أسامة علي
تحصد الحوادث المرورية في ليبيا المزيد من الضحايا، وسط انعدام مقومات السلامة والقوانين الرادعة، وانتشار السلوكيات الخطرة في أثناء القيادة.
لا يزال نزف الطرقات في ليبيا مستمراً، إذ تواصل حوادث المرور الدامية حصد مئات الضحايا سنوياً، وسط عجز الدولة عن السيطرة على هذه الظاهرة التي باتت تهدد أرواح المواطنين يومياً. ومع كل إحصائية جديدة تبرز الصورة القاتمة لتدهور البنية التحتية مع تهوّر السائقين وغياب سلطة القانون.
وضمن بياناتها المتتالية التي تنشرها دورياً، أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، أخيراً، وفاة 619 شخصاً وإصابة 1,767 آخرين، جراء 2,670 حادث مرور خلال الربع الثاني من عام 2025، أي في الفترة الممتدة من مارس/ آذار حتى يونيو/ حزيران الماضي.
وأشارت الإحصائية إلى أن هذه الحوادث تسبّبت بأضرار لحقت بـ 4,392 مركبة، وبخسائر مادية قُدّرت بنحو 18.8 مليون دينار ليبي (أكثرمن 3 ملايين دولار أميركي).
وأوضحت الوزارة أن شهر يونيو سجل العدد الأكبر من الحوادث والوفيات مقارنة بباقي الأشهر، مؤكدة استمرار جهودها التوعوية والرقابية في إطار الخطة الوطنية للحد من الحوادث وضمان السلامة المرورية، داعيةً إلى التزام قواعد المرور وتجنّب السلوكيات الخطرة في أثناء القيادة.
غير أن هذه الإحصائية لم تتضمن حوادث يوليو/ تموز الماضي وأغسطس/ آب الجاري، التي تابعتها بيانات مديريات الأمن وغيرها من الجهات الأمنية خلال الشهرين الماضيين.
ففي الأول من يوليو لقي أربعة أشخاص مصرعهم وأصيب آخرون بجروح متفاوتة في حادث سير مروّع شرقي مدينة رأس لانوف، جراء تصادم سيارتين بسبب تجاوز السرعة المحددة.
وبعدها بيومين، شهدت منطقة البويرات (بويرات الحسون)، غربي مدينة سرت وسط البلاد، حادثاً مأساوياً بعد أن اصطدمت سيارة امرأة بشاحنة، ما أدى إلى وفاتها وإصابة ابنها وابنتها، إضافة إلى سائق الشاحنة.
وفي 23 يوليو، لقي أربعة أشخاص حتفهم وأصيب عدد مماثل على أحد الطرق المؤدية إلى العاصمة طرابلس. وفي 26 يوليو وقع حادث على طريق السبعة في طرابلس، حيث لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم وأصيب رابع بجروح بالغة، نتيجة تصادم ثلاث سيارات.
ومع نهاية الشهر، وتحديداً في 31 يوليو، أعلنت مديرية أمن طرابلس وفاة امرأة في حادث تصادم ثلاث سيارات على طريق الفلاح في حي الأندلس.
لم يتوقف النزف مع بداية أغسطس، ففي الأول منه لقي شخص مصرعه وأصيب آخر بجروح خطيرة إثر حادث قرب جزيرة الغيران في العاصمة طرابلس، بحسب ما أعلنت مديرية الأمن بطرابلس.
وتبرز خطورة هذه الكوارث في الإحصائية التي أعلنتها وزارة الداخلية في بيان سابق، حيث شهد شهر يوليو وحده 762 حادثاً مرورياً أودى بحياة 200 شخص وأصاب 333 آخرين، وأدى إلى تدمير 1,216 مركبة، ما يدلّ على أن الحوادث المرورية صارت سمة ملازمة لحياة الليبيين.
واللافت أن المشهد المأساوي تجاوز حدود البلاد ليحظى باهتمام دولي، إذ صنّفت منظمة الصحة العالمية في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2024، ليبيا ضمن قائمة الدول الأكثر خطورة بحوادث المرور على مستوى العالم، حيث بلغ معدل الوفيات 34 حالة لكل 100 ألف نسمة، فيما كشفت وزارة الداخلية أنها سجلت في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، 147 حالة وفاة و357 إصابة بالغة و228 إصابة بسيطة في 732 حادثاً.
أمام هذه الصورة المقلقة، يعبّر المواطنون عن استيائهم من تردّي أوضاع الطرقات والبنية التحتية، إذ يؤكد يحيى اشكاب، سائق سيارة تاكسي في طرابلس، أن سائقي وسائل النقل العامة أكثر الشرائح احتكاكاً بالطرقات، وشهوداً على ما يحدث من مآسٍ، ويسأل عن الخطة الوطنية للحد من حوادث المرور، التي تكرّر وزارة الداخلية الحديث عنها.
ويضيف اشكاب لـ“العربي الجديد” أن بعض الطرقات تخلو من شرطة المرور، ما يدفع الكثير من المواطنين إلى القيام بواجبات شرطي المرور للتخلص من زحمة السير. ويؤكد أنه كان بإمكان السلطات توفير عوامل عدة لتفادي الحوادث المرورية، من بينها صيانة الطرق المتهالكة، وتوفير أعمدة الإنارة لضمان السلامة المرورية ليلاً.
من جانبه، يرى الضابط السابق في شرطة مرور طرابلس، رجب التمتام، أن المسؤولية لا تقع على الدولة وحدها، بل إن سلوكيات السائقين ترفع بدورها من مستوى الخطر. ويؤكد لـ“العربي الجديد” أنه حتى لو غابت العلامات الإرشادية أو تراجعت الرقابة على الطرق، وخصوصاً الطويلة، يبقى بإمكان المواطن اتخاذ احتياطات تقلّل من احتمالات الكارثة.
ويرى التمتام أن السرعة الزائدة هي السبب الأساسي في كثير من الحوادث، وأن غياب ثقافة وضع حزام الأمان، على سبيل المثال، دليل على اللامبالاة، لافتاً إلى أن تقيد المواطنين بالحد الأدنى من الاحتياطات يقلص وقوع الحوادث وكلفتها الجسيمة.
_____________