويصدق عليه من قبلها بشكله المؤقت ولكنه سيكتسب صفته النهائية والتعديلات اللازمة إذا اقتضت ذلك الضرورة عن طريق برلمان منتخب من قبل الشعب الليبي بأجمعه.

2- ينبغي أن يُنص في الدستور على وجود برلمان يتكون من مجلسين، مجلس شيوخ يضم ممثلين منتخبين من الأقاليم الثلاث بشكل متعادل، ومجلس نيابي يُنتخب من قبل الشعب بأجمعه.

إن مقترحات بلتهذه لم تستبعد النقد داخل المجلس ولكنه في الأخير كانت قد تمت الموافقة عليها بأكثرية ستة أصوات ضد ثلاثة مع تغيب صوت واحد، وفي رسالة إلى رئيس الجمعية الوطنية كان المستشار بلتقد أوضح بأن ما كان قد ورد في قرار الجمعية العمومية من أن الجمعية الوطنية تقوم بوضع مشروع دستور سوف يكون من شأنه أن يقلل من سلطة الجمعية الوطنية في وضع دستور لليبيا، ولذا فإن من حق الجمعية الوطنية الآن أن تضع دستوراً على أن يكون هذا الدستور قابلاً للتغيير، بعد مدة تكون خلالها الدولة الليبية قد اكتسبت التجربة الدستوري اللازمة وتلمست التغيرات الاجتماعية على أن يكون هذا التغيير من قبل برلمان منتخب.

وفي يوم 24 أكتوبر سنة 1950 قدم السيدبلتإلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة أول تقرير سنوي عن المسألة الليبية، وقد وجه إليه النقد إلى طريقة تعيين الجمعية التأسيسية، فدافع بلتعن أسلوب التعيين بحجة أنه لم يكن هناك متسع من الوقت لإجراء انتخابات عامة في غضون الفترة التي حددتها الأمم المتحدة لتنفيذ القرار الصادر في 21 نوفمبر 1949م.

ووافقت الجمعية العامة بأغلبية خمسين صوتاً ضد لا شيء وامتناع 6 أعضاء عن التصويت. كما أوصت بسرعة انعقاد الجمعية التأسيسية التي تمثل شعب ليبيا تمثيلاً صادقاً على أن يتم ذلك قبل أول يناير عام 1951م على أن تشكل الجمعية التأسيسية حكومة ليبية مؤقتة في موعد أقصاه أول أبريل من عام 1951م على أن تنقل الدول الحاكمة السلطة إلى الحكومة المؤقتة في موعد أقصاه أول يناير عام 1952. وبدأت الجمعية الوطنية أول اجتماع لها في 25 نوفمبر 1950م في طرابلس. وتشكلت من 60 عضواً، يمثل كل ولاية 20 عضواً، وفي جلستها الثانية يوم 27 نوفمبر 1950م، وقررت الآتي:

1- تأليف لجنة فرعية من 12 عضواً لوضع لائحة داخلية، وفي 2 ديسمبر سنة 1950م، وافقت الجمعية على مشروع اللائحة الداخلية.

2- أن تكون قرارات الجمعية الوطنية بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين في الجلسة والمشتركين في التصويت.

3- أن ينظر أولاً في شكل الدولة الليبية المقبلة، الذي انتهى الاتفاق فيه على أن تكون دولة اتحادية.

4- مناقشة شكل الحكومة المقبلة، واستقر الرأي على أن تكون ملكية.

5- أن يطلب الملك إلى الدولتين القائمتين أن تمكناه من تسلم سلطاته وممارستها كإجراء مبدئي لتأسيس الدولة الليبية المتحدة في التاريخ المحدد.

