جمعة بوكليب
تأتي العواصف فجأة وبسرعة ولا تطول، لكن ما تتركه من أضرار وخسائر في الأرواح والممتلكات، وكذلك في النفوس، يستمر بعدها لفترة من الزمن.
في الآونة الأخيرة، داهمت عاصفة المستشفى المركزي في طرابلس، من خلال زيارة تفتيشية مفاجئة وغير مسبوقة، قام بها مدير هيئة الرقابة الإدارية.
ونقلت مواقع التواصل الاجتماعي هذه الزيارة المصورة، والتي انتهت بوقف مدير المستشفى وجميع المسؤولين عن العمل، وتحويلهم للتحقيق.
وتماشياً مع تقليد خبراء الأرصاد الجوية في إطلاق أسماء على العواصف والأعاصير، أطلقنا بدورنا على هذه العاصفة اسم «السبيتار الكبير».
ما كانت الزيارة لتتحول إلى عاصفة لولا سوء تصرف مدير هيئة الرقابة الإدارية، وتوبيخه وإهانته لمدير المستشفى والمسؤولين، وكأنهم خدم في ممتلكاته الخاصة، وليسوا موظفين عموميين في الدولة يستحقون التقدير والاحترام.
شعر المواطنون بالتعاطف مع مدير المستشفى والمسؤولين الآخرين، كونهم ظُلموا وأُهينوا أمام الناس من قبل مدير الهيئة. وبدأوا حملة إعلامية شرسة على الإنترنت ضد مدير الهيئة، ما زالت متواصلة.
تقوم الجهات الرقابية في الدولة، بطبيعة عملها، بزيارات تفتيشية لمرافق ومؤسسات ووزارات الدولة، وتقدم تقاريرها، ولكن دون ضجيج إعلامي.
أولًا: حدوث الزيارة في هذا الوقت تحديدًا، مصحوبًا بضجة إعلامية غير مسبوقة لإثارة الاهتمام ولفت الأنظار، يجعلها عرضة لتفسيرات عديدة، ليست بريئة بأي حال.
ثانيًا، أراهن على أن نسبة كبيرة من أصحاب ردود الأفعال الغاضبة على تنمر مدير هيئة الرقابة ضد الأطباء والعاملين بالمستشفى لم يزوروا المستشفى، ولا يعرفون شيئًا عن الوضع المأساوي في عنابره.
وأنصحهم بزيارته ليروا بأم أعينهم إلى أي مدى وصل حاله من السوء والإهمال، وما يعانيه من نقص في المعدات والتجهيزات. وهذا ليس تبريرًا مني لسلوك مدير هيئة الرقابة الإدارية.
ثالثًا، لا أظنني أذيع سرًا بقولي إن حالة المستشفى الكبير المزرية، وبقية المستشفيات العامة، ليست وليدة اليوم، بل تمتد إلى فترة الحكم السابق، إلا أنها ازدادت سوءًا في السنوات الأخيرة.
ذلك أن برنامج إلزام المرضى بإحضار كل شيء، من الشراشف والبطانيات والوسائد إلى الدواء، صار من شروط تلقي العلاج في المستشفيات العامة منذ سنوات، وما زال ساري المفعول.
هذا السبب كان وراء تحمل المرضى الليبيين مشاق السفر إلى تونس ومصر ومختلف البلدان بغرض العلاج. وهذا السبب أيضًا كان وراء انتشار المصحات الخاصة وابتزازها المالي الفاحش للمواطنين.
ركز أصحاب ردود الأفعال على مهارة الأطباء الليبيين وكفاءتهم ووطنيتهم، بقبولهم العمل في مستشفيات منهارة. وهم بذلك، من حيث لا يدرون، انحرفوا بالنقاش إلى قضية لا علاقة لها بالموضوع الأصلي.
فالقضية محل النقاش ليست كفاءة ومهارة الأطباء الليبيين ووطنيتهم وإخلاصهم، فهي ليست محل شك ولم يطلها ضرر، بل سوء إدارة المستشفى، والأسباب التي أدت إلى ذلك: هل هي من صنع مدير المستشفى والأطباء والعاملين أم من صنع غيرهم؟
أن تكون طبيبًا ماهرًا يشهد لك الجميع بالكفاءة والقدرة الطبية، وفي الوقت نفسه إنسانًا طيبًا ووطنيًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنك إداري كفؤ قادر على إدارة مستشفى عام بحجم مستشفى طرابلس المركزي.
علم الطب شيء، وإدارة المستشفيات علم آخر، يُدرّس في الجامعات. والذين زاروا بلدانًا أوروبية يعرفون أن من يديرون المستشفيات ليس الأطباء، بل متخصصون في الإدارة اكتسبوا التجربة والخبرة.
في ليبيا، ونظرًا لافتقاد المتخصصين في إدارة المستشفيات، لجأنا إلى سحب أطباء ماهرين وأكفاء من غرف العمليات وعنابر المرضى، وألقينا بهم في جب البيروقراطية وفسادها.
وتم ذلك دون توفير دورات تدريبية أو إشراف من لديهم الخبرة. الأطباء لا لوم عليهم، فهم اضطروا إلى ملء فراغ.
اللوم بكامله يقع على عاتق المسؤولين في الدولة لإهمالهم توجيه الطلاب للتخصص في دراسة علم إدارة المستشفيات.
مدير هيئة الرقابة الإدارية، بحكم منصبه، من المفترض أن يعرف خفايا الأمور. وقبل هذا، عليه أن يتعامل مع الموظفين باحترام وتقدير يليقان بهم. وإذا كان لا يعرف الحالة السيئة التي كان عليها المستشفى، فذلك تقصير منه يجعله عرضة للتحقيق إداريًا.
_____________
