أسامة علي
أصدرت محكمة جنوب بنغازي الابتدائية، الاثنين الماضي، أمراً ولائياً (مؤقتاً) لوقف قرار حكومة الوحدة الوطنية بقبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا.
جاء هذا الحكم بناء على طلب رئيس حكومة مجلس النواب أسامة حماد، الذي تذرع بأن ولاية المحكمة الجنائية الدولية لا تنطبق على دول غير موقعة على نظام روما الأساسي الذي أُنشئت المحكمة بموجبه، إلا بقبولها الصريح.
كما جاء الحكم في بنغازي ضمن سلسلة إجراءات متلاحقة رافضة لولاية المحكمة، منذ إعلان مدعيها العام كريم خان، في 15 مايو/ أيار الماضي، تلقي موافقة من حكومة الوحدة الوطنية على ممارسة المحكمة اختصاصها في التحقيق بأحداث البلاد من 2011 حتى 2027.
صحيح أن رفض ليبيا لولاية المحكمة ليس جديداً، فمنذ عام 2011 لم توافق على تسليم رموز النظام السابق للأسباب ذاتها التي ذكرها حماد الآن، لكن استعجال الأخير ومعه مجلس النواب في اتخاذ سلسلة إجراءات، يكشف عن صراع أعمق.
فقد تزامن منح الحكومة في طرابلس الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية مع صراعها ضد “جهاز الردع” (التابع للمجلس الرئاسي الليبي) الذي فشلت في إقصائه، ما يدل على سعيها لتسليط العدالة الدولية عليه لتفكيكه من الداخل.
فقبل أيام، تم إلقاء القبض على أحد قياداته في ألمانيا (خالد الهيشري تنفيذاً لمذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحقه)، فيما أسامة نجيم، القيادي الآخر، محاصر في طرابلس.
لكن هناك جانباً آخر يتعلق بمحاصرة الحكومة في طرابلس خصومها السياسيين في الشرق، وتحديداً اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المرتبط بالكثير من الملفات الجنائية الخطيرة؛ المقابر الجماعية في ترهونة والاغتيالات في بنغازي ودرنة والجنوب، خصوصاً أنها ملفات منظورة لدى الجنائية الدولية.
هذا التهديد المباشر هو الدافع الكامن وراء ضغط حفتر على مجلس النواب وحكومته في بنغازي لاتخاذ خطوات متلاحقة لسد الباب أمام المحكمة الجنائية، فالقبض على الشخصيات المتورطة في هذه الجرائم سيقود حتماً إلى حفتر.
المفارقة أن نظام روما الأساسي يسمح للمحكمة الجنائية بالتدخل عند عجز القضاء المحلي.
والسؤال المباشر الآن: هل الحكومة والقضاء في بنغازي يستطيعان فتح التحقيق في قضايا اختفاء سهام سرقيوة وإبراهيم الدرسي، فضلاً عن الفصل القضائي فيها؟
وماذا عن مجلس النواب حيالهما وهما عضوان فيه ولم يهمس حتى بشأن مصيرهما؟
ومعروف تماماً أن النائبين ضحية مواقفهما المعارضة لحفتر.
الواقع أن حفتر يوظّف التشريعات الليبية للتستر خلفها، وهو ما تفعله الحكومة في طرابلس أيضاً، والتي لا يبدو أن تحقيق العدالة يهمها لتمنح الولاية للمحكمة الجنائية في توقيت صراعها مع قوة الردع وتصاعد خصومتها مع حفتر وحلفائه، لتخدم أهدافها في معركة السلطة.
_____________