وفي 4 ديسمبر سنة 1950م شكلت الجمعية التأسيسية لجنة صياغة من ثمانية عشر عضواً “6 عن كل إقليمعرفت بلجنة الدستور، كما شكلت اللجنة فرعية من ستة أعضاء لإعداد نص الدستور للجنة، وقامت اللجنة الفرعية بدراسة النظم الاتحادية المختلفة في العالم واضعة في اعتبارها توزيع السلطة بين الهيئات الاتحادية والإقليمية، كما درست اللجنة أجزاء خاصة من الدساتير المختلفة للدول وأعدت جميع نصوص الدستور التي قامت لجنة الدستور بدراستها والموافقة عليها ثم أحالتها إلى الجمعية التأسيسية في سبتمبر من عام 1951م

وفي 24 مارس 1951م تألفت لجنة ثلاثية تمثل الولايات الثلاث برئاسة رئيس الجمعية مفتي الديار الليبية لمباحثة الملك في بنغازي بشأن تأليف الحكومة المؤقتة، وفي 29 مارس سنة 1951م بحثت الجمعية تقرير اللجنة الثلاثية، اتخذت بإجماع قرار بتأليف حكومة اتحادية مؤقتة.

أما بالنسبة للجنة التنسيق وأعمالها فهي تتألف من 8 أعضاء وكان عليها أن تعالج المشكلات الناتجة عن توزيع السلطات بين الحكومات المحلية ودولتي الإدارة. وكان هذا في اجتماع 8 فبراير سنة 1951م.

وفي 21 فبراير عام 1951م أصدرت الجمعية التأسيسية قراراً بتشكيل حكومات إقليمية تنقل إليها السلطات وفقاً للدستور بينما، تنقل إلى الحكومة الاتحادية المؤقتة السلطات الاتحادية. لقد كانت في برقة حكومة مؤقتة منذ 16 سبتمبر 1949م، وفي يناير عام 1950 أقام الفرنسيون في فزان جمعية تضم 54 عضواً، وفي 12 فبراير عام 1950م تم تشكيل حكومة انتقالية برئاسة أحمد سيف النصر.

لكن المقيم الفرنسي ظل يمارس سلطته حتى 29 مارس عام 1951م عندما شكلت حكومة جديدة لتولي السلطات المؤقتة من السلطات الفرنسية. وفي مارس من عام 1951م أصدر البريطانيون بموافقة الملك المعين نقل السلطات الذي أقيمت بموجبه حكومة إقليمية في طرابلس.

وهكذا أصبحت الحكومة الاتحادية المؤقتة والحكومات الإقليمية الثلاث مستعدة للاضطلاع بمسؤولياتها، وفي 12 أكتوبر عام 1951م نقلت إليها السلطة كاملة باستثناء ما يتعلق بالشؤون المالية والخارجية والدفاع، فنقلت السلطات المالية في 15 ديسمبر عام 1951م إلى السلطات الليبية.

في الساعة العاشرة من صباح 24 ديسمبر سنة 1951م أعلن الملك إدريس الأول بصفة رسمية بقصر المنارة بمدينة بنغازي أمام أعضاء الوزارة المؤقتة ومندوب الأمم المتحدة في ليبيا والممثلين الدبلوماسيين للدول الأجنبية، وأعيان من أقاليم ليبيا الثلاثة: “أن ليبيا  التي تشمل برقة وطرابلس وفزان أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة وأنها تعرف الآن باسم المملكة الليبية المتحدة، وبهذا اعتلى عرش الدولة الجديدة متخذا لقب ملك المملكة الليبية المتحدة.

وفي اليوم نفسه الذي أعلن فيه الاستقلال أصبح الدستور الليبي ساري المفعول، وعلى إثر هذا الإعلان قدم محمود المنتصر رئيس الحكومة المؤقتة الدستور الذي أصدرته الجمعية الوطنية واستقالة حكومته، التي قبلها الملك، ثم استدعاه وكلّفه بتشكيل الوزارة الجديدة حيث تألفت على النحو التالي:

ـ محمود المنتصر .. رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية

ـ فتحي الكيخيا .. نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل والمعارف

ـ منصور بن قدارة .. وزير المالية والاقتصاد

ـ علي الحربي .. وزير الدفاع الوطني

ـ ابراهيم بن شعبان .. وزير المواصلات

ـ محمد بن عثمان .. وزير الصحة

وفى ذات اليوم أصدر الملك ثلاثة مراسيم بتعيين ثلاثة ولاة لكل من برقة وطرابلس وفزان، كما تألفت ثلاث حكومات في هذه الولايات ولقب كل عضو فيها باسم ناظر وسميت كل حكومة باسم المجلس التنفيذي“.

___________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *