الراحل فاضل المسعودي

الراحل محمد عمر الشغيوي هو الإبن الأكبر لزعيم المقاومة الليبية في هون عمر الشغيوي الهوني والمربية الليبية الشهيرة زهرة رمضان آغا الأوجي وكان لمحمد شقيقان هما وإدريس وحسن.

الوالد كان قائدًا للمقاومة الليبية وحارب ضد الاستعمار الإيطالي. وكان أصيل مدينة هون الواقعة وسط ليبيا. وقد حكمت عليه القوات الإيطالية بقيادة رودولفو غراتسياني بالإعدام وأعدم شنقًا بعد «معركة عافية».

الراحل محمد الشغيوي، كان من بين أوائل خريجي المدارس الثانوية الليبية ومعلمًا في المدرسة الإسلامية العليا في المدينة القديمة طرابلس وكان أيضاً مساهماً رئيسياً في التطوير الأولي للنظام التعليمي في ليبيا.

أسس الشغيوي العديد من المشاريع المجتمعية الليبية، بما في ذلك كونه أحد مؤسسين نادي الإتحاد الليبي وأول من أطلق الاسم على نادي الإتحاد لكرة القدم في عام 1944.

كان المرحوم نموذجا مثاليا لكوادر ورجال دولة الدستوروالبرلمان والمؤسسات التشريعية الحديثة وسيادة القانون، وكان من أبرز الرجال الشرفاء والمؤهلين فى ذلك  العهد .

الأستاذ المربي ، الفاضل ، محمد عمر الشغيوي ، بعد حياة حافلة من العمل في مجال خدمة الوطن والمساهمة في بناء نهضته وإرساء دعائم دولته .. دولة المملكة الليبية ، والقيام بدور بارز ومؤثر  فى بعث النشاط الثقافي والاجتماعي والرياضي في ليبيا.

بعد الحرب العالمية الثانية ، ْانطفأت في ليبيا شعلة تلك الحياة وخبت مصابيح توهجها ، مع ما خبا وانتهى إليه وهج الماضي المجيد برمته اثر وقوع الكارثة ” وانتكاس أعلام المملكة الليبية الفتية ”  ونجاح  الأشرار والانقلابيين والأوغاد  فى عساكر الجيش الليبي الملكي ”  من  اغتصاب السلطة وتمكنت  جحافل الجراد الصحراوي ”  من الاجتياح الكامل لتراب المملكة والإتيان على ما فيها من زرع  وضرع واخضرار ونِعَم ، والقضاء على ما تبقىّ من  أمجادها ومنجزاتها الحضارية ، وتعطيل مسيرة تقدمها الإنساني ، من خلال مشوارها الرائع الذي تحقق في أقصر زمن فى التاريخ .. خلال ثمانية عشر سنة فقط من عمر الدولة المستقلة ، التي لم تتأكد من مداخيلها النفطية  إلا قبيل خمس سنوات من وقوع نكبتها وزوال دولتها.. !!

*****

        محمد الشغيوى هذا ، انتقل إلى جوار ربه فى سكون ، ودون أن يستشعر بفداحة رحيله  وفجيعة غيابه  إلا القليل ، القليل من زملائه وعارفيه وأبناء جيله من سكان  مدينته طرابلس ، وهم آخر من بقي من  الرجال المحترمين  !

         فالراحل العزيز ، محمد  الشغيوي ، هو النجل الأكبر”  للمجاهد الليبي عمر الشغيوي ، الذى تمكن  جيش غراسياني من أسره أثناء معركة ( عافية ) ثم قام بشنقه ببلدة هون ، بل شنق معه ثمانية عشر من رفاقه ! وذلك فى الخامس عشر من شهر نوفمبر 1928 ، ولم يزل بين الأحياء فى ( بلدة هون ) من يستحضر مشهد إعدام البطل عمر الشغيوي وتعليق رفاقه على أعواد المشانق، ويتحدث بزهو وفخر عن الشجاعة التي واجه بها الشهيد الشغيوي وزملاؤه المجاهدون، الموت ،

وبقيت تلك المشاهد التي تصف موقف زوجة الشهيد عمر الشغيوي وصبرها وشجاعتها أثناء وبعد إعدام والد أطفالها الثلاثة حديث كل الناس .. ومن، في ذلك الزمن ، من لم يسمع بالسيدة التركية الأصل زهرة رمضان آغا العوجي ، التي رفضت بعد استشهاد زوجها أن تغادر ليبيا رغم ضغوط  الطليان وإلحاحهم على ذلك ، لكي يتبدد تأثير حضور شخصيتها الشجاعة فى نفوس بلدة هون ، بل وفى ذاكرة المجاهدين الليبيين في  ذلك الزمن جميعا ، والتي أصرّت ، رغم رغبة أسرتها وإلحاحهم ، على البقاء فى ليبيا وتربية أولادها الثلاثة على الأرض التى استشهد من أجلها زوجها .

بقيت الأم الشجاعة مع أبناء الشهيد محمد و إدريس ومع ثالثهم حسن الذي أصبح فيما بعد ، الإعلامي الكبير والصحفي البارز الذي لقبه الوسط الصحفي يومها  بشيخ النقاد الرياضيين فى ليبيا ولا يزال ،  أمد الله فى عمره وأوفر له الصحة والعافية وآنس به أصدقاءه الأوفياء وأحبابه الكثر ، داخل الوطن وخارجه .

ذلك  لسنين موضوع الأشعار والقصائد العديدة التي تروي الواقعة، و تتغنى بها وتتناقلها بعض النسوة ألهونيات المسنات حتى الآن . وعلى يد هذه الأم الشجاعة الفاضلة تربىّ الراحل ، محمد الشغيوي ، وترعرع وشب أخواه  إدريس وحسونه .

        دخل محمد ، المدرسة الابتدائية الإعدادية الإيطالية ، وتخرج منها بتفوق ليلتحق بالمدرسة الإسلامية العليا التي أراد الوالي الإيطالي ، السنيور ايتالو بالبوأن يشدّ بها اهتمام الأجيال الجديدة من الليبيين الطموحين والراغبين فى مواصلة الدراسة ، ويقنعهم بإمكانية تتميم تعليمهم العالي داخل ليبيا ، وثني  القادرين منهم على إرسال أولادهم لتحقيق ذلك التحصيل فى الأزهر أو حتى أيطاليا نفسها كما كان يفعل البعض؟

________________

المصدر: مقتطفات من مقال للكاتب

مقالات