مركز سوفان
يحاول مسؤولو الأمم المتحدة منع تصاعد التوترات بين قوات الحكومة والميليشيات في غرب ليبيا، والتي قد تتطور إلى اشتباكات مسلحة تهدد المدنيين في طرابلس والمناطق المحيطة بها.
ويصر رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، على حلّ الميليشيات لتعزيز سلطته في الغرب.
ومن شأن أي تصعيد للعنف في غرب ليبيا أن يعقّد أكثر عملية الأمم المتحدة التي استمرت سنوات والتي تسعى إلى توحيد الحكومة في الشرق والغرب وإجراء انتخابات وطنية.
وبواسطة نشر قواتها، توجه تركيا رسالة إلى الدبيبة بعدم مهاجمة مواقع الميليشيات، لكن أنقرة تعمل أيضاً مع الحكومة المنافسة في شرق ليبيا لتعزيز مصالحها في شرق البحر المتوسط.
مع بداية شهر سبتمبر، كانت ليبيا، بعد سقوط نظام القذافي، على حافة حرب جديدة، حيث تسعى حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من الأمم المتحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة إلى فرض سيطرتها على القوة العسكرية في غرب ليبيا.
وقد شهدت ليبيا بعد سقوط القذافي صراعات مسلحة سابقة بين حكومة طرابلس وقوى أخرى في شرق البلاد، بقيادة الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.
منذ فشل هجوم حفتر في عام 2019 للاستيلاء على طرابلس، سعى وسطاء الأمم المتحدة، دون جدوى، إلى التوصل إلى اتفاق لتوحيد الحكومة في الشرق والغرب وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.
لكن قادة سياسيين في الشرق والغرب عارضوا جهود الأمم المتحدة، لأن توحيد السلطة في ليبيا يتطلب من بعض القادة التخلي عن نفوذهم. ويبدو أن التهديد بالعنف يقتصر على غرب ليبيا، حيث يتنافس قادة وفصائل مختلفة على السلطة في طرابلس.
ويعتقد الدبيبة أن إضعاف خصومه المسلحين سيجلب له دعم قوى خارجية، وربما يجعله قائداً لليبيا الموحدة. كما أن سيطرته على القوات المسلحة في غرب ليبيا ستعزز قدرة طرابلس على صد أي هجوم من الجيش الوطني الليبي، الذي يستفيد من إعادة نشر القوات الروسية في سوريا، حيث يبدو أن دور روسيا هناك قد انتهى.
يشتبه الدبيبة وحلفاؤه في أن الميليشيات حول طرابلس قد تساعد حفتر في محاولة مستقبلية لإسقاط الدبيبة وإحلال الوحدة في البلاد بالقوة. إلا أن نجاح الدبيبة في مواجهة خصومه في غرب ليبيا سيعزز موقفه في مقاومة أي تسوية تقودها الأمم المتحدة تتطلب منه التنحي، مما يزيد تعقيد جهود الأمم المتحدة لإعادة بناء النظام السياسي في ليبيا.
يبدو أن الاضطرابات الحالية تجدد التوترات التي أدت إلى اشتباكات مسلحة مميتة في طرابلس ومحيطها في مايو/أيار، حيث قتل مدنيون في تبادل إطلاق النار. وكما حدث في مايو/أيار، تدور التوترات حول نية الدبيبة تفكيك الميليشيات بالقوة.
ويتمحور النزاع الحالي، الذي أدى إلى مناورات عسكرية متضاربة واشتباك على الأقل الأسبوع الماضي، حول إصرار الدبيبة على أن تخضع قوات الردع الخاصة لسيطرة السلطات على المنشآت الحساسة في طرابلس، بما في ذلك سجن ومطار معيتيقة.
يُزعم أن السجن يحتجز، من بين المعتقلين، أعضاء من تنظيم القاعدة وداعش. وقد تصاعدت التوترات في الأيام الأخيرة بعد أن أمر الدبيبة قوات موالية من مصراتة شرق العاصمة ومن غريان جنوبها بالتوجه إلى معيتيقة.
وبما يعكس صراع سلطة أوسع، فإن قوات الردع الخاصة تحالفت مع هيئة قيادية أخرى في طرابلس، وهي المجلس الرئاسي، الذي أنشئ بموجب اتفاق سياسي عام 2015 ليكون رأس الدولة وقائد الجيش.
في الواقع، لم يكتسب المجلس سلطة كبيرة، وهو يسعى لتعزيز نفوذه مقارنة بإدارة الدبيبة، التي انتهت ولايتها رسمياً في أواخر عام 2021. ويجادل الدبيبة بأن ولايته لم تنتهِ لأن الانتخابات الوطنية التي ترعاها الأمم المتحدة والمقررة في ديسمبر/كانون الأول 2021، والتي كانت ستلغي إدارته، قد ألغيت.
يتابع مسؤولو الأمم المتحدة بقلق تصاعد التوترات والمناورات العسكرية في غرب ليبيا. يوم السبت، حذرت بعثة دعم الأمم المتحدة في ليبيا من أن تحركات مفاجئة للجنود والأسلحة الثقيلة قد تثير عنفاً جديداً في العاصمة. وأضافت أن الوضع يشكل “خطراً محتملاً” على المدنيين.
أن أي نزاع جديد سيُعرّض للخطر ليس فقط أمن العاصمة، بل سيُفاقم أيضاً خطر انتشار العنف في جميع أنحاء البلاد. أضافت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن أي نزاع مسلح جديد لا يهدد أمن العاصمة فحسب، بل يهدد أيضاً بتصاعد العنف في أنحاء البلاد، مما سيدفع إلى حرب كارثية ستعرض المدنيين للخطر بشكل كبير.
