ـ لم يكن خليفة احنيش من الضباط الذين قاموا بانقلاب سبتمبر 1969، حيث كان برتبة رئيس عرفاء وكان من بين عدد قليل من ضباط الصف الذين جرى ضمهم فيما بعد، وكان الوحيد من قبيلة القذاذفة الذي أدخل في تنظيم ما عرف بـ “الضباط الوحدوين الأحرار”.
ـ خليفة احنيش هذا، الرجل شبه الأمي، وهو من الجنود الخمسين الأوائل الذين انضموا إلى الجيش الليبي، عند تأسيسه بعد الاستقلال في عام 1951.
ـ كبر خليفة احنيش بين تكوينين هما: القبيلة والجيش.
ففي القبيلة كان خليفة إحنيش يعيش في عائلة معدومة بصحراء سرت، تنتمي إلى فرع “أولاد عمر” من قبيلة القذاذفة ، وكان يعمل في شبابه راعيا لدى رجل ميسور من قبيلة ورفلة في بني وليد. فهو من قبيلة صغيرة تهيم بين الوديان الجرداء تحت خيامها الرثة، وبين قبائل أكثر منها عددا وعدة وأرضا وأنعاما.
وفي الجيش، كان خليفة يعيش في الجيش كقبيلة أخرى، قبيلة لها لباسها الموحد، ورتبها المختلفة، وكذلك ترابيتها الآمرة، والمطيعة، لها سلاحها وانضباطها. لكنه غير مبنية على صلة الرحم والدم، إنها تحمي ولا تحتاج إلى حماية، قوة تنتقل بين أصقاع البلاد، في تمتلك كل الأرض الليبية، لا تحدها قبيلة أخرى، شيوخها يلبسون الكاكي، ويعطون الأوامر للجميع من دون تمييز. في ذلك الوسط “الكاكي” عاش العسكري خليفة إحنيش، أجواء قبيلة أخرى، وحالة رعي ثانية، ولكن بطقوس مختلفة تماما.
لم تستطع القبيلة الثانية، أن تنسيه القبيلة الأولى، لقد بقيت الأولى محفورة في أعماق أعماقه. (كان خليفة إحنيش قبليا متعصبا متزمتا بامتياز)
ـ لم يعرف خليفة إحنيش مفهوم الوطن، ولم تعن له كلمة البلاد شيئا، سوى أنها الرقعة المنحنية من الأرض التي تضرب فيها عائلته خيامها بجوار بيوت أخرى من الشًّعر تستظل بها عائلات أخرى من قبيلته.
ـ هو من مواليد ثلاثينيات القرن الماضي، ذلك العقد الذي انكسرت فيه مقاومة الليبيين للاستعمار الإيطالي، وتناحرت فيه بعض القبائل، وساد الجفاف، واستشرى الفقر، وهاجر الكثيرون إلى خارج الوطن.
ـ لم يكن من بين قبيلة القذاذفة رجال من ذوي القامات العالية في الفترة التي تشكلت فيها شخصية خليفة إحنيش، كانت قبيلته، إما تابعة لقبيلة أولاد سليمان، أو قبيلة ورفلة.
ـ كان خليفة إحنيش أكثر حماسا وإصرار على تنفيذ انقلاب ستبمبر، وما هو إلا عريف أمي، لا نصيب له من الوعي، أو الثقافة، ومع ذلك غامر بحياته مع حركة انقلابية ترفع شعارات كبيرة على عقله وإدراكه، دافعه لذلك هو وجود ابن عمه على رأس تلك الحركة، وأنه سيكون الحاكم للبلاد.
ـ في اليوم الأول للإنقلاب، ولد خليفة الثاني، خليفة إحنيش القذافي، الذي وضع كل حواسه حول كرسي القذافي، ووضع خليفة الثاني كل حواسه، حول الكرسي القذافي، الذي أصبح بالنسبة لخليفة إحنيش بمثابة الهيكل ، وعلى مدى العقود الأربعة التي أمضاها يطوف حول ذلك الكرس الهيكل، إنه العقيد العقيدة، الذي لم يؤمن إلا بذلك الهيكل.
ـ قبل تأسيس القذافي لأجهزته الأمنية والعسكرية القمعية، وضع خليفة إحنيش في دائرة خاصة جدا، لا يفتح بابها إلى معمر وخليفة، تلك الدائرة هي دائرة أمن الهيكل. لك يتجرأ أي من أعضاء القيادة على الإقتراب من تلك الدائرة، وأصبح خليفة لا يتبع أي شخص. هو في كل مكان، وفي كل موقع، من دون أن يكون له مكان أو موقع.
ـ كان خليفة إحنيش يقود إحباط المحاولات ضد ابن عمه، وهو من رسم كل خطط القمع والتعذيب، ولكنه كان يقف وراء الباب نصف المفتوح ليراقب هؤلاء المقربين.
ـ ترقّى رئيس العرفاء في سلم الرتب العسكرية إلى أن وصل إلى رتبة عقيد، دخل وتدخل في كل شئ له علاقة بأمن معمر القذافي الشخصي، وأمن كرسيه، الهيكل.
