ماريسا ماكغلينشي
الدروس المستخلصة
في حين أن كل صراع فريد من نوعه في طابعه وتاريخه، إلا أن هناك دروساً عامة يمكن استخلاصها من تجربة أيرلندا الشمالية. فالصراع في المقاطعات الست هو من أكثر الصراعات التي تمت دراستها في العالم، بحيث وصفه الباحثون بأنه مستعصٍ ومحصلته صفر.
لذلك، فإن عملية السلام التي جلبت سلاماً نسبياً إلى المنطقة تعتبر إنجازاً رائعاً. وقد تم تصدير الدروس المستخلصة من عملية السلام هنا إلى صراعات أخرى في جميع أنحاء العالم، من قبل السياسيين والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية.
في حين تشكل المصالحة تحدياً مستمراً في أيرلندا الشمالية، إلا أن المنطقة انتقلت من الصراع العنيف إلى السلام النسبي.
وقد تكون الدروس التالية مفيدة للبلدان الأخرى الخارجة من الصراع:
أولا: قيام عملية السلام والمصالحة في أيرلندا الشمالية على أسس المساواة والتكافؤ في المكانة، وهي مبادئ مكرسة في اتفاق الجمعة العظيمة لعام 1998.
فقد كانت أول نقطة انطلاق للسلام في أيرلندا الشمالية هي تكريس المساواة بين المجتمعات القومية والوحدوية والمجتمعات الأخرى، بحيث تم دمج مبدأ المساواة في المؤسسات القائمة على تقاسم السلطة، ويشمل ذلك حق النقض المتبادل والاستقلال الذاتي القطاعي.
إذ لا يمكن تحقيق المصالحة في مجتمع خارج من صراع بدون بنائها على أسس المساواة التي يجب أن تكون مضمنة في الاتفاق والمؤسسات والثقافة المجتمعية ككل.
ثانيا: أثبتت أيرلندا الشمالية أن إنهاء الصراع العنيف لا يتطلب سردية مشتركة متفقاً عليها للماضي.
ففي أيرلندا الشمالية، لم يتم الاتفاق على سردية واحدة، ولا تزال هذه المشكلة سبب خلاف بين تقاليد القوميين والوحدويين المختلفة. لكن عملية السلام في أيرلندا الشمالية أظهرت أنه من الممكن إنهاء الصراع والمضي قدماً حتى مع تبنّي آراء متعارضة بشأن الصراع، بما في ذلك وجهات نظر متعارضة بشأن أسباب نشوء الصراع.
فالأولوية هي إنهاء العنف والخسائر في الأرواح. وبالتالي، كان الأمر المهم هو الاتفاق على المضي قدماً على أساس سلمي، والسعي إلى تحقيق الأهداف السياسية من خلال مؤسسات تقاسم السلطة المنبثقة عن الاتفاق. وربما لن يتم التوصل إلى سردية موحدة عن الماضي في أيرلندا الشمالية، لكن هذا لا يمنع التقدم والسلام النسبي.
ثالثا: يتمثل جزء رئيسي من عملية أيرلندا الشمالية في نقل صلاحيات العدالة وإصلاح نظام الشرطة.
فعلى مر التاريخ، كان المجتمع القومي والجمهوري معادياً للشرطة في أيرلندا الشمالية، وتحديداً شرطة ألستر الملكية. وفي عام 1999، بشّر تقرير باتن بتغيير كبير في الشرطة في أيرلندا الشمالية حيث تحولت شرطة ألستر الملكية إلى شرطة أيرلندا الشمالية. وشملت التغييرات الرئيسية التمييز الإيجابي الذي أدى إلى زيادة كبيرة في أعضاء المجتمع الكاثوليكي المنضمين إلى سلك الشرطة الجديد، إلى جانب قسَم جديد يؤديه جميع المجندين للتعبير عن التزامهم بحقوق الإنسان.
بالتالي، تشكل أعمال الشرطة المقبولة حجر الزاوية الذي تقوم عليه جهود المصالحة الحقيقية.
رابعا: في تجربة أيرلندا الشمالية، لم يكن إنهاء الصراع العنيف سوى بداية جهود المصالحة الجادة.
فقد جرت العملية السياسية في أيرلندا الشمالية بقيادة النخبة، بدون أي استراتيجية بشأن العلاقات الودية كان من الممكن وضعها إلى جانب العملية التي تقودها النخبة. وربما ثبت أن الاستراتيجية التكميلية للعلاقات الطيبة كانت أجدى في تحقيق مصالحة مستدامة.
وأظهرت أيرلندا الشمالية أيضاً أن جهود المصالحة والإدماج تتطلب تخصيص الموارد والخدمات على نحو كاف لاستكمال جهود المجتمع المدني وتعزيزها.
خامسا: دام الاتفاق في أيرلندا الشمالية لأن المحادثات التي أدت إليه كانت شاملة لجميع أطراف النزاع.
ناقشت المؤلفات العلمية حول أيرلندا الشمالية ما إذا كان ينبغي القبول بمشاركة المتورطين في العنف في محادثات السلام أم لا. وفي عام 1997، وافق حزب شين فين على مبادئ ميتشل، ما مهد الطريق أمام الحزب للدخول في المحادثات بين كل الأحزاب (مع بعض المعارضة من الوحدويين).
والأرجح أن الاتفاق ما كان ليستمر بدون شين فين. وبذلك أظهرت حالة أيرلندا الشمالية أهمية المحادثات الجامعة.
سادسا: من السمات البارزة لعملية السلام في أيرلندا الشمالية مشاركة الجهات الفاعلة الخارجية والجهات المسهِّلة إلى جانب المجتمع المدني.
شكلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جزءاً أساسياً من تسهيل الحوار المؤدي إلى الاتفاقية. فقد كان للاتحاد الأوروبي دور كبير في توفير التمويل لجهود المصالحة من خلال صناديق السلام، فيما اضطلعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدور حاسم في توفير الزخم والدعم لعملية السلام.
فالسناتور جورج ميتشل مثلاً ترأس المحادثات التي أفضت إلى الاتفاق في عام 1998، كما قدم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون دعمه للعملية.
سابعا: أثبت استخدام اللغة البنّاء أهميته الحاسمة في تحقيق السلام بين التقاليد المتعارضة وغير القابلة للتوفيق في أيرلندا الشمالية – وهو ما سُمّي بالغموض البّناء.
فقد سمح اتفاق عام 1998 لكل من الجانبين بالتمسك به أمام قاعدته باعتباره طريقاً للمضي قدماً. كما أن الزعيم السابق لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي ومفاوض اتفاق الجمعة العظيمة مارك دوركان شبّه الاتفاق بصورة ثلاثية الأبعاد تديرها وتنظر إليها بطرق مختلفة لرؤية أشياء مختلفة. بالتالي فإن اللغة البناءة تساعد في تمهيد الطريق نحو الأمام في وضع لا رابح فيه ولا خاسر.
________________
المصدر: ورقة بحثية – منصة لويس للبحر الأبيض المتوسط