راشد عبدالرحيم

اتاح لي عملي في المجلس الاعلي للسلام، فرصاً لخلق علاقات مباشرة و صداقات قوية بعدد كبير من قادة الجنوب و علي رأسهم العميد الشهيد أروك طون أروك، و هو أحد قادة الحركة الشعبية المؤسسين و قد تولى فيها مواقع عسكرية و إدارية و تشريعية مهمة.

حدثني أروك أن علاقة قوية نشأت بينهم وبين القذافيقال لي إن القذافي طلب وفداً كبيراً برئاسة قرنق ليبحث معه احتياجات الحركة ليوفرها لهم .

قال أروك انهم اتفقوا و هم علي متن الطائرة متوجهين إلي العاصمة الليبية طرابلس ألا يطلبوا مالاً أبداً بل سلاحاً و عتاداً، و أن يمتنع أفراد الوفد عن التقدم بأي طلبات شخصية.

هذا الموقف أثار إعجاب القذافي و أجابهم علي طلباتهم بما فاق توقعاتهم إذ منحهم سلاحاً و عتاداً فاقت قيمته حينها التسعمائة مليون دولار أمريكي و زادهم في الكيل طقم أسنان تم تركيبه لأحد أعضاء الوفد الذي يتولى حاليا موقعا رفيعا في بلاده.

ذاك لم يكن التدخل المباشر الوحيد في الشأن السوداني من العقيد الليبي الذي ظل والغاً في تدخلات عسكرية أنهكت البلاد و العباد و لولاها لتغير تأريخ و صورة السودان حالياً.

لعل الناس (من القدامى) يتذكرون الطائرة الليبية التي حاولت قصف الإذاعة السودانية فأصابت طرفاً قصياً منها و طرفاً من منزل الإمام الصادق المهدي المجاور .

محاولة ضرب الإذاعة السودانية ذكرت السودانيين بأهزوجة الفنانة عائشة الفلاتية في قصة مشابهة تستهزئ فيها بالمعتدي إبان الحرب العالمية الثانية و تقول كلماتها:

(طيارة طايرة تحوم

شايلة القنابل كوم

جات تضرب الخرطوم

ضربت حمار كلتوم

ست اللبن) ..

كما يذكر الناس الحملة الشعبية في عهد مايو حين رفض النميري طلبات للقذافي لمساعدته في بعض تدخلاته العسكرية ضد دول أفريقية مما أغضب القذافي و طالب بسداد فوري لديونه على السودان، فاتجه النميري للشعب السوداني طالباً من كل مواطن أن يتبرع بقرش واحد، و نُظمت حملة لجمع التبرعات سميت بـ (قرش الكرامة).

هذا العدوان الليبي المتعدد من ليبيا القذافي و عدوان صنيعته حفتر على المثلث الحدودي هذه الأيام تذكرنا بجملة من تدخلات القذافي في الصراعات العسكرية في السودان و التي وقعت أشهرها و اكبرها في شهر يوليو الذي نعيش أيامه الآن.

كان التدخل الأول في أحداث الإنقلاب الشيوعي لهاشم العطاء في الثاني من يوليو 1971م حينما أجبر القذافي الطائرة التي كانت تقل إثنين من كبار أعضاء مجلس الثورة المتوجهين للخرطوم بل حملت رئيس المجلس المقدم بابكر النور و عضو المجلس الرائد فاروق عثمان حمد الله و سلمهما القذافي للرئيس النميري الذي أعدمهما فيما بعد .

ثم كان التدخل الثاني من القذافي و الذي تمثل في استضافة و تدريب و تسليح قوات الجبهة الوطنية السودانية التي كان يقودها عن حزب الامة الإمام الصادق المهدي و عن الاتحادي الديمقراطي الشريف حسين الهندي و عن الإخوان المسلمين عثمان خالد مضوي .

هذه القوى التي درب مقاتليها و سلحها العقيد القذافي فشلت في محاولتها بسبب خيانات داخلية و سوء في تنظيم التحرك و الناقلات من ليبيا و جهل الأنصار بموقع أهدافهم العسكرية .

استغلت مايو جهل المعتدين بطرق الخرطوم و مظهرهم و هم يحملون السلاح و لا يلبسون زياً عسكرياً لتطلق عليهم إسم (المرتزقة) و لتنجح في زرع كراهيتهم وسط المواطنين .

و كانت أكبر حملة مسلحة من القذافي ضد النميري انتهت بعمليات إعدام واسعة للمشاركين فيها و ليكتب في تأريخ السودان واحدة من سجلات القذافي السيئة و المتكررة في السودان .

____________

مقالات