يوسف عبد الهادي

برقية سفير بريطانيا

25 مارس، 1963

لقد اطلعتَ على برقياتى بخصوص تغيير الحكومة و تعليقاتي الأولية. في هذه الرسالة سأحاول أن أجيب على السؤال لماذا سقطت حكومة بن عثمان؛ ولماذا سقطت في هذا التوقيت؛ و ما هو معنى اختيار فكيني؛ وماذا يعنى هذا التغيير لمستقبل ليبيا بصفة عامة و لنا بصفة خاصة.

جزء من الإجابة عن السؤال الأول هو تزايد الاستياء بسبب حجم الفساد يقال ان عبد المولى لنقي استقال بسبب هذا الخصوص قبل عدة ايّام من سقوط الحكومة ( ولكن لم يتم الإفصاح عن الاستقالة علنياً)؛ و النواب الذين قاطعوا افتتاح مجلس النواب في البيضاء في شهر ديسمبر الماضي، و هم الذين كانوا مسؤولين بدرجة كبيرة على الإطاحة بحكومة كعبار منذ عامين ونصف، قد قدموا عريضة الى الملك في أواخر شهر ديسمبر احتجاجا على انتشار الفساد. والمشاكل التى ظهرت نتيجة التعديلات الدستورية (مثال، مشكلة ابوقيطين ، التى كانت موضوع المرفق الثاني لرسالتي رقم 10135 بتاريخ ١٨ مارس بناء على حديثي مع علي الساحلي) قد تكون عاملا مشاركا. ولكن انا اميل الى الاعتقاد الى ان هناك شعور كبير لمدة طويلة أن بن عثمان قد قضى وقت كافي و بدون شك خلق عدد من الأعداء.

وعلى كل حال، كان هناك شعور واضح منذ عدة أسابيع أن هناك شئ ما في الأجواء، وتنبؤات بتعيين فكيني أصبحت تقوى يوميا، وعندما حدث التغيير، تفاجاء به معظم الناس. (هذا بكل تأكيد شملنى انا) و يجب أن أعتقد أنه فاجأ بن عثمان نفسه. بحيث لا أجد أى سبب أن يجتمع معى لمناقشة بعض الأمور من الساعة السادسة إلى الساعة السابعة والنصف ليلية استقالته.

وبالإضافة إلى ذلك، هو حدد موعد لمقابلة السفير الألماني في اليوم التالي. عندما تحدث معى، خصص جزء كبير من المحادثة على مخططاته للشهور القادمة، وكما تذكر انه اثناء حديثي مع علي الساحلي يوم 17 هو توقع أنه سيكون هناك تغييرات وزارية ولكن رئيس الوزراء سيبقى.

يبدوا أن الكفّة كانت تتأرجح بين بن عثمان أو فكيني الى آخر لحظة. معظم التخمينات في طرابلس بعد سقوط بن عثمان، كانت تتعلق بكيف نجح بن عثمان في صد محاولة عزله يوم ٦ مارس وليس بأسباب عزله يوم ١٩ مارس.

بكل تأكيد، بعض الآراء تقول أن هذا ليس هو الوقت المناسب لتغيير الحكومة. آثار زلزال المرج والإجراءات الإدارية نتيجة التعديلات الدستورية كلها عوامل ضد قرار تغيير الخيول في هذا الوقت ( ولكن بصراحة هناك دواعي لسواعد جديدة و قوية لتنفيذ هذه التعديلات).

وكان هناك قصص خصومات بين بن عثمان والقصر وهى التى في النهاية حددت مصيره، من أهمها كان هناك اختلاف في وجهات النظر بخصوص منح عقود المباني الجاهزة لمدينة المرج.

ولكن المعارضة للرئيس الوزراء السابق كانت تتسارع، بهذا الخصوص بعد ان عبّر عن قلقه عن الوضع الداخلي، وهذا كان واضحا من حديث بن عثمان معى يوم ١٨، قرر الملك ان التغيير مطلوب لتجنب أى اضطرابات. واحتمال أن يكون كان هناك بعض التأثيرات الاخرى على الملك.

والان نأتي الى السؤال الثالث، ما هو تأثير اختيار فكيني؟.

أقوى مؤهلات فكيني هو في مجال الشؤون الخارجية. انا أعتقد أنه من المحتمل نتيجة الأحداث الاخيرة في الشرق الأوسط، بدايةً بثورة اليمن في أكتوبر الماضى، و نهايةً بانقلابات العراق وسوريا، قد يعتبر الملك أنه من المناسب أن يحمي ليبيا من رياح التغيير في العالم العربي لأسباب داخلية وخارجية.