ويبدو أن تحذيرات الأمم المتحدة كانت في محلها، ففي يوم الثلاثاء، فجّر انتحاري سيارة مفخّخة أمام بوابة مقر الفرقة 444 التابعة لوزارة الدفاع في بني وليد. ويعتقد الخبراء أن الضغط الإضافي من القوى الدولية، إلى جانب الضغط من القادة الليبيين، قد يمنع اندلاع نزاع مسلح.
وأشار بيان بعثة الأمم المتحدة يوم السبت إلى أن الحوار السياسي بين الأطراف المتنازعة بشأن ترتيبات أمنية جديدة شهد تقدماً منذ يونيو/حزيران، لكن التحركات العسكرية الأخيرة قد تعرقل هذه الجهود.
وأفادت مصادر ليبية أن هناك محاولات للتوسط لإقناع الدبيبة بالتراجع عن خطوات قد تؤدي إلى مواجهة في طرابلس، حيث يضغط كل من الأطراف المحلية والدولية عليه لضبط النفس.
ودعت اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” – التي أنشئت لتهدئة التوتر العسكري بعد فشل هجوم حفتر في عام 2019 – جميع الوحدات المسلحة إلى العودة إلى مواقعها. ودعت اللجنة جميع الأطراف إلى الامتناع عن أي إجراءات أحادية، والالتزام بوقف إطلاق النار، مشيرة إلى أهمية ذلك لحماية المدنيين واستمرار العملية السياسية.
ويتوقع مسؤولو الأمم المتحدة أن تستغل تركيا نفوذها الواسع لدى جميع الأطراف في غرب ليبيا لتهدئة التوتر. وتعد أنقرة الداعم الرئيسي والمورد للسلاح لحكومة طرابلس، لكنها زودت أيضاً الميليشيات التي يحاول الدبيبة السيطرة عليها بالسلاح.
وقد لعبت هذه الميليشيات دوراً أساسياً في صد هجوم حفتر عام 2019، وما زالت أنقرة تعتبر هذه القوات غير النظامية ضرورية لتمكين طرابلس من صد أي هجوم آخر على العاصمة.
ويوجد بعض الجنود الأتراك في مطار معيتيقة للمساهمة في تأمين المطار والسجن هناك. وقد رفضت أنقرة مطالب الدبيبة بإخلاء القوات التركية للمطار، إذ أن انسحابها سيجعل الميليشيات في المطار عرضة للخطر.
وأفادت مصادر في طرابلس أن القوات التركية ما زالت تمارس أنشطتها الاعتيادية في المطار، في رسالة واضحة من أنقرة للدبيبة بعدم مهاجمة مطار معيتيقة. لكن، باستثناء محاولات تركيا لثني الدبيبة عن استخدام القوة ضد الميليشيات في مطار معيتيقة، لا يبدو أن المسؤولين الأتراك يتبنون نهجًا دبلوماسيًا فعالًا مع مختلف الأطراف في غرب ليبيا لتهدئة التوترات.
فتركيا تركز جهودها على التواصل مع حفتر وحلفائه في بنغازي، بهدف تنويع تحالفاتها في ليبيا وتعزيز مصالحها الاستراتيجية في شرق البحر المتوسط. ومن المقرر أن يزور حفتر تركيا في أواخر سبتمبر، ما سيوفر للقيادة التركية فرصة الضغط عليه لإقناع مجلس النواب الليبي (في الشرق) بالمصادقة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية لعام 2019 بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني.
فمصادقة المجلس على الاتفاقية ستجعلها سارية المفعول. وتعارض كل من اليونان ومصر هذه الاتفاقية، إذ يعتبرونها تميزية لتركيا وتخالف اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي أبرمتها اليونان ومصر في عام 2020.
وتواجه تحذيرات الأمم المتحدة، والحوار بين الأطراف الليبية، ومحاولات أنقرة لمنع الدبيبة من استخدام القوة، صعوبات كبيرة، نظراً لترسيخ الدبيبة لسلطته في غرب ليبيا.
وفي مقابلة مع قناة الأحرار الليبية، أكد الدبيبة: “نواصل خطتنا الأمنية، ولن نتراجع عن القضاء على الميليشيات، ومن لا يريد الحرب عليه أن يلتزم بدولة القانون ومؤسساتها“.
وأوضح أن الميليشيات رفضت الانضمام إلى المؤسسات العسكرية الرسمية، ووصفها بأنها مجموعات إجرامية، مشيراً إلى أن استقلاليتها تشكل انقلاباً على الدولة. وادعى الدبيبة أن الميليشيات مسلحة بشكل أفضل من الجيش، بل لديها طائرات حربية، واتهم قادتها باستغلالها لابتزاز المؤسسات الرسمية.
وأكد أن سياسة الحكومة واضحة، وستكون جميع الموانئ والمطارات تابعة للمؤسسات الحكومية، مضيفاً: “حان الوقت لاستعادة الدولة، ولن نترك أي مطار أو ميناء أو سجن خارج سيطرتها“. ويبدو أن إصرار الدبيبة على ترسيخ سيطرته على القوات المسلحة في غرب ليبيا، حتى باستخدام القوة إن لزم الأمر، يبرر تشاؤم الدبلوماسيين الدوليين من إمكانية استقرار ليبيا ووحدتها في المستقبل القريب.
____________