ينصح أبراهام لوينثال وسيرجيو بيطار المصلحين عبر دورية «فورين بوليسي» بأن «يكونوا مستعدين لتقديم تنازلات، حتى لو لم تتحقق كل أهدافهم الحيوية، وشعر بعض مؤيديهم المهمين بالإحباط».
فغالبًا ما يتطلب استبعاد المواقف المتطرفة قدرًا من الشجاعة السياسية أكبر من التمسك بمبادئ جذابة، لكنها غير عملية.
في غانا رفض جون كوفور، زعيم «الحزب الوطني الجديد»، مقاطعة انتخابات عام 1992، أول استحقاق تشهده البلاد عقب إقرار الدستور الجديد، اقتناعًا منه بضرورة مشاركة حزبه مستقبلًا في انتخابات عام 1996، على الرغم من معرفته المسبقة بإمكانية خسارته.
لكن فوز كوفور اللاحق في انتخابات عام 2000 أدى إلى انتقال سلمي للسلطة عبر صندوق الاقتراع، وهو نمط سيستمر لسنوات لاحقة، حسبما رصد دوجلاس فرح في «واشنطن بوست».
أشباح وثغرات المرحلة الانتقالية
كان كوفور مقتنعًا بعدم إمكانية انتزاع السلطة من قبضة جيري رولينجز، الذي قاد انقلابين ناجحين على مدى 20 عامًا قضاها في سدة الحكم، إلا بهذه الطريقة الطويلة المرهقة.
لكن الأيام أثبتت أن تهديد رولينجز لن يزول بمجرد تسليمه السلطة، بل سيظل شبح الانقلاب محلقًا في الأجواء، وهو ما رسخه رولينجز حين أشار في خطابٍ لاحق بلهجة تحريضية إلى أن كوفور لم يكن يثق في الجيش، غير أن القيادة العسكرية تعهدت بالولاء للحكومة المنتخبة.
ثمة ثغرة أخرى رصدها البحث الذي أجراه روبرت جويس من جامعة برينستون تتمثل في «نقص المعلومات المتبادلة بين الحكومات المنتهية ولايتها والحكومة الجديدة»؛ ما دفع الباحث إلى القول بأن أول انتقال للسلطة عبر صندوق الاقتراع في غانا من حكومة جيري رولينجز إلى حكومة جون كوفور كان سببًا في الانقسام وألحق الضرر بالبلاد.
اتهمت الحكومة الجديدة فريق رولينجز بعدم تقديم معلومات كافية عن ميزانيات الوزارة، والموظفين، وأمور أخرى تسببت في إلغاء أو تأخير عدد من مشاريع البنية التحتية بسبب نقص المعلومات، فضلًا عن إثارة الشكوك بشأن الفساد، وبالتالي استغرقت الحكومة الجديدة أشهرًا لرسم توجهات سياسية واضحة.
وفي المقابل اتخذ كوفور بعض التدابير الاقتصادية غير الشعبية، مثل رفع أسعار الوقود بنسبة 64%، ومضاعفة أسعار الكهرباء والمياه.
التعلم من الأخطاء ومراكمة الإنجازات
كان التحدي الذي يواجه الحكومة الجديدة هو: إعادة هيكلة الإدارة العامة وتحديثها حتى يكون الانتقال التالي للسلطة أكثر تنظيما وتناسقا.
وعلى الرغم من أن ضيق الوقت والمضاعفات السياسية أعاقت الإنجاز الكامل لهه الأهداف، إلا أن المحاولات ساعدت في تخفيف التوترات السياسية في غانا، وتحسين جودة المعلومات المتبادلة بين الحكومات السابقة واللاحقة.
عندما وصلت الحكومة الجديدة إلى السلطة بعد انتخابات عام 2009، عولجت عملية الانتقال بشكل أكثر كفاءة، وكان هناك استمرارية أكبر بكثير على مستوى السياسات؛ ما شكل خطوة مهمة في مسيرة الدولة صوب الديمقراطية.
استشهد المشاركون في المرحلة الانتقالية بعدد من الأمثلة على هذا النجاح في استمرارية السياسات أثناء انتقال السلطة، منها برنامجا التأمين الصحي الوطني والتغذية المدرسية، اللتان واصلت عملهما الإدارة الجديدة وعملت على توسيعهما.
يؤكد وليام فريمبونج–بونسو، الذي عمل على مشروع الحكم المركزي مع الحكومتين الكندية والغانية، على أهمية التقدم – حتى ولو كان بجرعات متواضعة – قائلًا: «انظروا إلى ديمقراطيتنا، من أين بدأنا في عام 1992. تدريجيًا، لقد أصبحنا قادرين على البناء، وها قد وصلنا هنا الآن».
______________
المصدر: ملف “الكفاح الأسمر.. 5 من أبرز تجارب التخلص من «حكم العسكر» في أفريقيا” ـ موقع ساسة بوست