يوجد داخليًا تعاطف كبير مع التغييرات الجديدة في الشرق ( بكل تأكيد ان العناصر البعثية هنا بصفة خاصة تشجعت بها)، خارجيًا، بكل تأكيد ان الملك لا يمكن أن لا يكون مدركاً أن ايّام الأنظمة الملكية في العالم العربي أصبحت معدودة.

دعت صحيفة الرائد بطرابلس المستقلة في افتتاحياتها في تعليقها على تغيير الحكومة لإنهاء عزلة ليبيا في الشؤون الخارجية. ولذلك قد يكون فكيني الأداء المختارة لاتباع سياسية خارجية (وعربية) إيجابية ( شئ جدير بالملاحظة ان من أوائل قراراته هو بعث برقية تأييد لموقف بين بيلا ضد اختبارات فرنسا النووية في الصحراء و برقيته يوم الجمعة الي الجامعة العربية بمناسبة عيد تأسيسها التى كان أقوى من البرقيات المعتادة)؛

وتعيين سيف النصر عبد الجليل كوزير دفاع، قد يعتبر من ضمن أشياء اخرى، انغماس في سياسة موالية لمصر ولذلك جزء من نفس النمط (ولكن قال قائد البعثة البحرية البريطانية، الذي عقد اجتماع رسمي معه ان وزير الدفاع تحدث بدفئ نحو تعاون بين ليبيا وبريطانيا في مجاله)

أما بخصوص مواقف فكينى، فيبدو ان السفارة الامريكية لها وجهة نظر متحفظة. حسب تقرير وزارة الخارجية الامريكية فان تجربته كسفير لليبيا لأمريكا ومندوبها في الأمم المتحدة، وسعت مداركه.

وهذا قد يجعله يدرك المشاكل التى تعاني منها الدول الصغيرة و وامكانيات بريطانيا المحدودة مقارنة بامكانيات الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد السوفيتي. إذا هذا هو كان فعلا الوضع ( وانا ، طبعا، لم أقابل فكيني بعد ولذلك فلم أتمكن من أن أكون رأى فيه) فليس من المستحيل انه قد يميل الى تبني سياسة خارجية قوية وخاصة في الشؤون العربية.

وقد يتجه نحو الولايات المتحدة الامريكية بدلا منا للحصول على مساعدات لإصلاح الادارة في ليبيا. هذه السياسة ستكون في اعتقادي مرحبا بها من قبل الأمريكيين الذين ، كما ذكرت في السابق، بينوا حسد و ارتياب من كثرة عدد المستشارين البريطانيين في الحكومة الليبية.

الجانب الآخر لتعيين فكيني الذي يثير تخمينات وقلق هو اذا ما كان هو رجل الشلحي. انا اعتقد انه كان صديق للشلحي، ولكن العلاقة بينهما الان ليست أكيدة. حسب عدة تقارير، هناك عدة أيادي تدخلت في تشكيل الحكومة الحالية.

أولا، وفي المقدمة، طبعا الملك. هذه التغييرات الاخيرة تشير الى انعدام إرشادات من أعلى، الملك والملكة صحيًا ليس على ما يرام. ولكن لا أعتقد انه فقد القبضة لدرجة بحيث ليس له القدرة على اتخاذ القرار الحاسم في تشكيل حكومته.

قد تكون اعتبارات السياسة الخارجية، التى ذكرتها سابقا، أملت عليه جزئيا هذا الاختيار ، ولكن قد يكون للبوصيري الشلحي تأثير على هذا الاختيار. منذ وصول الملك الي طرابلس في منتصف ديسمبر، اصبح البوصيري الشلحي قريبا من الملك منذ اى فترة ى يبدوا أنه العلاقة وصلت الي ذروتها ( مثال، النجاح في الغاء القرار الملكي بخصوص الميناء النفطي لشركة BP في طبرق). في حين يمكن بكل ثقة اعتبار سيف النصر عبد الجليل هو مرشح من قبل الشلحي، يمكن اعتبار اخرين أصدقاءه او أصدقاء أصدقاءه.

وعليه فالكريكشي و الشويرف تم تعينهم بناء على توصية من فاضل بن زكري. بوزو صديق لعائلة لسيف النصر عبد الجليل وهكذا. لا أعتقد أن هذا يحتم علينا الوصول الى استنتاجات متسرعة، ولكن يجب ان نأخذها بعين الاعتبار.

