None

في تاريخ ليبيا الحديث، قلّما برزت شخصياتٌ مثل سعد الله كول أوغلو، المعروف باسم الوالي العربي، وهو إداري تركي ربط في منتصف القرن العشرين الماضي العثماني للبلاد بسنواتها الأولى كدولة مستقلة.

وُلد كول أوغلو عام ١٨٨٤ في درنة، ليبيا، لعائلةٍ تربطها صلاتٌ وثيقةٌ بالتراثين التركي والليبي. قبل انتقاله إلى ليبيا، كانت له مسيرةٌ مهنيةٌ طويلةٌ في تركيا، حيث شغل مناصب إداريةً مختلفة، بما في ذلك مناصب حاكم منطقةٍ في أنحاء الأناضول، ثم تقاعد في النهاية كحاكمٍ بينغول.

من جذوره العثمانية إلى القيادة الليبية

بدأت قصة سعد الله كول أوغلو قبل توليه المناصب العامة بوقتٍ طويل. وُلد في عائلةٍ جمعت بين التراثين التركي والليبي، ونشأ في درنة، ليبيا، حيث استقر جده الأكبر، الإنكشاريّ من قرمان.

كان والده، حاجي مبروك أفندي، تاجر نفط مرموق، بينما فرّت والدته، زينب هانم، من جزيرة كريت بحثًا عن ملجأ في بنغازي.

انغمس كولوغلو في التقاليد العثمانية والسياسة المحلية، وشهد ضغوط الحكم الاستعماري الإيطالي، فاكتسب البصيرة والانضباط اللذين ميّزا مسيرته المهنية.

بدأ خدمته في الإدارة العثمانية ضابطًا صغيرًا في درنة، وسرعان ما ترقى في الرتب، وشغل مناصب في أنحاء الأناضول من بولدان وبينارهشار إلى أوف وسورمينقبل أن يحكم هكاري وبينغول.

بحلول وقت تقاعده عام ١٩٤١، كان قد اكتسب سمعة طيبة بحكمه الصارم والمباشر والفعال.

دعوة إلى ليبيا

بدأ الفصل الأكثر تحديدًا في حياة كولوغلو عام ١٩٤٩. فمع توجه ليبيا نحو الاستقلال بعد عقود من الحكم الاستعماري الإيطالي، واجه الملك إدريس السنوسي مهمة جسيمة تتمثل في بناء نظام إداري متماسك في منطقة مجزأة تاريخيًا وجغرافيًا.

لم يكن سعد الله بك مجرد موظف بيروقراطي يصل إلى ليبيا؛ بل دخل في بيئة سياسية متوترة.

سعى البريطانيون، حرصًا منهم على إبقاء ليبيا ضمن نطاق نفوذهم، إلى التلاعب بالسكان بتأخير وصول الأدوية الأساسية خلال فترات تفشي الأزمات الزراعية والصحية العامة.

بصفته وزيرًا للصحة في برقة، واجه كول أوغلو المسؤولين البريطانيين في خلافات حادة، مدافعًا عن السكان المحليين ضد الإهمال المتعمد.

وبسبب إحباطهم من إصراره، سعى البريطانيون إلى تجاوزه، متفاوضين بدلًا من ذلك مع زعماء القبائل لتقويض الدولة الليبية الناشئة.

على الرغم من هذه المكائد، وثق الملك إدريس بكول أوغلو. وقد عُرف في ليبيا باسم رئيس الوزراء التركيوفي العالم العثماني التركي باسم القائمقام العربي، وقد تم تعيينه أول رئيس وزراء في إمارة برقة.

وبينما كان ليبي آخر قد شغل هذا المنصب لفترة وجيزة من قبل، إلا أن ولاية سعد الله بك هي التي عززت هذا المنصب وأعطت مصداقية للسلطة التنفيذية للإمارة الفتية.

لقد نجح في مواجهة التدخل البريطاني، وتعزيز التماسك الإداري، ووضع أسس الحكم الذي يوازن بين التقليد والتحديث.

عود جذور العلاقات التركية الليبية إلى مرحلة الغزو الإسباني لليبيا، حين استنجد الأهالي المقاومون له بالدولة العثمانية في عام 1552 لمساعدتهم في تحرير بلادهم منه>

ودشّنت تلبية الدولة العثمانية طلبهم لحظة تاريخية، دخلت فيها ليبيا طوراً جديداً في العلاقة المباشرة مع العثمانيين الأتراك الذين كان لهم دور مهم في الدفاع عن ليبيا، ومعها بلدان المغرب العربي الأخرى، وتحت راية السيادة الإسلامية فيها، حيث شكّلت ليبيا، في ذلك الوقت، كياناً سياسياً مستقلاً.

ثم قام العثمانيون بتحديث أسس الدولة في ليبيا خلال مرحلة التنظيمات العثمانية. وعندما تعرّضت ليبيا إلى الاحتلال الإيطالي، أرسل العثمانيون قواتهم من أجل الدفاع عن ليبيا في عام 1911، وكان على رأس تلك القوات التركية أنور باشا، ومصطفى كمال.

ويحتفي الأدب التركي بالاسمين، كما يحتفي بأحمد الشريف السنوسي، الذي جاء من ليبيا آنذاك للمشاركة في حرب الاستقلال التركية.

ويروي الأتراك قصصاً عن الأمير عثمان فؤادي، الذي كان يقود جبهة القتال في ليبيا عند انهيار الدولة العثمانية.

وبعد أن احتل الطليان ليبيا، تشكلت حكومة ليبية في برقة بالمنطقة الشرقية، معظم شخصياتها كان يقيم في تركيا.

ويذكر كتّاب ومؤرّخون أتراك بفخر أنه عندما تشكلت الإمارة السنوسية بعد جلاء الإيطاليين، فإن أول زيارة خارجية للملك إدريس السنوسي كانت إلى تركيا، وطلب أن يكون التركي سعد الله كول أوغلو أول رئيس للوزراء في حكومة برقة بين 1949 و1952

_______________

مقالات