د. الصديق بشير نصر
لقد شرّفني الأستاذ علي حُسنين بالحضور إلى الصالون الأدبي الذي كان ينعقد في بيتي أوّلَ اثنين من كلّ شهر، ويحضره نخبة من المثقفين والعلماء، ويمتد عادةً من بعد صلاة المغرب إلى ما بعد صلاة العشاء وقد يمتد إلى ساعةٍ متأخرة.
وفي هذا الصالون حدثتا الأستاذ علي عن المستشرق الإيطالي إغناتسيو غويدي صاحب كتاب (محاضرات في تاريخ اليمن والجزيرة العربية قبل الإسلام الذي ترجمه د. إبراهيم السامرّائي، كما حدثنا عن المستشرق الإيطالي كارلو ألفونسو نللينو، وهو من أوائل المستشرقين الذين ردّوا فِريةَ تأثير القانون الروماني على الفقه الإسلامي، ومن الأوائل الذين اهتموا بتاريخ علم الفلك عند العرب، وجعله مادةً لمحاضراته في جامعة فؤاد.
وقد جُمِعت تلك المحاضراتُ، وكان يُلقيها بالعربية، في كتابٍ بعد ذلك. لم يتغيّب الأستاذ عليّ عن الصالون إلا نادراً، وكان حريصاً على الحضور، وكان الحاضرون حريصين أيضاً على السماع منه لا سيما فيما يتعلّق بتاريخ طرابلس الغرب وأعلامها.
وأتمنى أن يعكفَ الباحثون ويقوموا بجمع محاضرات الأستاذ عليّ وضمّها في مجموعٍ واحد يجمعُ شتاتَها لحفظها من الضَّياع، وتفريغ مادتها الصوتية إن تعذّر الحصول عليها مكتوبةً، وفي ذلك خدمةٌ جليلةٌ للثقافة الليبية.
وها هي ذي بعض العناوين للمحاضرات والمقالات التي شارك بها في المواسم الثقافية والمجلات:
• المدارس الايطالية وتطورها في ليبيا 1835/ 1950م.
• على مشارف الصحراء – غات.
• من معالم طرابلس القديمة (القبة).
• (المعماري الإيطالي في ليبيا.. امبيرتو دي سينيي نموذجا) عن المعماري الذي صمم هذه الواجهة الجميلة لمدينة طرابلس من الجهة الغربية، وملحق بنبذة مختصرة عن المهندس أومبيرتو دي سينيي .
• من تحف مدينتنا “نبع الحياة” و“ضراوة“.
• نماذج من عمارات مدينة طرابلس.
• سيدة غريان .
• نشأة الطباعة في طرابلس.
• بداية إنتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها في طرابلس.
• أول مستشفى أهلي في ليبيا.
• شارع كوشة الصفار بين ذاكرتين (جزء أول وثاني).
• أمير البحار حسين “القصدار” القرصان حسين القبطان.
• صورة قديمة أندثرت: حكاية (بُو سعدية).
• من النماذج المغمورة (كامل أفندي).
• إطرابلس مدينتنا القديمة.
• تاريخ المحافظة على الأحياء البرية ومناهجها.
• نبذة عن المرحوم محمود أحمد ضياء الدين المنتصر.
• الفقيه محمد الشريف وكناشة الظريف.
• حنفيات مدينة طرابلس.
• نبذة عن المرحوم الحاج مصطفى فوزي السراج.
• تاريخ عسكري: ليبيا مهد السلاح الجوي الإيطالي.
• باب الحرية وباب زناتة في طرابلس.
• معالم من طرابلس القديمة كما وصفها مؤرخ تركي.
• من الحليّ الليبية.
ومن المقالات والبحوث القيّمة التي استأثرت بها مجلة كلية الدعوة الإسلامية:
• عميد المستشرقين الإيطاليين (ليوني كايتاني) ترجمة لحياته، وعرض لكتابه (دراسات في تاريخ الشرق). العدد رقم 8 سنة 1991.
• أضواء على الكتاب القديم. العدد رقم 11 سنة 1994.
• من محتويات مكتبة الكلية (كتب نادرة باللغة الإيطالية). وقد نُشِر هذا العمل في العدد رقم11 سنة 1994. دون أن يذكرَ اسم المؤلف أو الكاتب وهو الأستاذ علي حسنين، وهذا إجحافٌ في حقّ الكاتب، خاصةً وأنّ هذا ليس مجرد فهرست، بل هو عرض تفصيلي للكتب.
• ميكائيلي آماري والنقوش العربية بكنيسة الأنطاكي في باليرمو. العدد رقم 12 سنة 1995.
• اللهجة المالطية: من أبرز آثار الحضور العربي بالجزيرة. العدد رقم 13 سنة 1996.
• لمحة تاريخية عن الدراسات الإيطالية المعاصرة في ليبيا. العدد رقم 15 سنة 1998.
• من أعلام مدينة طرابلس الغرباء المنسيين: سعيد داود طوقدمير. العدد رقم 19 سنة 2002.