اذا كان الشلحي مسؤولا كليًا او جزئيًا على تكوين الحكومة الجديدة، فمن المحتمل كانت يجب ان تتضمن أفراد من عيار فاضل بن زكري وربما علي الذيب. من المفروض أن فكيني ( ويقال أن شقيقه الذي هو سفير في تونس) يكون لهم دور في الاختيارات صهره بن قداره خير مثال على ذلك ولكن وصلتنا معلومات من مصادر موثوقة ان حوالي اربع او خمس أفراد كان يرغب ان يضمهم الي الوزارة، إما اعتذروا أو لم يتمكن من الاتصال بهم في الوقت المناسب.

هذا قد يفسر الحقيقة الغربية ان هناك على الأقل خمس وزراء من حكومة بن عثمان لازالوا في مناصبهم ( وليس بالضرورة انهم من اكفأ الوزراء) وبدون أى شك نتوقع الآن أن سيكون هناك تغييرات قادمة في الوقت المناسب. يقال أن علي الساحلي له يد في الكعكة.

وأخيرا، ما هي نوعية الحكومة التى سنتعامل معها؟.

هي حكومة أصغر سنا بالمقارنة: سن رئيس الحكومة فوق الأربعين بقليل، والعديد من وزرائه اقل من الأربعين. ويقال انهم اكثر نزاهة وأفضل تعليما عن الوزراء السابقين ( هذا بكل تأكيد ينطبق على رئيس الوزراء).

على المدى القصير، أعتقد يجب أن نتأقلم مع رؤية مستقلة، في الاتجاه الذي أشرت اليه في فقرة أعلاه. من هذا المنطلق، أنا سعيد أن تبادل الرسائل بخصوص تأجيل مراجعة الاتفاقية قد تم التوقيع عليه إذا لم ينشر. ولكن، للاسف، استلمتُ رسالتك رقم VT 1054/14 بتاريخ ١٥ مارس التى تشمل المسودة الموافق عليه للأسئلة والأجوبة النيابية بخصوص الموضع في نفس اليوم الذي تم فيه اقالة الحكومة السابقة.

لذلك ، يجب عليه ان أحصل على الموافقة على المسودة مع رئيس الوزراء / وزير الخارجية الجديد الذي بالطبع الذي ستتاح له كل الفرص لطرح أمور جديدة اذا رغب ان يماطل.

على الأمد الطويل، ليس فقط أننا فقدنا صديق حميم في بن عثمان الذي أنا على يقين انه كان يعنى ما كان دائما يقول ان الاتفاقيات الليبية الانجليزية هى حجر الأساس لسياسة ليبيا الخارجية، ولكن لن نكون على ثقة كمأ كنّا سابقا انه عندما يغادر الملك الساحة سيكون هناك حكومة في السلطة ملتزمة بحزم لتولى ولي العهد العرش كما كان بن عثمان.

وبناء عليه يجب أن نعيد تقييم أفكارنا بخصوص التطورات في ليبيا. ما جرى خلال الأسبوعين الماضيين يجعل التنبؤ باى شئ في ليبيا حتى للأربع وعشرين ساعة القادمة هو ممارسة عقيمة.

الملخص

انا اعتبر ان بن عثمان قضى مدة خدمتهوقد يكون قد عزل بسبب سياسات قصرليبية عادية.

تعيين فكينى سيكون له تأثيرات على سياسات ليبيا الخارجية وعلى مستقبلها بصفة عامة قد لا تمنحنا كثيرا من الارياحية.

ولكن لن اختم بدون التأكيد ان ما كتبته في هذه الرسالة هو تخمينات. يجب ان نترقب تصريحات الحكومة الأولية التى المفترض ان تعلن في البرلمان يوم الخميس القادم حتى يمكن كتابة تقييم معتبر ونقيّم رئيس الوزراء.

لقد طلبت ان أقابله وهو الان بالطبع مشغول و قد احتاج ان الحقه الي البيضاء هذا الأسبوعسأبعث نسخ من هذه الرسالة الى كل من القائد الأعلى في البحر المتوسط، القائد العام في مالطا وليبيا، القائد الاعلي للقوات الجوية، و القوات الجوية في الشرق الأوسط، و الى كليك في واشنطن و جاكسون في بنغازي.

التوقيع.

ا. س. ستيوارت.

______________

المصدر: المصدر: صفحة وثائق ليبية قديمة

مقالات