ـ وضع خليفة إحنيش قاعدتين يتحرك وفقا لهما:
الأولى، أن الدفاع عن كرسي الحكم ـ القذافي ـ هو الأولوية الأولى والأخيرة. ولتحقيق ذلك لم يلتزم خليفة القذافي بأية ضوابط دينية أو أجتماعية أو أخلاقية أو قانونية. وكان خليفة إحنيش يعرف الحكم القذافي بأنه: “تريس باركة على تريس”. بمعنى أن الحكم في عهد ابن عمه، ليس سوى سيطرة مجموعة، بالقوة، على الجميع.
الثانية، أنه لا يثق في أحد بالمطلق، بمن فيهم أعضاء مجلس قيادة الإنقلاب. كان يقول: “أنا لا أثق حتى بالثقة”. كان يؤمن بمراقبة كل من يحمل سلاحا، وكان يتفرش الشك ويتغطى به، يسخر من أولئك الذين يتحدثون عن القانون، وضرورة اتّباع الإجراءات القانونية عند توجيه التهم إلى الاشخاص، كان يرى بأن هذا الكلام هو بحد ذاته، نوع من التآمر، فيكفي الشك في أي شخص لاعتباره متآمرا ومجرما.
ـ سكنت “المؤامرة” عقل خليفة احنيش، سَرَت في دمه، واستدارت في أنفاسه شهيقا وزفيرا. بعد شهور من (الإنقلاب)، أعلن عن اكتشاف مؤامرة في الجنوب الليبي، سمّيت بمؤامرة سبها، وتم القبض على عدد من ضباط الشرطة والجوازات، وبعض السياسين. اتَّهم خليفة إحنيش محافظ سبها آنذاك “الحاج غيث عبد المجيد سيف النصر” بأنه على رأس تلك المحاولة.
استغل الملازم خليفة إحنيش تلك الأحداث وبدأ في تشكيل مفارز “الحرس الجمهوري” وفي داخل ذلك الجسم تكونت حلقة خاصة أصبحت فيما بعد تعرف بـ “الكتائب الأمنية” يقودها خليفة إحنيش، لا تخضع إلى أي قيادة أعلى، تتبع معمر القذافي مباشرة، ولا يستطيع حتى رئيس أركان الجيش محاسبة خليفة إحنيش ماليا، ولا عسكريا. آمر الكتائب الأمنية هو خليفة إحنيش القذافي، وهو يملك إصدار أمر بالقبض على أي شخص، مدنيا كان عسكريا، مهما كانت درجته أو رتبته.
ـ حاول خليفة إحنيش مرارا إشعال الفتنة بين ورفلة ومصراته، مستعملا حطب المؤامرة، التي نسبت إلى الرائد عمر المحيشي المصراتي، وقد نجح في ذلك. تحرك أيضا بقوة، لإشعال ما يمكن إشعاله من الحطب بين قبيلة المقارح وورفلة، ولكنه فشل.
ـ الذين يعرفون خليفة جيدا، في جبل نفوسة، يقولون أن أمه من الأمازيغ، وكان يحمل إسم خليفة الجبالي، قبل أن يعدل إسمه. حاول خليفة من دون توقف إذكاء نار الخلاف العرقي بين الأمازيع والعرب. كما أنه خاض معركة أخرى لم تتوقف، وهي حشد أكبر عدد من القبائل في كل أنحاء ليبيا للإنتساب إلى قبيل القذاذفة، ونجح رئيس العرفاء بين تجار القرابة، ولكن، كان يدرك أن تلك القرابة كانت مكتوبة بحبر المصالح.
ـ أينما كان خليفة إحنيش، وأيا كانت الرتبة التي وضعها على كتفه، فقد كان حارس ـ الهيكل القذاف ـ استعمل كل الأسلحة، النارية، والاجتماعية، والمالية، نسج المؤامرات، ونقش حفريات الأنساب، وطاق حول القبائل، والمعسكرات، والمزارع، والنجوع، يدفع، ويجلب.
ـ نشرت صحيفة ديرشبيغل الألمانية خبرا مفاده أن خليفة إحنيش من أصل ألماني. وورد إسم (حنيش فيتوبو بن خليفة) من بين أسماء الليبيين المدرجين بالجدول المرفق بالقانون رقم 57 لعام 1970 بشأن وضع اموال وممتلكات 620 شخصية تحت إدارة الحارس العام، كما تكرر الإسم نفسه بالجدول المرفق للقانون رقم 84 لعام 1970 الذي قضى بأن تعود إلى الدولة أموال وممتلكات 607 من يهود ليبيا كانت أموالهم وممتلكاتهم قد وضعت تحت الحراسة.
______________
المصدر: تم اقتباس هذه الفقرات (بتصرف من المحرر) من كتاب “أشخاص حول القذافي” للكاتب عبدالرحمن شلقم (دار الفرجاني ـ 2012)
***
المحرر: هذا ما سطره قلم عبدالرحمن شلقم، ولكنه لم يتطرق إلى العديد من الجرائم التي أشرف عليها خليفة إحنيش القذافي، والتي تجعله من أبرز الشخصيات التي ساهمت في هدم الدولة الليبية بل من أهم شخصيات جيل الهدم.
__________________