ولا ريبَ أنّ تاريخَ ليبيا الثقافيّ والاجتماعيّ والسياسيِّ المعاصرِ حديثُ عهد بالتدوين، وظلّ إلى عهدٍ قريبٍ مخزوناً في التراث الشفهي والذاكرة الجماعية، ولذلك ظلّت بلادُنا في حاجة ماسّة إلى من يقوم بواجب كتابة تاريخها، وألا تقف عند حدّ ما كتبه عنها مؤرخون وبعثاتٌ وإرسالياتٌ من إيطاليين، وأتراك، وفرنسيين، وإنجليز.
بل يمكن أن نقول، وبحرقة، إنه حتى تلك المصادر لم ننتفع بها بالقدر الكبير، اللهم إلا ذلك القدر الذي تفضّل بترجمته عددٌ يسيرٌ من الفضلاء ممن أوتوا حظاً من معرفة تلك اللغات.
دوائرُ المحفوظات في تلك البلدان تعجّ بالوثائق والمراسلات فضلاً عن المؤلفات والكتب عن ليبيا وتاريخها المجيد التي لم يَسمع عنها إلا نفرٌ قليلٌ، وذلك أمرٌ محزنٌ. فإذا عَدِمَت البلادُ من يقوم بكتابة تاريخها فليس أقلَّ من ترجمة ما كتبه عنها غزاتها أو المارّون بها من مستكشفين ورحالةٍ عبروا منها إلى مجاهل أفريقيا فدوّنوا عنها ما شاهدوه أو عايشوه.
وإنه لمن المحزن أن تخصّصَ المكتباتُ العامّةُ بالبلاد الأوروبية أقساماً لتاريخ لليبيا تضم كتباً عنها بالفرنسية، والإيطالية، والتركية، والإنجليزية، والأسبانية، والروسية، ولا نرى لتلك الكتب أثراً في جامعاتنا ومعاهدنا.
ولم تكلّف الدولةُ الليبيةُ على عهودها المختلفة أدنى جهدٍ في هذا الموضوع، حتى لكأن تاريخَ هذه البلاد لا يعنيها لا من قريبٍ ولا من بعيد.
وإنه لمن المحزنِ حقاً أن تجدَ المكتبة العامة في مدينة صغيرة مثل آبردين بأسكوتلندا تخصص قسماً للمصنفات التي كُتِبت عن ليبيا بالإنجليزية ولا تجد لتلك أثراً لا في مكتباتنا العامة ولا الخاصة، ناهيك بمكتبات عظيمة كمكتبة باريس الوطنية، أو مكتبة الكونغرس الأمريكية، أو مكتبة سانت بطرسبورغ الروسية التي تضمّ بين أرففها أغلبَ، إن لم أقل جميعَ، ما كُتب عن ليبيا فضلاً عن الوثائق والمستندات والمراسلات، والصحف الليبية منذ أواسط القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا وهي محفوظة مجلّدة بعناية ومصوّرة.
تلك الصحف والمجلات التي لا يقيم لها كثيرٌ من الناس وزناً، إمّا لجهلهم بقيمتها أو لجهلهم باللغات التي كُتِبَت بها. وقلةُ حظّ أهلِنا بمعرفة اللغات الأخرى علّةٌ مُستحكمةٌ، وقد تنبّه إلى ذلك أستاذُنا عليّ حُسنين في مطلع دراسته الرائعة (شارع كوشة الصُّفار بين ذاكرتين) حيث قال:
“ليس من شكٍ في أنّ حلقاتٍ من تاريخنا ما بَرِحَت مخزونةً في ذاكرة بعض البالغين من العمر عِتِيّا، أو مدفونةً في بطون الكتبِ، والحولياتِ، والدورياتِ، والفصلياتِ، والتقاريرِ المحرّرَةِ بغير لغة الضاد، وذلك إما جَرّاءَ ظروفٍ استثنائيةٍ طرأت على حياة البلاد والعباد وإما نتيجةً لتقصير القادرين منا على استخراجها والاستفادة منها والإفادة بها.
وبالإضافة إلى ما تقدم، ثمة سببٌ آخر يتمثل في تقاعسنا عن بذل عناية جادة بتعليم اللغات الأجنبية وبتكوين جيل من المتقنين لها والقادرين على الانكباب بعشق على التنقيب مباشرة في المصادر المذكورة عن كلّ ما من شأنه تصحيح تاريخنا أو إثراؤه.
ولا يفوتني في هذا السياق أن اعترف بأنني قد استفدت شخصياً وما زلت استفيد كثيراً من إلمامي المتواضع ببعض الألسن الأجنبية، ولولا ذلك لما استطعتُ الوقوفَ على كثير من الحقائق“.
وختاماً، أكرر دعوتي التي ذكرتها أعلاه إلى القائمين على شؤون الفكر والثقافة في هذه البلاد أن يقوموا بجمع آثار هذا الرجل الكبير، وطباعتها في مجموعٍ واحدٍ يجمع شتاتَها. وهم بصنعهم هذا يُسدون خدمةً جليلةً للوطن بالتعريف بالحياة الثقافية والاجتماعية في ليبيا، فضلاً عن التعريف بأعلامها وشخصياتها.
هو ذا الأستاذ علي الصادق حُسنين، الترجمةُ الحقيقية العمليةُ لمعاني (التواضع) و(الأدب الرفيع).
جمعتَ إلى الحُسْنِ حُسناً آخرَ * * * فلله دَرُّ أبيك من حُسنَينِ
_____________
المصدر: أرشيف منتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية