جمال شلّوف
تشهد منطقة الساحل الإفريقي، وخاصة مالي والنيجر، تصاعداً في نفوذ الجماعات المتطرفة مثل “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (التابعة للقاعدة) و“الدولة الإسلامية في الساحل الكبرى“.
هذه الجماعات قد وسَّعت سيطرتها على مناطق واسعة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وتهديد الاستقرار الإقليمي.
ووفقاً لتقارير حديثة، شهدت المنطقة زيادة كبيرة في الهجمات الإرهابية منذ 2021، مع تركز العنف في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
سيطرة المجموعات المتطرفة في الساحل الإفريقي
في مالي، تسيطر الجماعات المتطرفة على أجزاء كبيرة من الشمال والوسط، حيث شهدت الهجمات زيادة بعد انسحاب بعثة الأمم المتحدة في ديسمبر 2023. وقد فرضت جبهة نصرة الإسلام والمسلمين حصاراً فعلياً على الوقود في العاصمة باماكو، مع السيطرة على قواعد عسكرية رئيسية مثل فارابوغو، مما أدى إلى تعطيل الحركة المدنية والعسكرية.
كما أن الجبهة وتنظيم الدولة في الساحل يسيطران على معظم الحركة المدنية في الوسط عبر الطرق البرية والنهرية.
في النيجر، تتركز الهجمات في مناطق تيلابيري وتاهوا، حيث أصبحت الهجمات الجماعية أكثر تكراراً، مما أسفر عن مقتل عشرات الجنود النيجريين.
ووفقاً لتقارير 2025، أصبحت خمس من أكثر عشر دول تأثراً بالإرهاب في الساحل، مع انتشار العنف جنوباً نحو دول غرب إفريقيا الساحلية. هذه السيطرة ليست عسكرية فقط، بل تشمل تعاوناً مع الشبكات الإجرامية للسيطرة على الموارد مثل الذهب واليورانيوم.
في بوركينا فاسو، تسيطر الجماعات المتطرفة من جبهة النصرة وتنظيم الدولة في الصحراء الكبرى على أجزاء كبيرة من المناطق الشمالية والشرقية، حيث يشنان هجمات متكررة على القوات الحكومية والمدنيين، مع سيطرة على طرق الإمدادات الرئيسية، مما أدى إلى حصار مدن مثل جيبو ودوري، وتعطيل التجارة والمساعدات الإنسانية.
كذلك فإن الجبهة تتعاون مع الشبكات الإجرامية للسيطرة على الموارد مثل الذهب. أما تنظيم الدولة الصحراوي، فسيطرته تتركز على المناطق الحدودية مع النيجر ومالي.
الخريطة المرفقة نشرها موقع “مخطط الحرب” في 30 سبتمبر الماضي وهي الأقرب لوصف مناطق سيطرة الجماعات حالياً في الساحل الإفريقي.
الأسباب التي أدت إلى تقدم وانتشار هذه الجماعات
ضعف الدول والفساد:
فقد أدت الانقلابات العسكرية إلى تفكك السلطة المركزية، مما سمح للجماعات بالتوسع. واستفادت الجماعات من الفساد؛ حيث خلقت الفجوة بين القيادات والشعوب فرصاً لتمددها.
الفراغ الأمني:
خلق انسحاب القوات الغربية فراغاً أمنياً، مما سمح للجماعات بالتقدم لملء هذا الفراغ.
في مالي، استغلت جبهة نصرة الإسلام والمسلمين الصراع الإثني، فرغم أنها تاريخياً تركز على التجنيد من المجموعات الشمالية مثل الطوارق والفولا، إلا أنها غيَّرت من أسلوب حملتها الدعائية، وخاصة نحو الإثنية البامبارية.
فالناطق الرسمي لجبهة النصرة هو أبو حذيفة البامباري، وهو من يوجه خطابه الدعائي باللغة البامبارية. كما أن استغلال اعتقال الضباط البامبار في أغسطس الماضي بعد اتهامهم بمحاولة انقلاب، كانت ردة فعله انضمام العديد من هذه الإثنية التي تمثل ربع سكان مالي إلى جبهة النصرة والقتال معها، مما سرَّع كثيراً من السيطرة على شرق مالي والانتقال إلى تيلابيري في غرب النيجر.
العوامل الاجتماعية والاقتصادية
فقد ساعد الفقر والنزاعات المحلية على تجنيد المقاتلين.
هناك اتهامات بأن فرنسا والولايات المتحدة دعمتا الإرهاب للحفاظ على نفوذهما على الموارد مثل الذهب واليورانيوم، لمقاومة التمدد الروسي هناك.
التداعيات المحتملة على ليبيا
ورد في تقرير أنطونيو غوتيريش لمجلس الأمن في أغسطس 2025 أن هناك اندماجاً بين الجماعات المتطرفة في الساحل الإفريقي وشبكات الجريمة المنظمة في ليبيا، وخاصة المتورطة في نقل الأسلحة والمقاتلين، وأن هناك أفراداً مرتبطين بشبكات لوجستية ومالية مع تنظيم الدولة في الساحل.
بينما ورد في تقارير أوروبية وأمريكية أخرى أن هناك نشاط تجنيد من تنظيمي القاعدة في المغرب الإسلامي وتنظيم الدولة في الساحل يحدث في عدة مناطق جنوب ليبيا.
ولا شك أن طبيعة التضاريس في جنوب غرب ليبيا، خاصة ممر سلفادور، بالإضافة إلى إلغاء قوانين مكافحة الهجرة في النيجر، أدت إلى نشوء حركة مجهولة الهوية نحو ليبيا، يدار بعضها من قبل الجماعات المتطرفة في الساحل، وكلها مؤشرات تَقرع ناقوس الخطر الذي يجب أن يُسمع صداه بوضوح لدى صناع القرار.
خاتمة
تُعَدّ سيطرة الجماعات المتطرفة في مالي والنيجر انعكاسًا لفشل الاستراتيجيات الأمنية، مع أسباب جذرية في الضعف الداخلي والانسحابات الخارجية. ولمواجهة ذلك، يحتاج الساحل إلى تعزيز التعاون الإقليمي والتنمية الاقتصادية، مع التركيز على معالجة الشكاوى المحلية لتقليل التجنيد.
ومع ذلك، مع استمرار التحديات حتى عام 2025، يظل الوضع هشًا وقد ينتشر جنوبًا وشمالًا إذا لم يتم التدخل الفعَّال.
ولله الأمر من قبل وبعد.
______________
