عبدالله الكبير

بعد عبور موسى عليه السلام البحر وغرق فرعون وجنوده، كما جاء في القرآن الكريم، وما زالت آثار البحر على أجسادهم وملابسهم، مروا على قوم يطوفون حول أصنام عاكفون لها بالعبادة، فطلبوا من النبي موسى أن يصنع لهم صنما يتخذونه إلاها مثلهم.

(وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون) “الأعراف 138″.

هنا يشخص النبي موسى ويكشف عن العلة الأولى والأساسية في طريق التغيير. الجهل، الذي سيكون العائق الأكبر والمصيبة الكبرى والحاجز الضخم الذي سيحول دون التحول من عبادة أصنام لا حول لها ولا سلطان ولا قوة إلى عبادة الواحد الأحد، الله الذي أرسل فيهم موسى وهارون عليهما السلام،  ونجاهم من الذل والعبودية والامتهان، ووعدهم بالاستقرار والأمن والحرية ببذل بعض الجهد للوصول إلى الأرض الموعودة.

غير أنهم بما هم فيه من  جهل لم يتدبروا أمرهم وما صاروا إليه، ولم يستوعبوا الحرية بعد الخروج من مملكة الطاغية، ولم يتفكروا في آيات الله وقد جرت أمامهم، وكيف انتهى الطاغية غرقا، ولكن جسده بقي سليما هامدا على ضفاف البحر، لحكمة من الله سبحانه وتعالى، لتسقط كل الأوهام والأكاذيب حول ألوهيته، وتظهر حقيقته لقومه فهو  بشر مثلهم لا يختلف عنهم في شيء، وليكون عبرة لكل طاغية ومتجبر في الأرض في العصور التالية.

( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) “يونس92″.

الجهل بشروط التغيير ومتطلباته، يخلف كل الكوارث التي تعقب النصر في أول مرحلة من مراحل التحول، ثم الكسل عن المثابرة التي ينبغي أن يتمسك بها الشعب حتى يحقق ما يصبو إليه، والحمد والشكر لله على إنقاذهم من الظلم والفجور والعذاب، في كل مراجعة لمسيرة التحول، لأنها بدون شك ستكون مليئة بالتحديات والمصاعب.

من كوارث الجهل استجابة الناس للشائعات، والاستسلام للحذاق والنصابين، حتى يجدوا أنفسهم تحت رحمة طاغية جديد أسوأ ممن سبقه، والعبرة دائما بقصة بني إسرائيل بعد العبور العظيم والنجاة وغرق الفرعون.

فبعد ذهاب النبي موسى لمناجاة ربه، أخرج لهم السامري من ذهبهم وزينتهم عجلا ذهبيا وقال لهم هذا إلهكم، لقد نسيه موسى,

( فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسى ) “طه88″.

و قرروا التعبد له حتى يعود إليهم النبي موسى، ولم تجد توسلات النبي هارون وتحذيراته من الفتنة، وأنه لا إله لهم إلا الله.

( ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فأتبعوني وأطيعوا أمري) “طه90″. 

تماما مثلما يجمع طاغية جديد سفلة القوم وأراذلهم، ويقول للناس هذا جيشكم الذي سيخلصكم من الفوضى ويعيد لكم حقوقكم وينشر بينكم الأمن والطمأنينة، فيستسلم الناس وكأنما أصابهم الوهن وفترت عزيمتهم، ونسوا ما كانوا فيه من ذل وقهر، فيخضعون له بإرادتهم، ويسلمون له زينتهم من الحياة الدنيا ليخوض بها الحروب ويسفك الدماء، ثم يعيد عليهم كرة القهر والامتهان والقتل.

تلك هي سنن الله التي بثها في الأرض في تغيير حال الناس إلى الأفضل أو الأسوأ، إما أن يغيروا ما بأنفسهم، ويطرحوا عنهم كل ما أصابهم في مرحلة الطغيان من موبقات وعادات سيئة كالنفاق والتملق والذل، ويتمسكوا بالفطرة السليمة، أو ينتهي بهم المطاف إلى فناء الأجيال التي تكونت في زمن العبودية، وينشأ جيل جديد، مختلف لم يتربى في ذاك الزمن، لا يؤله حكامه ويحولهم إلى طغاة يسومونه سوء العذاب، مخلصا في عبادته للواحد الأحد.

____________

مقالات